الحديث : 522
صحيح البخاري ت - (16 / 259)
6446 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ
الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ)) متفق
عليه : خ 6446_م1051
شرح الكلمات
&
عمدة القاري شرح صحيح
البخاري - (23 / 55)
حَاصِل معنى الحَدِيث: لَيْسَ الْغنى
الْحَقِيقِيّ الْمُعْتَبر من كَثْرَة المَال، بل هُوَ من اسْتغْنَاء النَّفس وَعدم
الْحِرْص على الدُّنْيَا، وَلِهَذَا ترى كثيرا من المتمولين، فَقير النَّفس مُجْتَهدا
فِي الزِّيَادَة، فَهُوَ لشدَّة شرهه وَشدَّة حرصه على جمعه كَأَنَّهُ فَقير،
وَأما غنى النَّفس فَهُوَ من بَاب الرِّضَا بِقَضَاء الله لعلمه أَن مَا عِنْد
الله لَا ينْفد.
فوائد الحديث :
&
فتح الباري- تعليق
ابن باز - (11 / 272)
وقال القرطبي: معنى الحديث إن الغنى
النافع أو العظيم أو الممدوح هو غنى النفس، وبيانه أنه إذا استغنت نفسه كفت عن
المطامع فعزت وعظمت وحصل لها من الحظوة والنزاهة والشرف والمدح أكثر من الغنى
الذي يناله من يكون فقير النفس لحرصه فإنه يورطه في رذائل الأمور وخسائس الأفعال
لدناءة همته وبخله، ويكثر من يذمه من الناس ويصغر قدره عندهم فيكون أحقر من كل
حقير وأذل من كل ذليل.
والحاصل أن المتصف بغنى النفس يكون قانعا
بما رزقه الله، لا يحرص على الازدياد لغير حاجة ولا يلح في الطلب ولا
يحلف في السؤال، بل يرضى بما قسم الله له، فكأنه واجد أبدا،
والمتصف بفقر النفس على الضد منه لكونه
لا يقنع بما أعطى بل هو أبدا في طلب الازدياد من أي وجه أمكنه، ثم إذا
فاته المطلوب حزن وأسف، فكأنه فقير من المال لأنه لم يستغن بما أعطى، فكأنه ليس
بغنى، ثم غنى النفس إنما ينشأ عن الرضا بقضاء الله تعال والتسليم لأمره علما بأن
الذي عند الله خير وأبقى، فهو معرض عن الحرض والطلب
فيض القدير - (1 / 124)
والقناعة غنى وعز بالله، وضدُّها فَقْرٌ
وذُلٌّ للغير، ومن لم يقنع لم يشبع أبدا
ففي القناعة : العز والغنى والحرية # وفي
فقدها : الذل والتعبد للغير (تعس عبد الدنيا تعس عبد الدينار)
فيتعين على كل عاقل أن يعلم أن الرزق
بالقسم والحظ لا بالعلم والعقل ولا فائدة للجد حكمة بالغة دل بها على قدرته وإجراء
الأمور على مشيئته قال الحكماء : ولو جرت الأقسام على قدر العقول لم تعش البهائم
&
فيض القدير - (5 / 358)
((أن كثيرا ممن وسع الله عليه لا ينتفع
بما أوتي بل هو متجرد في الإزدياد ولا يبالي من أين يأتيه فكأنه فقير لشدة حرصه
فالحريص فقير دائما)) اهـ
&
فيض القدير - (5 / 358)
# ومن كفَّتْ نفسه عن المطامع قرت وعظمت
وحصل لها من الحظوة والنزاهة والشرف والمدح أكثر من الغنى الذي يناله من كان فقير
النفس فإنه يورطه في رذائل الأمور وخسائس الأفعال لدناءة همته فيصغر في العيون
ويحتقر في النفوس ويصير أذل من كل ذليل[1]
# والحاصل أن من رضي [ ص 359 ] بالمقسوم
فكأنه واجد أبدا ومن اتصف بفقر النفس فكأنه فاقد أبدا
يأسف على ما فات ويهتم بما هو آت فمن أراد غنى النفس فليحقق في نفسه أنه تعالى
المعطي المانع فيرضى بقضائه ويشكر على نعمائه ويفزع إليه في كشف ضرائه
&
مرقاة المفاتيح شرح
مشكاة المصابيح - (8 / 3236)
أَنَّ الْغِنَى الْحَقِيقِيَّ هُوَ
قَنَاعَةُ النَّفْسِ بِمَا أَعْطَاهُ الْمَوْلَى، وَالتَّجَنُّبُ عَنِ الْحِرْصِ
فِي طَلَبِ الدُّنْيَا، فَمَنْ كَانَ قَلْبُهُ حَرِيصًا عَلَى جَمْعِ الْمَالِ،
فَهُوَ فَقِيرٌ فِي حَقِيقَةِ الْحَالِ وَنَتِيجَةِ الْمَآلِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ
كَثِيرٌ مِنَ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى طَلَبِ الزِّيَادَةِ
بِمُوجِبِ طُولِ الْآمَالِ،
وَمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ قَانِعٌ
بِالْقُوتِ وَرَاضٍ بِعَطِيَّةِ مَالِكِ الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، فَهُوَ غَنِيٌّ
بِقَلْبِهِ مُسْتَغْنٍ عَنِ الْغَيْرِ بِرَبِّهِ، سَوَاءٌ يَكُونُ
فِي يَدِهِ مَالٌ أَوْ لَا. إِذْ لَا يَطْلُبُ الزِّيَادَةَ عَلَى الْقُوتِ وَلَا
يُتْعِبُ نَفْسَهُ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا إِلَى أَنْ يَمُوتَ، بَلْ يَسْتَعِينُ
بِالْقَلِيلِ مِنَ الدُّنْيَا لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ الْجَمِيلِ فِي الْعُقْبَى
وَالثَّنَاءِ الْجَزِيلِ مِنَ الْمَوْلَى، رَزَقَنَا الْمَقَامَ الْأَعْلَى.
المفاتيح في شرح المصابيح - (5
/ 280) - الحسين
بن محمود المظهري :
((# فمن كان في قلبه حرصٌ على جمع المال
فهو فقير وإن كان له مال كثير؛ لأنه يحتاج إلى طلب الزيادة، ويُتعب نفسه بطلب
الزيادة، ولا ينفق ماله على نفسه وعياله من خوفِ أن ينقص ماله.
# ومن كان له قلب بعيد عن الحرص، راضٍ
بالقوت، فهو غني وإن لم يكن له مال؛ لأنه لا يطلب الزيادة من القوت، ولا يتعب نفسه
في طلب المال)) اهـ
مجموع الفتاوى ( ط: دار الوفاء - تحقيق
أنور الباز ) - (18 / 329)
فَإِنَّ الْحُرَّ عَبْدٌ مَا طَمِعَ
وَالْعَبْدُ حُرٌّ مَا قَنِعَ . وَقَدْ قِيلَ : أَطَعْت مَطَامِعِي
فَاسْتَعْبَدَتْنِي .
فَكَرِهَ أَنْ يَتَّبِعَ نَفْسَهُ مَا
اسْتَشْرَفَتْ لَهُ لِئَلَّا يَبْقَى فِي الْقَلْبِ فَقْرٌ وَطَمَعٌ إلَى
الْمَخْلُوقِ ؛ فَإِنَّهُ خِلَافَ التَّوَكُّلِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَخِلَافَ غِنَى
النَّفْسِ .
&
مرقاة المفاتيح شرح
مشكاة المصابيح - (8 / 3236)
قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيُمْكِنُ
أَنْ يُرَادَ بِغِنَى النَّفْسِ حُصُولُ الْكِمَالَاتِ الْعِلْمِيَّةِ
وَالْعَمَلِيَّةِ، وَأَنْشَدَ أَبُو الطَّيِّبِ مَعْنَاهُ:
"وَمَنْ يُنْفِقِ السَّاعَاتِ فِي
جَمْعِ ... مَالِهِ مَخَافَةَ فَقْرٍ فَالَّذِي فَعَلَ الْفَقْرُ"
يَعْنِي: يَنْبَغِي أَنْ
يُنْفِقَ سَاعَاتِهِ وَأَوْقَاتَهُ فِي الْغِنَى الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ طَلَبُ
الْكَمَالَاتِ لِيَزِيدَ غِنًى بَعْدَ غِنًى، لَا فِي الْمَالِ لِأَنَّهُ فَقْرٌ
بَعْدَ فَقْرٍ اهـ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَرْبَابِ
الْكَمَالِ:
رَضِينَا قِسْمَةَ الْجَبَّارِ ... فِينَا
لَنَا عِلْمٌ وَلِلْأَعْدَاءِ مَالُ
فَإِنَّ الْمَالَ يَفْنَى عَنْ قَرِيبٍ ...
وَإِنَّ الْعِلْمَ يَبْقَى لَا يُزَالُ
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَالَ
إِرْثُ فِرْعَوْنَ وَقَارُونَ وَسَائِرِ الْكُفَّارِ وَالْفُجَّارِ، وَأَنَّ
الْعِلْمَ إِرْثُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ الْعُلَمَاءِ وَالْأَبْرَارِ
&
بهجة قلوب الأبرار
وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 125)
وطمأنينته بالعفاف عن الخلق ، والغنى
بالله ، ومن كان غنيا بالله فهو الغني حقا ، وإن قلت حواصله ، فليس الغنى عن كثرة
العرض ، إنما الغنى غنى القلب ، وبالعفاف والغنى يتم للعبد الحياة الطيبة ،
والنعيم الدنيوي ، والقناعة بما آتاه الله .
طرح التثريب في شرح التقريب - (4 / 81)
فِيهِ فَضْلُ الْقَنَاعَةِ وَالْحَثُّ
عَلَيْهَا وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ
&
كشف المشكل من حديث
الصحيحين - (1 / 997)
من افتقرت نفسه لم يغنه شيء وافتقارها
يكون بالشره فلا يغنيها ما يكفيها
&
غذاء الألباب شرح
منظومة الآداب ( ط: الكتب العلمية ) - (2 / 426)
أَنَّ الْقَنَاعَةَ صَاحِبُهَا مَلِكٌ ;
لأَنَّهُ فِي غِنًى عَنْ النَّاسِ , وَفِيهِ مَزِيَّةٌ عَلَى مِلْكِ مَا سِوَاهَا
مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا , وَهِيَ أَنَّهَا غَيْرُ مُحْتَاجَةٍ إلَى خَدَمٍ وَلا
أَنْصَارٍ وَعَسَاكِرَ يَحْفَظُونَهَا .
وَلا يُخْشَى عَلَيْهَا مِنْ زَوَالٍ
وَلا اغْتِصَابٍ , بِخِلافِ مُلُوكِ الدُّنْيَا فَإِنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى
الْخَوَلِ وَالأَنْصَارِ لِلْخِدْمَةِ , وَالاحْتِرَازِ عَلَى نُفُوسِهِمْ مِنْ
الأَعْدَاءِ ثُمَّ هُمْ مَعَ ذَلِكَ فِي هَمٍّ وَفِكْرَةٍ فِي
غذاء الألباب شرح منظومة
الآداب ( ط: الكتب العلمية ) - (2 / 427)
تَحْصِيلِ الأَمْوَالِ وَتَدْبِيرِ
الرَّعَايَا , وَفِي خَوْفٍ مِنْ زَوَالِ الْمُلْكِ , إمَّا بِغَلَبَةِ الْعَدُوِّ
, وَإِمَّا بِخُرُوجِ أَحَدٍ مِنْ الرَّعَايَا عَنْ الطَّاعَةِ .
وَإِمَّا بِوُثُوبِ أَحَدٍ مِنْ
حَشَمِهِمْ وَخَدَمِهِمْ وَأَقَارِبِهِمْ عَلَيْهِمْ وَإِطْعَامِهِمْ السُّمَّ
إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَمَلِكُ الْقَنَاعَةِ سَالِمٌ مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ الآفَاتِ
وَكُلُّ أَمْرٍ لا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَعَبٍ وَكُلْفَةٍ خَيْرٌ مِمَّا
يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ .
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
&
دليل الفالحين لطرق
رياض الصالحين - (4 / 501)
وإنما يحصل غنى النفس بغنى القلب بأن
يفتقر إلى ربه في جميع أمره، فيتحقق أنه المعطي المانع فيرضى بقضائه ويشكر على
نعمائه، فينشأ عن افتقار القلب لربه غنى النفس عن غير ربه، والغنى الوارد في قوله
تعالى: {ووجدك عائلاً فأغنى} (الضحى: 8) ينزل على غنى النفس، فإن الآية مكية، ولا
يخفى ما كان فيه قبل أن يفتح عليه خيبر وغيرها من قلة المال
[1] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - (9 / 62)
ومعنى
هذا الحديث : أن الغنى النافع أو العظيم أو الممدوح ، هو غنى النفس ، وبيانه : أنه
إذا استغنت نفسه كفّت عن المطامع ، فعزّت وعظمت ، فجعل لها من الحظوة والنزاهة
والتشريف والمدح أكثر ممن كان غنيًا بماله ، فقيرًا بحرصه وشرهه ، فإن ذلك يورطه
في رذائل الأمور ، وخسائس الأفعال ، لبخله ودناءة همّته ، فيكثر ذامُّه من الناس ،
ويصغر قدره فيهم ؛ فيكون أحقر من كل حقير ، وأذل من كل صغير .