Senin, 29 April 2019

الحديث التاسع عشر: شكر النعم


الحديث التاسع عشر: شكر النعم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ. وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدروا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ" مُتَّفَقٌ عليه1.
[أخرجه: مسلم في "صحيحه" رقم: 2963 بعد 9, والترمذي رقم: 2513, وأحمد 2/254, 281, و"الزهد" 97 له]
وفي رواية البخاري :
«إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ في المَالِ وَالخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أسْفَل مِنْهُ» .

شرح للمؤلف _رحمه الله_ :

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الوزارة (ص: 47_49)
يا لها من وصية نافعة، وكلمة شافية وافية،
فهذا يدل على الحث على شكر الله بالاعتراف بنعمه، والتحدث بها، والاستعانة بها على طاعة المنعم، وفعلِ جميع الأسباب المعينة على الشكر.
فإن الشكر لله هو رأس العبادة، وأصل الخير، وأوجبه على العباد، فإنه ما بالعباد من نعمة ظاهرة ولا باطنة، خاصة أو عامة إلا من الله.
وهو الذي يأتي بالخير والحسنات، ويدفع السوء والسيئات. فيستحق أن يبذُل له العباد من الشكر ما تصل إليه قواهم، وعلى العبد أن يسعى بكل وسيلة توصله وتعينه على الشكر.
وقد أرشد صلى الله عليه وسلم إلى هذا الدواء العجيب، والسبب القوي لشكر نعم الله. وهو أن يلحظ العبد في كل وقت من هو دونه في العقل والنسب والمال وأصناف النعم.
فمتى استدام هذا النظر اضطره إلى كثرة شكر ربه والثناء عليه، فإنه لا يزال يرى خلقا كثيرا دونه بدرجات في هذه الأوصاف، ويتمنى كثير منهم أن يصل إلى قريب مما أوتيه من عافية ومال ورزق، وخلق وخلق، فيحمد الله على ذلك حمدا كثيرا، ويقول: الحمد لله الذي أنعم علي وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا.
ينظر إلى خلق كثير ممن سلبوا عقولهم، فيحمد ربه على كمال العقل، ويشاهد عالما كثيرا ليس لهم قوت مدخر، ولا مساكن يأوون إليها، وهو مطمئن في مسكنه، موسع عليه رزقه.
ويرى خلقا كثيرا قد ابتلوا بأنواع الأمراض، وأصناف الأسقام وهو معافى من ذلك، مسربل بالعافية. ويشاهد خلقا كثيرا قد ابتلوا ببلاء أفظع من ذلك، بانحراف الدين، والوقوع في قاذورات المعاصي، والله قد حفظه منها____أو من كثير منها.
ويتأمل أناسا كثيرين قد استولى عليهم الهم، وملكهم الحزن والوساوس، وضيق الصدر، ثم ينظر إلى عافيته من هذا الداء، ومنة الله عليه براحة القلب، حتى ربما كان فقيرا يفوق بهذه النعمة - نعمة القناعة وراحة القلب - كثيرا من الأغنياء.
ثم من ابتلي بشيء من هذه الأمور يجد عالما كثيرا أعظم منه وأشد مصيبة، فيحمد الله على وجود العافية وعلى تخفيف البلاء، فإنه ما من مكروه إلا ويوجد مكروه أعظم منه.
فمن وفق للاهتداء بهذا الهدي الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل شكره في قوة ونمو، ولم تزل نعم الله عليه تترى وتتوالى. ومن عكس القضية فارتفع نظره وصار ينظر إلى من هو فوقه في العافية والمال والرزق وتوابع ذلك، فإنه لا بد أن يزدري نعمة الله، ويفقد شكره. ومتى فقد الشكر ترحلت عنه النعم، وتسابقت إليه النقم، وامتحن بالغم الملازم، والحزن الدائم، والتسخط لما هو فيه من الخير، وعدم الرضى بالله ربا ومدبرا. وذلك ضرر في الدين والدنيا وخسران مبين.
واعلم أن من تفكر في كثرة نعم الله، وتفطن لآلاء (1) الله الظاهرة والباطنة، وأنه لا وسيلة إليها إلا محض فضل الله وإحسانه، وأن جنسا من نعم الله لا يقدر العبد على إحصائه وتعداده، فضلا عن جميع الأجناس، فضلا عن شكرها، فإنه يضطر إلى الاعتراف التام بالنعم، وكثرة الثناء على الله، ويستحي من ربه أن يستعين بشيء من نعمه على ما لا يحبه ويرضاه، وأوجب له الحياء من ربه____الذي هو من أفضل شعب الإيمان، فاستحيا من ربه أن يراه حيث نهاه، أو يفقده حيث أمره.
ولما كان على الشكر مدار الخير وعنوانه قال صلى الله عليه وسلم عنه لمعاذ بن جبل: «إني أحبك، فلا تدعن أن تقول دبر كل صلاة مكتوبة: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» وكان يقول: «اللهم اجعلني لك شكارا، لك ذكارا. اللهم اجعلني أعظم شكرك، وأكثر ذكرك، وأتبع نصحك، وأحفظ وصيتك» .
وقد اعترف أعظم الشاكرين بالعجز عن شكر نعم الله، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» والله أعلم.

من فوائد الحديث :
تطريز رياض الصالحين (ص: 316_317)
هذا الحديث: جامع لمعاني الخير.
وفيه: دواء كل داء من الحسد وغيره.___
* وفي الحديث الآخر: «رحم الله عبدًا نظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله وشكره، وفي دينه إلى من هو فوقه، فجد واجتهد» .
* وعن عمرو بن شعيب مرفوعًا : «خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرًا صابرًا: من نظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله على ما فضَّله به، ومن نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به، وأما من نظر في دنياه إلى من هو فوقه وآسف على ما فاته، فإنه لا يكتب شاكرًا ولا صابرًا» [ت] [1] .
* قال بعض السلف: صاحبت الأغنياء فكنت لا أزال في حزن، فصحبت الفقراء فاسترحت.
* وفي حديث مرفوع: «أقلوا الدخول على الأغنياء، فإنه أحرى أن لا تزدروا نعمة الله»[2] .

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (4/ 395)
قال بعض السلف: صاحبت الأغنياء فكنت لا أزال في حزن أرى داراً واسعة ودابة فارهة ولا عندي شيء من ذلك: فصحبت الفقراء فاسترحت

حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (3/ 22)
غَسَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ، أَصْحَابِنَا مِنَ الْبَصْرِيِّينَ قَالَ:
" جَاءَ رَجُلٌ إِلَى يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ فَشَكَى إِلَيْهِ ضِيقًا مِنْ حَالِهِ وَمَعَاشِهِ، وَاغْتِمَامًا مِنْهُ بِذَلِكَ،
فَقَالَ لَهُ يُونُسُ: أَيَسُرُّكَ بِبَصَرِكَ هَذَا الَّذِي تُبْصِرُ بِهِ مِائَةُ أَلْفٍ؟ قَالَ: لَا،
قَالَ: فَسَمْعُكَ الَّذِي تَسْمَعُ بِهِ يَسُرُّكَ بِهِ مِائَةُ أَلْفٍ؟ قَالَ: لَا،
قَالَ: فَلِسَانُكَ الَّذِي تَنْطِقُ بِهِ مِائَةُ أَلْفٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ:
فَفُؤَادُكَ الَّذِي تَعْقِلُ بِهِ مِائَةُ أَلْفٍ؟ قَالَ: لَا،
قَالَ: فَيَدَاكَ يَسُرُّكَ بِهِمَا مِائَةُ أَلْفٍ؟ قَالَ: لَا؟ قَالَ: فَرِجْلَاكَ؟
قَالَ: فَذَكَّرَهُ نِعَمَ اللهِ عَلَيْهِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ يُونُسُ، قَالَ: أَرَى لَكَ مِئِينَ أُلُوفًا، وَأَنْتَ تَشْكُو الْحَاجَةَ "

فتح الباري لابن حجر (11/ 323)
قَالَ بن بَطَّالٍ هَذَا الْحَدِيثُ جَامِعٌ لِمَعَانِي الْخَيْرِ لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يَكُونُ بِحَالٍ تَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ مُجْتَهِدًا فِيهَا إِلَّا وَجَدَ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فَمَتَى طَلَبَتْ نَفْسُهُ اللَّحَاقَ بِهِ اسْتَقْصَرَ حَالَهُ فَيَكُونُ أَبَدًا فِي زِيَادَةٍ تُقَرِّبُهُ مِنْ رَبِّهِ وَلَا يَكُونُ عَلَى حَالٍ خَسِيسَةٍ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَجَدَ مِنْ أَهْلِهَا مَنْ هُوَ أَخَسُّ حَالًا مِنْهُ فَإِذَا تَفَكَّرَ فِي ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ وَصَلَتْ إِلَيْهِ دُونَ كَثِيرٍ مِمَّنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ أَوْجَبَهُ فَيُلْزِمُ نَفْسَهُ الشُّكْرَ فَيَعْظُمُ اغْتِبَاطُهُ بِذَلِكَ فِي مَعَادِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَوَاءُ الدَّاءِ لِأَنَّ الشَّخْصَ إِذَا نَظَرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يُؤَثِّرَ ذَلِكَ فِيهِ حَسَدًا وَدَوَاؤُهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ لِيَكُونَ ذَلِكَ دَاعِيًا إِلَى الشُّكْرِ

إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 515)
قال الطبرى: هذا حديث جامع للخير؛ لأن العبد إذا رأى من فوقه فى الخير طالت (2) نفسه باللحاق به، واستقصر حاله التى هو عليها، واجتهد فى الزيادة. وإذا نظر فى دنياه إلى من [هو] (3) دونه تبين نعم الله عليه، فألزم نفسه الشكر.

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (22/ 146)
"إذا نظر إلى ما فضل عليه غيره من ذلك، فإنَّه يضمحل عنده ما أنعم الله عليه به من النعم ، ويحتقرها ، فلا يحسبها نعما ، فينسى نعم الله فيها ، وربما حمله ذلك النظر إلى أن تمتد عينه إلى الدنيا، فينافس أهلها ، ويتقطع لحسرة فوتها ، ويحسد أهلها ، وذلك هو الهلاك في الدنيا والآخرة."

تحفة الأحوذي (7/ 182)
فَإِنَّ الْمَرْءَ إِذَا نَظَرَ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا اسْتَصْغَرَ مَا عِنْدَهُ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ فَكَانَ سَبَبًا لِمَقْتِهِ وَإِذَا نَظَرَ لِلدُّونِ شَكَرَ النِّعْمَةَ وَتَوَاضَعَ وَحَمِدَ
فَيَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ لَا يَنْظُرَ إِلَى تَجَمُّلِ أَهْلِ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ يُحَرِّكُ دَاعِيَةَ الرَّغْبَةِ فِيهَا وَمِصْدَاقُهُ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى ما منعتا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا

طرح التثريب في شرح التقريب (8/ 145)
إذَا نَظَرَ لِمَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ وَمُعَالَجَةِ النَّفْسِ بِدَفْعِ الْأَخْلَاقِ السَّيِّئَةِ وَجَلْبِ الْحَسَنَةِ فَهَذَا يَنْبَغِي النَّظَرُ فِيهِ إلَى الْفَاضِلِ لِيُقْتَدَى بِهِ دُونَ الْمَفْضُولِ؛ لِأَنَّهُ يَتَكَاسَلُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يَنْظُرُ فِيهِ إلَى الْفَاضِلِ لِمَا فِيهِ مِنْ احْتِقَارِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى نِعْمَتِهِ عَلَى ذَلِكَ الْفَاضِلِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ فِي هَذَا إلَى الْمَفْضُولِ لِيَعْرِفَ قَدْرَ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَدَبٌ حَسَنٌ أَدَّبَنَا بِهِ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ مَصْلَحَةُ دِينِنَا وَدُنْيَانَا وَعُقُولِنَا وَأَبْدَانِنَا وَرَاحَةِ قُلُوبِنَا فَجَزَاهُ اللَّهُ عَنْ نَصِيحَتِهِ أَفْضَلَ مَا جَزَى بِهِ نَبِيًّا.

التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 287)
فإن النظر إلى من فضل الإنسان يؤدي إلى استحقاره ما هو فيه من النعم فيستقل النعمة ويعرض عن الشكر وقد يؤديه ذلك إلى كفران النعمة وأنه ليس عليه شيء من النعم فيكفر نعمة الله عليه وإذا أعرض عن التأمل في أحوال أهل الدنيا وما وسع عليهم هان عليه ما همه واستكثر ما أوتي وإذا نظر بعين الحقيقة فالمكثر ليس معه إلا هم الإكثار وشغله اليسار والدنيا سريعة الزوال قريبة تحول الأموال علم أنهم لا يغبطون بل إنهم يرحمون وأحسن من قال:
فلا تغبطن المكثرين فإنما ... على قدر ما يعطيهم الدهر يسلب[3]

طرح التثريب في شرح التقريب (8/ 146)
وَمِنْ هُنَا يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ اجْتِنَابُ الِاخْتِلَاطِ بِأَهْلِ الدُّنْيَا وَالتَّوَسُّعُ مِنْهَا وَمِنْ كَسْبِهَا وَنَعِيمِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: جَالَسْت الْأَغْنِيَاءَ فَاحْتَقَرْت لِبَاسِي إلَى لِبَاسِهِمْ وَدَابَّتِي إلَى دَوَابِّهِمْ، وَجَالَسْت الْفُقَرَاءَ فَاسْتَرَحْت.

سبل السلام (2/ 614)
الْحَدِيثُ إرْشَادٌ لِلْعَبْدِ إلَى مَا يَشْكُرُ بِهِ النِّعْمَةَ. وَالْمُرَادُ بِمَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْ النَّاظِرِ فِي الدُّنْيَا فَيَنْظُرُ إلَى الْمُبْتَلَى بِالْأَسْقَامِ، وَيَنْتَقِلُ مِنْهُ إلَى مَا فُضِّلَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ الْعَافِيَةِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ كُلِّ إنْعَامٍ،
* وَيَنْظُرُ إلَى مَنْ فِي خَلْقِهِ نَقْصٌ مِنْ عَمًى أَوْ صَمَمٍ أَوْ بَكَمٍ وَيَنْتَقِلُ إلَى مَا هُوَ فِيهِ مِنْ السَّلَامَةِ عَنْ تِلْكَ الْعَاهَاتِ الَّتِي تَجْلِبُ الْهَمَّ وَالْغَمَّ،
* وَيَنْظُرُ إلَى مَا اُبْتُلِيَ بِالدُّنْيَا وَجَمْعِهَا وَالِامْتِنَاعِ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهَا مِنْ الْحُقُوقِ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ فُضِّلَ بِالْإِقْلَالِ وَأُنْعِمَ عَلَيْهِ بِقِلَّةِ تَبِعَةِ الْأَمْوَالِ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ،
* وَيَنْظُرُ إلَى مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْفَقْرِ الْمُدْقِعِ أَوْ بِالدَّيْنِ الْمُفْظِعِ وَيَعْلَمُ مَا صَارَ إلَيْهِ مِنْ السَّلَامَةِ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَتَقَرُّ بِمَا أَعْطَاهُ رَبُّهُ الْعَيْنُ، وَمَا مِنْ مُبْتَلًى فِي الدُّنْيَا بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ إلَّا وَيَجِدُ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ بَلِيَّةً فَيَتَسَلَّى بِهِ وَيَشْكُرُ مَا هُوَ فِيهِ مِمَّا يَرَى غَيْرَهُ اُبْتُلِيَ بِهِ،
* وَيَنْظُرُ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فِي الدِّينِ فَيَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ الْمُفْرِطِينَ :
فَبِالنَّظَرِ الْأَوَّلِ يَشْكُرُ مَا لِلَّهِ مِنْ النِّعَمِ
وَبِالنَّظَرِ الثَّانِي : يَسْتَحْيِ مِنْ مَوْلَاهُ وَيَقْرَعُ بَابَ الْمَتَابِ بِأَنَامِل النَّدَمِ فَهُوَ بِالْأَوَّلِ مَسْرُورٌ لِنِعْمَةِ اللَّهِ، وَفِي الثَّانِي مُنْكَسِرُ النَّفْسِ حَيَاءً مِنْ مَوْلَاهُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ» .

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (7/ 287_288)
* ما يؤخذ من الحديث:
1 - الطمأنينة القلبية لا تحصل إلاَّ بحسن النظر، والقناعة بما قسم الله للعبد، فإذا قنع نفسه، وألهم شعوره بنعم الله تعالى عليه، حصلت له راحة نفسية، وطمأنينة قلبية، ورضيَ بما قسم الله له؛ فلا تطمح نفسه في أمور الدنيا إلى مَنْ هم أعلى منه، ولا تمتد عيناه إلى من هم فوقه فيها.
وإذا فعل ذلك، حصل له راحةُ قلب، وطيب نفس، وهناءة عيش.
وإلاَّ فإنَّه مهْمَا حصَّل، ومهما زادت أموره الدنيوية، فإنَّه سيجد من هو أحظ منه؛ فلا يزال في شقاء قلب، وتعب ضمير، وإنهاك بدن، ولهو، وغفلة عن الاستعداد لحياته الباقية، وسعادته الدَّائمة.
2 - النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أرشد أمَّته إلى طريق القناعة، ودلَّهم على منهج الرضا؛ فأمرهم أنْ ينظروا في أمر دنياهم إلى من هو أسفل منهم، وأقل منهم حظًّا فيها؛ فإنَّ العبد مهما افتقر، فسيجد من هو أفقر منه، ومهما مرض فسيرى من هو أشد_____
منه مرضًا، وإنْ كان ذا عاهة، فسيجد من هو أعظم منه عاهة، وأشد بلاءً، فإذا أمعن النظر، فسيجد أنَّ الله تعالى فضَّله على كثيرٍ ممَّن خلق تفضيلا.
وهذه النظرة الحكيمة ستريح قلبه، وتسعد نفسه، وتزيده إيمانًا بربِّه، وشكرًا له على نعمه، وصبرًا على ما ابتلاه؛ ابتغاء ما عند الله تعالى.
3 - أمَّا النظر في الطَّاعات والقربات، فينبغي أنْ ينظر إلى من هم أعلى منه، وأنْ يعتبر نفسه من المقصِّرين، وأنْ يغبطهم على سبقهم، وَيَجِّدَّ في اللحاق بهم.
قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)} [آل عمران]، وقال تعالى: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)} [المؤمنون]، وقال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)} [المطففين].
وقد جاء في صحيح مسلم (5664) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز".
وجاء في البخاري (6122) ومسلم (2823) عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "حُفَّت النَّارُ بالشَّهوات، وحُفَّت الجنَّة بالمكاره".

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (6/ 246)
من فوائد الحديث: حُسن إرشاد النبي (صلى الله عليه وسلم) بهذا الكلام الذي يعتبر قاعدة في النظر إلى نعم الله، أن تنظر إلى من دونك، نحن لو نظرنا إلى الأغنياء سيارات فخمة وقصور فخمة أزواج وبنين وأموال، نحن ما عندنا شيء سيارات موديل واحد وتسعين والبيت شعبي، وأشياء كثيرة لا نحب أن نقولها، هل نحن الآن لو نظرنا إلى من هو دوننا من ليس عنده بيت ولا زوجة ولا سيارة ولا طعام يكفيه هل ننظر للأول أو الثاني؟ للثاني حتى نعرف أن الله أنعم علينا بشيء، فالمهمة أن هذه قاعدة ذكرها نبينا (صلى الله عليه وسلم) وهذه حقيقة ينبغي للإنسان أن يبني حاله عليها.
ومن فوائد الحديث : حُسن تعليم الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنه إذا ذكر الأمر أو الحكم ذكر التعليل، والذكر التعليل فائدتان: الفائدة الأولى: زيادة الطمأنينة، الإنسان إذا علم الحكم وعلم حكمته يزداد طمأنينة، وإن كان المؤمن سوف يسلم لأمر الله ورسوله علم الحكمة أم لم يعلم، لكن كلما علم الحكمة ازداد طمأنينة، ولهذا لما غرس الرسول (صلى الله عليه وسلم) جريدة رطبة على القبرين، الصحابة أشكل عليهم الأمر لماذا كانت رطبة يريدون أن يتبينوا الحكمة، والفائدة الثانية لذكر العلة: بيان سمو الشريعة، وأنها لا يمكن أن تحكم بالأحكام إلا بحكم اقتضت ذلك.


[1] ضعيف : سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (4/ 397/ رقم : 1924)
[2] ضعيف جدا : سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (6/ 397/ رقم : 2868)
[3] وفي حاشية التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 287)
عزاه ابن كثير في البداية والنهاية (11/ 7) إلى علي بن العباس بن جريج المعروف بابن الرومي

Selasa, 23 April 2019

الترغيب في الاقتصاد في طلب الرزق والإجمال فيه، وما جاء في ذم الحرص وحب المال

صحيح الترغيب والترهيب (2/ 310)

4 - (الترغيب في الاقتصاد في طلب الرزق والإجمال فيه، وما جاء في ذم الحرص وحب المال).

1709 - (14) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ _رضي الله عنه_ عنِ النبي _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ :
" {إِذْ (1) قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ}
قال : في الدنيا".
رواه ابن حبان في "صحيحه"، وهو في "الصحيحين" بمعناه في آخر حديث يأتي في آخر "صفة الجنة" إنْ شاء الله [28/ 18].

__________
(1) الأصل: "إذا"، وكذا وقع في "موارد الظمآن" (1750)، وهو خطأ، إذ إنَّها طرف من آية في سورة {مريم}: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}.

تفسير السمرقندي = بحر العلوم (2/ 375)
إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ يعني: فرغ من الأمر، إذا دَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، وَدَخَلَ أهْلُ النَّارِ النار، وهو يوم الندامة. وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ، يعني: هم في الدنيا في غفلة عن تلك الندامة والحسرة. وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ، يعني: لا يصدقون بالبعث.

زاد المسير في علم التفسير (3/ 132)
قوله تعالى: وَأَنْذِرْهُمْ أي: خوِّف كفَّار مكة يَوْمَ الْحَسْرَةِ يعني: يوم القيامة يتحسَّر المسيء إذا لم يُحْسِن، والمقصِّر إِذ لم يَزْدَدْ من الخير. وموجبات الحسرة يوم القيامة كثيرةٌ، فمن ذلك ما روى أبو سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال:
(957) «إِذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، قيل: يا أهل الجنة، فيشرئِبُّون وينظرون، وقيل: يا أهل النار فيشرئبُّون وينظرون فيُجاء بالموت كأنه كبش أملح، فيقال لهم: هل تعرفون هذا؟
فيقولون: هذا الموت، فيُذبَح، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلّم: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (39) .» قال المفسرون:
فهذه هي الحسرة إِذا ذُبِح الموت، فلو مات أحد فرحاً مات أهل الجنة، ولو مات أحد حزناً مات أهل النار.
=======================
1710 - (15) [صحيح] وعن كعب بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"ما ذِئْبانِ جائِعانِ أُرسِلا في غنمٍ بأَفْسدَ لَها مِنْ حرصِ المرءِ على المالِ والشرف لدينِه".
رواه الترمذي، وابن حبان في "صحيحَه"، وقال الترمذي:
"حديث حسن".

تطريز رياض الصالحين (ص: 326)
فيه: الحذر من الحرص على المال والشرف، فإن حب الدنيا رأس كل خطيئة، ورزق الله لا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يَا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإِمارة فإنك إن أعطيتها عن غير مسألة أُعنت عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها» .

المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 284)
حرصُ المرء على المال والشرف أكثر إفسادًا لدينه من إفساد الذئبين للغنم.

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3243)
إِنَّ إِفْسَادَهُ لِدِينِ الْمَرْءِ أَشَدُّ مِنْ إِفْسَادِ الذِّئْبَيْنِ الْجَائِعَيْنِ لِجَمَاعَةٍ مِنَ الْغَنَمِ إِذَا أُرْسِلَا فِيهَا، أَمَّا الْمَالُ فَإِفْسَادُهُ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الْقُدْرَةِ يُحَرِّكُ دَاعِيَةَ الشَّهَوَاتِ، وَيَجُرُّ إِلَى التَّنْعِيمِ فِي الْمُبَاحَاتِ، فَيَصِيرُ التَّنَعُّمُ مَأْلُوفًا، وَرُبَّمَا يَشْتَدُّ أُنْسُهُ بِالْمَالِ، وَيَعْجِزُ عَنْ كَسْبِ الْحَلَالِ، فَيَقْتَحِمَ فِي الشُّبَهَاتِ مَعَ أَنَّهَا مُلْهِيَةٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذِهِ لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا أَحَدٌ، وَأَمَّا الْجَاهُ فَكَفَى بِهِ إِفْسَادًا أَنَّ الْمَالَ يُبْذَلُ لِلْجَاهِ، وَلَا يُبْذَلُ الْجَاهُ لِلْمَالِ وَهُوَ الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، فَيَخُوضُ فِي الْمُرَاءَاةِ وَالْمُدَاهَنَةِ وَالنِّفَاقِ، وَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ، فَهُوَ أَفْسَدُ وَأَفْسَدُ اه.

التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 395)
الحرص على الشرف والمال أكثر إفساداً للدين من إفساد الذئب للغنم فهو زجر عن حب المال والحرص عليه وعلى الشرف وإن ذلك متلف للدين

مجموع الفتاوى (11/ 107)
فَاَلَّذِي يُعَاقَبُ الرَّجُلُ عَلَيْهِ الْحُبُّ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ الْمَعَاصِيَ: فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الظُّلْمَ وَالْكَذِبَ وَالْفَوَاحِشَ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْحِرْصَ عَلَى الْمَالِ وَالرِّئَاسَةِ يُوجِبُ هَذَا

مجموع الفتاوى (28/ 391)
فَالْوَاجِبُ اتِّخَاذُ الْأَمَارَةِ دِينًا وَقُرْبَةً يَتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ؛ فَإِنَّ التَّقَرُّبَ إلَيْهِ فِيهَا بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ. وَإِنَّمَا يَفْسُدُ فِيهَا حَالُ أَكْثَرِ النَّاسِ لِابْتِغَاءِ الرِّيَاسَةِ أَوْ الْمَالِ بِهَا.

مجموع الفتاوى (11/ 108)
فَحِرْصُ الرَّجُلِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ يُوجِبُ فَسَادَ الدِّينِ فَأَمَّا مُجَرَّدُ الْحُبِّ الَّذِي فِي الْقَلْبِ إذَا كَانَ الْإِنْسَانُ يَفْعَلُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ وَيَتْرُكُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ. وَيَخَافُ مَقَامَ رَبِّهِ وَيَنْهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُعَاقِبُهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَمَلٌ وَجَمْعُ الْمَالِ إذَا قَامَ بِالْوَاجِبَاتِ فِيهِ وَلَمْ يَكْتَسِبْهُ مِنْ الْحَرَامِ لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ؛ لَكِنَّ إخْرَاجَ فُضُولِ الْمَالِ وَالِاقْتِصَارَ عَلَى الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ وَأَسْلَمُ وَأَفْرَغُ لِلْقَلْبِ وَأَجْمَعُ لِلْهَمِّ وَأَنْفَعُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 203)
فَبَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْحِرْصَ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ فِي فَسَادِ الدِّينِ لَا يَنْقُصُ عَنْ فَسَادِ الذِّئْبَيْنِ الْجَائِعَيْنِ لِزَرِيبَةِ الْغَنَمِ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ؛ فَإِنَّ الدِّينَ السَّلِيمَ لَا يَكُونُ فِيهِ هَذَا الْحِرْصُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَلْبَ إذَا ذَاقَ حَلَاوَةَ عُبُودِيَّتِهِ لِلَّهِ وَمَحَبَّتِهِ لَهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يُقَدِّمَهُ عَلَيْهِ، وَبِذَلِكَ يُصْرَفُ عَنْ أَهْلِ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ السُّوءُ وَالْفَحْشَاءُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24] .
فَإِنَّ الْمُخْلِصَ لِلَّهِ ذَاقَ مِنْ حَلَاوَةِ عُبُودِيَّتِهِ لِلَّهِ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ عُبُودِيَّتِهِ لِغَيْرِهِ، وَمِنْ حَلَاوَةِ مَحَبَّتِهِ لِلَّهِ مَا يَمْنَعُهُ عَنْ مَحَبَّةِ غَيْرِهِ، إذْ لَيْسَ عِنْدَ الْقَلْبِ لَا أَحْلَى وَلَا أَلَذُّ وَلَا أَطْيَبُ وَلَا أَلْيَنُ وَلَا أَنْعَمُ مِنْ حَلَاوَةِ الْإِيمَانِ الْمُتَضَمِّنِ عُبُودِيَّتَهُ لِلَّهِ، وَمَحَبَّتَهُ لَهُ، وَإِخْلَاصَهُ الدِّينَ لَهُ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي انْجِذَابَ الْقَلْبِ إلَى اللَّهِ فَيَصِيرُ الْقَلْبُ مُنِيبًا إلَى اللَّهِ خَائِفًا مِنْهُ رَاغِبًا رَاهِبًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق: 33] .
====================

1711 - (16) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"قَلْبُ الشيخِ شابٌّ على حبِّ اثْنَتَيْنِ: حبِّ العيشِ -أو قال: طولِ الحياةِ-، وحبِّ المالِ".
رواه البخاري ومسلم، والترمذي؛ إلا أنَّه قال:
"طولِ الحياة، وكثرةِ المال".

طرح التثريب في شرح التقريب (4/ 82)
وَحُبُّ الدُّنْيَا هُوَ كَثْرَةُ الْمَالِ وَطُولُ الْأَمَلِ هُوَ طُولُ الْحَيَاةِ الْمَذْكُورَانِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَكَذَا حُبُّ الْعَيْشِ الْمَذْكُورِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ هُوَ طُولُ الْحَيَاةِ،

شرح النووي على مسلم (7/ 138)
وَمَعْنَاهُ أَنَّ قَلْبَ الشَّيْخِ كَامِلُ الْحُبِّ لِلْمَالِ مُحْتَكِمٌ فِي ذَلِكَ كَاحْتِكَامِ قُوَّةِ الشَّابِّ فِي شَبَابِهِ هَذَا صَوَابُهُ وَقِيلَ تَفْسِيرُهُ غَيْرُ هَذَا مِمَّا لَا يُرْتَضَى

تحفة الأحوذي (6/ 520)
قَوْلُهُ (قَلْبُ الشَّيْخِ شَابٌّ) أَيْ قَوِيٌّ نَشْطَانٌ (طُولِ الْحَيَاةِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ) بِالْجَرِّ فِيهِمَا بَدَلٌ مِنَ اثْنَتَيْنِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ

التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 199)
يعْنى قلب الشَّيْخ كَامِل الْحبّ لِلْمَالِ محتكم كاحتكام قُوَّة الشَّبَاب فِي شبابه

فيض القدير (4/ 524)
 ذكره النووي وقال غيره: حكمة تخصيص هذين أن أحب الأشياء إلى ابن آدم نفسه فهو راغب في بقائها فأحب لذلك طول العمر وأحب المال لأنه أعظم في دوام الصحة التي ينشأ عنها غالبا طول العمر فلما أحس بقرب نفاذ ذلك اشتد حبه له ورغبته في دوامه. قيل دخل رجل على أبي رجاء العطاردي فقال: كيف تجدك؟ قال حب جلدي على عظمي وهذا أمل جديد بين عيني فما خرجنا من عنده حتى مات وقال أبو عثمان النهدي: بلغت نحوا من مئة وثلاثين سنة وما من شيء إلا وقد عرفت النقص فيه إلا أملي فإنه كما هو

الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (12/ 166)
والتعبير بالشاب إشارة إلى كثرة الحرص وبعد الأمل الذي هو في الشباب أكثر وبهم أليق لكثرة الرجاء عادة في طول أعمارهم ودوام استمتاعهم ولذاتهم في الدنيا قال القرطبي: في هذا الحديث كراهة الحرص على طول العمر وكثرة المال وأن ذلك ليس بمحمود وقال غيره: الحكمة في التخصيص بهذين الأمرين أن أحب الأشياء إلى ابن آدم نفسه فهو راغب في بقائها فاحب لذلك طول العمر وأحب المال لأنه من أعظم الأسباب في دوام الصحة التي ينشأ عنها غالبًا طول العمر فكلما أحس بقرب نفاد ذلك اشتد حبه له ورغبته في دوامه اهـ فتح الملهم.

التحبير لإيضاح معاني التيسير (3/ 642)
والحرص على الدنيا وحب المكاثرة فيها مذموم.

إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 582)
قال القاضى: والعبارة هاهنا بـ"الشباب" عن كثرة الحرص، وبعد الأمل الذى هو فى الشباب أكثر، وبهم أليق للرجاء فى طول أعمارهم ودوام استمتاعهم ولذاتهم فى الدنيا.

كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 332)
وَقُلْنَا: إِن أحب الْأَشْيَاء إِلَى الْإِنْسَان نَفسه، فَمَا تزَال محبته لَهَا تقوى، خُصُوصا إِذا أَيقَن بِقرب الرحيل، ثمَّ إِنَّه يحب مَا هُوَ سَبَب قوامها وَهُوَ المَال، لموْضِع محبته إِيَّاهَا.

طرح التثريب في شرح التقريب (4/ 82)
فِيهِ ذَمُّ طُولِ الْأَمَلِ وَالْحِرْصِ عَلَى جَمْعِ الْمَالِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي فَضْلَ الصَّدَقَةِ لِلْغَنِيِّ وَالتَّعَفُّفِ لِلْفَقِيرِ وَهُمَا الْمُبَوَّبُ عَلَيْهِمَا.

==========================
1712 - (17) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يقولُ:
"اللهمَّ إنَّي أعوذُ بكَ مِنْ عِلْمٍ لا ينفَعْ، ومِنْ قَلْبٍ لا يخشَعْ، ومِنْ نفْسٍ لا تشْبَعْ، ومِنْ دُعاءٍ لا يُسمَعْ".
رواه ابن ماجه والنسائي.
ورواه مسلم والترمذي وغيرهما من حديث زيد بن أرقم وتقدم في "العلم" [3/ 9 - باب/ الحديث الأول].

شرح الحديث :

تحفة الأحوذي (9/ 318)
قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ)
أَيْ : لَا يَسْكُنُ وَلَا يَطْمَئِنُّ بِذِكْرِ اللَّهِ،
(وَمِنْ___دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ.
أَيْ : لَا يُسْتَجَابُ،
(وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ)
أَيْ : بِمَا آتَاهَا اللَّهُ،
 وَلَا تَقْنَعُ بِمَا رَزَقَهَا، وَلَا تَفْتُرُ عَنْ جَمْعِ الْمَالِ، لِمَا فِيهَا مِنْ شِدَّةِ الْحِرْصِ، أَوْ مِنْ نَفْسٍ تَأْكُلُ كَثِيرًا.
قال بن الْمَلَكِ :
"أَيْ : حَرِيصَةٍ عَلَى جَمْعِ الْمَالِ وَتَحْصِيلِ الْمَنَاصِبِ".
(وَمِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ)
أَيْ : عِلْمٍ لَا أَعْمَلُ بِهِ وَلَا أُعَلِّمُ النَّاسَ وَلَا يُهَذِّبُ الْأَخْلَاقَ وَالْأَقْوَالَ وَالْأَفْعَالَ،
أَوْ عِلْمٍ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ أَوْ لَمْ يَرِدْ فِي تَعَلُّمِهِ إِذْنٌ شَرْعِيٌّ
قَالَ الطِّيبِيُّ :
"اعْلَمْ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنَ الْقَرَائِنِ الْأَرْبَعِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ وُجُودَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى غَايَتِهِ، وَأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ تِلْكَ الْغَايَةُ.
* وَذَلِكَ أَنَّ تَحْصِيلَ الْعُلُومِ : إِنَّمَا هُوَ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا،
فَإِذَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ لَمْ يَخْلُصْ مِنْهُ كَفَافًا، بَلْ يَكُونُ وَبَالًا، وَلِذَلِكَ اسْتَعَاذَ.
* وَأَنَّ الْقَلْبَ : إِنَّمَا خُلِقَ لِأَنْ يَتَخَشَّعَ لِبَارِئِهِ وَيَنْشَرِحَ لِذَلِكَ الصَّدْرُ وَيُقْذَفُ النُّورُ فِيهِ،
فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ قَاسِيًا، فَيَجِبُ أَنْ يُسْتَعَاذَ مِنْهُ.
قَالَ _تَعَالَى_ : {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 22]
وَأَنَّ النَّفْسَ يُعْتَدُّ بِهَا إِذَا تَجَافَتْ عَنْ دَارِ الْغُرُورِ وَأَنَابَتْ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ
وَهِيَ إِذَا كَانَتْ مَنْهُومَةً لَا تَشْبَعُ حَرِيصَةً عَلَى الدُّنْيَا كَانَتْ أَعْدَى عَدُوِّ الْمَرْءِ،
فَأَوْلَى الشَّيْءِ الَّذِي يُسْتَعَاذُ مِنْهُ هِيَ (أَيِ : النَّفْسُ)
وَعَدَمُ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الدَّاعِيَ لَمْ يَنْتَفِعْ بِعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ وَلَمْ يَخْشَعْ قَلْبُهُ وَلَمْ تَشْبَعْ نَفْسُهُ انْتَهَى

تطريز رياض الصالحين (ص: 812)
العلم الذي لا ينفع، هو الذي لا يعمل به.
وقيل: هو الذي لا يهذب الأخلاق الباطنة، فيسري منها إلى الأفعال الظاهرة وأنشد:
يا من تباعد عن مكارم خلقه ... ليس التفاخر بالعلوم الزاخرة
من لم يهذّب علمُه أخلاقَه ... لم ينتفع بعلومه في الآخرة." اهـ

شرح النووي على مسلم (17/ 41_42)
هَذَا الْحَدِيثُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَدْعِيَةِ الْمَسْجُوعَةِ دَلِيلٌ لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ السَّجْعَ الْمَذْمُومَ فِي الدعاء هوالمتكلف، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الْخُشُوعَ وَالْخُضُوعَ وَالْإِخْلَاصَ، وَيُلْهِي عَنِ الضَّرَاعَةِ وَالِافْتِقَارِ وَفَرَاغِ الْقَلْبِ.
فَأَمَّا مَا حَصَلَ بِلَا تَكَلُّفٍ وَلَا إِعْمَالِ فِكْرٍ لِكَمَالِ الْفَصَاحَةِ ونحو ذلك أو كان مَحْفُوظًا فَلَا بَأْسَ بِهِ، بَلْ هُوَ حَسَنٌ،
ومعنى (نفس لا تشبع) اسْتِعَاذَةٌ مِنَ الْحِرْصِ وَالطَّمَعِ وَالشَّرَهِ وَتَعَلُّقُ النَّفْسِ بِالْآمَالِ الْبَعِيدَةِ،
وَمَعْنَى (زَكِّهَا) : طَهِّرْهَا وَلَفْظَةُ خَيْرُ لَيْسَتْ لِلتَّفْضِيلِ بَلْ مَعْنَاهُ لَا مُزَكِّي لَهَا الا___أَنْتَ، كَمَا قَالَ : (أَنْتَ وَلِيُّهَا)." اهـ

شرح المصابيح لابن الملك (3/ 212)
"اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع"؛ أي: علم لا أعمل به ولا أعلَّمه الناسَ، وما لا يُحتاج إليه في الدين، ولا في تعلمه إذن من الشرع، ولا تصل بركته إلى قلبي، ولا يبدل أفعالي، وأقوالي وأخلاقي الذميمة إلى المرضيّة.
"ومن قلب لا يخشع"؛ أي: لا يخاف الله.
"ومن نفس لا تشبع"؛ أي: حريصة على جمع المال والمنصب.
وقيل: هو على حقيقته إما لشدة حرصه على الدنيا لا يقدر أن يأكل قدْرَ ما يُشبع جوعته بخلاً على نفسه، وإما لاستيلاء الجوع البقري عليه المسمى: بوليمرس، وهو جوع الأعضاء مع شبع المعدة عكس الشهوة الكلبية.
"ومن دعوة لا تسمع"؛ أي: لا يستجاب لها.

شرح أبي داود للعيني (5/ 458)
قوله: " من علم لا ينفع " العلم الذي لا ينفع وبال وحسْرة كمثل الحمار
الذي يحمل أسفارا. والقلب الذي لا يخشع: قلب قاسٍ لا ينقاد
للطاعة، ولا لأمور الشريعة. والنفس التي لا تشبع: استعارة من الحرص
والطمع والشره، وتعقق النفس بالآمال البعيدة. والدُعاء الذي لا يُسمعُ:
أي لا يُستجاب كلا دعاء، وجوده وعدمه سواء. هذا الحديث وغيره من
الأدعية المسْجُوعة دليل " قاله العلماء أن السجع المذموم في الدعاء هو
المتكلًف , فإنه يذهب الخشوع والخضوع والإخلاص، ويُلْهي عن الضراعة
والافتقار وفرك القلب، فأما ما حصل بلا كلفة، ولا إِعْمال فكرٍ لكمال____الفصاحة ونحو ذلك، أو كان محفوظا فلا بأس به، بل هو حسنٌ

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (6/ 491)
"وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حَسَنَ السَّجْعِ حَسَنٌ وَقَبِيحَهُ قَبِيحٌ كَسَائِرِ الْكَلَامِ الْمَنْظُومِ وَالْمَنْثُورِ."

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1708)
 قَالَ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ: قَدِ اسْتَعَاذَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَوْعٍ مِنَ الْعُلُومِ كَمَا اسْتَعَاذَ مِنَ الشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ. وَالْعِلْمُ الَّذِي لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ التَّقْوَى فَهُوَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الدُّنْيَا وَنَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْهَوَى

عون المعبود وحاشية ابن القيم (4/ 285)
قَوْلُهُ الْآتِي (مِنْ عِلْمٍ لَا ينفع ومن قلب لايخشع إِلَخْ) أَيْ لَا يُسْتَجَابُ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ فَكَأَنَّهُ غَيْرُ مَسْمُوعٍ يُقَالُ اسْمَعْ دُعَائِي أَيْ أَجِبْ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ السَّمَاعِ هُوَ الْإِجَابَةُ وَالْقَبُولُ قَالَ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ قَدِ اسْتَعَاذَ مِنْ نَوْعٍ مِنَ الْعُلُومِ كَمَا اسْتَعَاذَ مِنَ الشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ وَالْعِلْمِ الَّذِي لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ التَّقْوَى فَهُوَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الدُّنْيَا وَنَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْهَوَى وَقَالَ الطِّيبِيُّ اعْلَمْ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنَ الْقَرَائِنِ الْأَرْبَعِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ وُجُودَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى غَايَتِهِ وَأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ تِلْكَ الْغَايَةُ وَذَلِكَ أَنَّ تَحْصِيلَ الْعُلُومِ إِنَّمَا هُوَ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا فَإِذَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ لَمْ يَخْلُصْ مِنْهُ كَفَافًا بَلْ يَكُونُ وَبَالًا وَلِذَلِكَ اسْتَعَاذَ
وَإِنَّ الْقَلْبَ إِنَّمَا خُلِقَ لِأَنْ يَتَخَشَّعَ لِبَارِئِهِ وَيَنْشَرِحَ لِذَلِكَ الصَّدْرُ وَيُقْذَفَ النُّورُ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ قَاسِيًا فَيَجِبُ أَنْ يُسْتَعَاذَ مِنْهُ قَالَ تَعَالَى فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ الله وَإِنَّ النَّفْسَ يُعْتَدُّ بِهَا إِذَا تَجَافَتْ عَنْ دَارِ الْغُرُورِ وَأَنَابَتْ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ وَهِيَ إِذَا كَانَتْ مَنْهُومَةً لَا تَشْبَعُ حَرِيصَةً عَلَى الدُّنْيَا كَانَتْ أَعْدَى عَدُوِّ الْمَرْءِ فَأَوْلَى الشَّيْءِ الَّذِي يُسْتَعَاذُ مِنْهُ هِيَ أَيِ النَّفْسُ
وَعَدَمُ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الدَّاعِيَ لَمْ يَنْتَفِعْ بِعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ وَلَمْ يَخْشَعْ قَلْبُهُ وَلَمْ تشبع نفسه ذكره علي القارىء." اهـ

شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1913)
قوله: ((من علم لا ينفع)) ((مظ)): أي علم لا أعمل به ولا أعلمه، ولا يبدل أخلاقي وأقوالي
وأفعالي، أو علم لا يحتاج إليه في الدين، ولا في تعلمه إذن شرعي. قوله: ((ومن نفس لا تشبع ((تو)): فيه وجهان:
أحدهما : أنها لا تقنع بما آتاها الله ولا تفتر عن الجمع حرصاً، والأخر أن يراد به النهمة وكثرة المال. قوله: ((لها)) الضمير عائد إلي الدعوة، و ((اللام)) زيادة، وفي جامع الأصول ((ودعوة لا تستجاب)) وليس فيه

التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 207)
(اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من علم لَا ينفع) وَهُوَ مَا لَا يَصْحَبهُ عمل أَو مَا لم يُؤذن فِي تعلمه شرعا أَو مَا لَا يهذب الْأَخْلَاق (وَعمل لَا يرفع) إِلَى الله رفع قبُول لرياء أَو فقد نَحْو إخلاص (وَدُعَاء لَا يُسْتَجَاب) أَي لَا يقبله الله لِأَن الْعلم غير النافع وبال على صَاحبه وَالْعَمَل إِذا ردّ يكون صَاحبه مغضوبا عَلَيْهِ وَالدُّعَاء إِذا لم يقبل دلّ على خبث صَاحبه

التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 225)
(اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من علم لَا ينفع وَمن قلب لَا يخشع وَمن نفس لَا تشبع وَمن دَعْوَة لَا يُسْتَجَاب لَهَا) ومحصوله الِاسْتِعَاذَة من دنيء أَفعَال الْقُلُوب وَفِي قرنه بَين الِاسْتِعَاذَة من علم لَا ينفع وَمن قلب لَا يخشع رمز إِلَى أَن الْعلم النافع مَا أورث الْخُشُوع
==========================
1713 - (18) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"لوْ كانَ لابْنِ آدمَ واديانِ مِنْ مالٍ لابْتَغى إليْهِما ثالِثاً، ولا يَمْلأُ جَوْفَ ابنِ آدَمَ إلا الترابُ، ويتوبُ الله على مَنْ تابَ".
رواه البخاري ومسلم.

شرح النووي على مسلم (7/ 139)
فِيهِ ذَمُّ الْحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا وَحُبِّ الْمُكَاثِرَةِ بِهَا وَالرَّغْبَةِ فِيهَا وَمَعْنَى لَا يَمْلَأُ جَوْفَهُ إِلَّا التُّرَابُ أَنَّهُ لَا يَزَالُ حَرِيصًا عَلَى الدُّنْيَا حَتَّى يَمُوتَ وَيَمْتَلِئَ جَوْفُهُ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ___خَرَجَ عَلَى حُكْمِ غَالِبِ بَنِي آدَمَ فِي الْحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا وَيُؤَيِّدُهُ."

تحفة الأحوذي (6/ 519)
(وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ) أَيْ أَنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِنَ الْحَرِيصِ كَمَا يَقْبَلُهَا مِنْ غَيْرِهِ
قِيلَ وَفِيهَا إِشَارَةٌ إِلَى ذَمِّ الِاسْتِكْثَارِ مِنْ جَمْعِ الْمَالِ وَتَمَنِّي ذَلِكَ وَالْحِرْصِ عَلَيْهِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الَّذِي يَتْرُكُ ذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَابَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَابَ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَهُوَ مُطْلَقُ الرُّجُوعِ أَيْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَالتَّمَنِّي
وَقَالَ الطِّيبِيُّ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ بَنِي آدَمَ مَجْبُولُونَ عَلَى حُبِّ الْمَالِ وَالسَّعْيِ فِي طَلَبِهِ وَأَنْ لَا يَشْبَعَ مِنْهُ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ وَوَفَّقَهُ لِإِزَالَةِ هَذِهِ الْجِبِلَّةِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ
فَوَضَعَ قَوْلَهُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ مَوْضِعَهُ إِشْعَارًا بِأَنَّ هَذِهِ الْجِبِلَّةَ الْمَرْكُوزَةَ مَذْمُومَةٌ جَارِيَةٌ مَجْرَى الذَّنْبِ وَأَنَّ إِزَالَتَهَا مُمْكِنَةٌ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَتَسْدِيدِهِ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يُوقَ شح نفسه فأولئك هم المفلحون." اهـ

الإفصاح عن معاني الصحاح (3/ 49)
مثل واد من ذهب مالاً لأحب أن له إليه مثله، ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب).
قال ابن عباس: ولا أدري من القرآن هو أم لا؟
وفي رواية أبي عاصم: (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب).
* في هذا الحديث ما يدل على أن الآدمي لا يشبعه كثرة المال، وأنه لا يملأ بطنه إلا التراب، وأن الإكثار ليس يقلل من حرصه ولا يهضم من شرهه.
* والقرآن: هو ما أجمع عليه المسلمون ونقل النقل المتواتر كواف عن كواف، كما قلنا إنه اجتمع على كتبه أربعة وهم الغاية في البينات، وهذا ليس من ذلك، وقد سبق شرح هذا الحديث.

==========================
1714 - (19) [صحيح] وعنِ ابْنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"لَوْ أنَّ لابْنِ آدَم مِلْءَ وادٍ مالاً لأحبَّ أنْ يَكونَ إليهِ مِثْلُهُ، ولا يَمْلأُ عينَ ابنِ آدمَ إلا الترابُ، ويتوبُ الله على مَنْ تابَ".
رواه البخاري ومسلم.

__________
(1) الأصل: "مثل واد من ذهب"، والتصحيح من البخاري (6437) ومسلم (3/ 100)، ولم يتنبه له المعلقون الثلاثة كعادتهم في مثل هذا!
====================================

1715 - (20) [صحيح] وعنِ عبَّاسِ بْنِ سهلِ بنِ سَعْدٍ قال:
سمعتُ ابنَ الزُبيرِ على مِنْبرِ مَكَّةَ في خطْبَتِه يقولُ:
يا أيُّها الناسُ! إنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يقولُ:
"لَوْ أنَّ ابْنَ آدم أُعْطِي وادياً [مَلآن] (1) مِنْ ذَهَبٍ أحبَّ إليهِ ثانياً، ولَوْ أُعْطِيَ ثانياً أحبَّ إليه ثالثاً، ولا يَسُدُّ جوفَ ابْنِ آدَم إلا الترابُ، ويتوبُ الله على مَنْ تابَ".
رواه البخاري.
__________
(1) زيادة من (البخاري - الرقاق).

========================================
1716 - (21) [حسن صحيح] وعن بُرَيدَةَ رضي الله عنه قال:
سمعتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في الصلاةٍ:
"لو أن لابنِ آدمَ وادياً من ذهبٍ لابتغى إليه ثانياً، ولو أَعطيَ ثانياً لابتغى إليه ثالثاً، ولا يملأُ جوفَ ابنِ آدمَ إلا الترابُ، ويتوبُ الله على من تابَ".
رواه البزار بإسناد جيد. (2)
__________
(2) قلت: وهو كما قال، وبيانه في "الصحيحة" (2991)، وفيه الرد على بعض المتعالمين من المعاصرين الذين ينكرون كل الأحاديث الصحيحة في منسوخ التلاوة، وبعضها متواتر!