Kamis, 24 Januari 2019

عون المسلم

عون المسلم
                                         

عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ :
عن النَّبيِّ _صلى الله عليه وسلم_ قال :
@ "مَن نَفَّس عن مؤمن كُربةً مِن كُرَب الدنيا نَفَّس اللهٌ عنه كُربةً من كُرَبِ يوم القيامة،
@ ومَن يَسَّر على مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عليه في الدنيا والآخرة،
@ ومَن سَتَرَ مسلماً ستره اللهُ في الدنيا والآخرة،
@ واللهُ في عَون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه،
# ومَن سَلَكَ طريقاً يَلتمس فيه علماً سَهَّلَ اللهُ له به طريقاً إلى الجنة،
# وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله يتلون كتابَ الله ويتدارسونه بينهم إلاَّ نزلت عليهم السكينةُ، وغَشيتهم الرحمةُ، وحفَّتهم الملائكةُ، وذكَرَهم الله فيمَن عنده،
# ومَن بَطَّأَ به عملُه لَم يُسرع به نسبُه" رواه مسلم بهذا اللفظ.




=========================

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 121)
1 قوله: "مَن نَفَّس عن مؤمن كُربةً مِن كُرَب الدنيا نَفَّس اللهٌ عنه كُربةً من كُرَبِ يوم القيامة"،
الكُربةُ : هي الشدَّة والضيق.
وتنفيسها : إزالتُها.
والجزاء على تنفيس كربة في الدنيا أن ينفَّس عنه كُربة من كُرب__يوم القيامة، والجزاءُ من جنس العمل، ولا شكَّ أنَّ الجزاءَ فيه أعظم؛ لشدَّة كُرَب يوم القيامة وعظم الفائدة للمكروب في تنفيسها.

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 285)
((وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ)) خ م

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 288)
وَخَرَّجَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] [الْمُطَفِّفِينَ: 6] ، قَالَ: يَقُومُ أَحَدُهُمْ فِي الرَّشْحِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ» .

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 289)
وَقَالَ أَبُو مُوسَى : الشَّمْسُ فَوْقَ رُءُوسِ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَعْمَالُهُمْ تُظِلُّهُمْ أَوْ تُضْحِيهِمْ.
وَفِي " الْمُسْنَدِ " مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا : «كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ» .
=================================
فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 122)
2 قوله: " ومَن يَسَّر على مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عليه في الدنيا والآخرة"،
وهذا أيضاً الجزاءُ فيه من جنس العمل،
والعمل : هو التيسير على المُعسر، وذلك بإعانته على إزالة عُسرته،
* فإن كان مَديناً ساعده بإعطائه ما يقضي به دينه،
* وإن كان الدَّين له أنظره إن لم يُبْرئه منه، والإبراء خيرٌ من الإنظار؛ لقول الله عزَّ وجلَّ: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ،
وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم أنَّ الجزاءَ على التيسير تيسيرٌ يحصل في الدنيا والآخرة.

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 289)
وَقَالَ: {وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} [الفرقان: 26] [الْفُرْقَانِ: 26] .
وَالتَّيْسِيرُ عَلَى الْمُعْسِرِ فِي الدُّنْيَا مِنْ جِهَةِ الْمَالِ يَكُونُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ:
* إِمَّا بِإِنْظَارِهِ إِلَى الْمَيْسَرَةِ، وَذَلِكَ وَاجِبٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] [الْبَقَرَةِ: 280] ،
وَتَارَةً بِالْوَضْعِ عَنْهُ إِنْ كَانَ غَرِيمًا، وَإِلَّا فَبِإِعْطَائِهِ مَا يَزُولُ بِهِ إِعْسَارُهُ، وَكِلَاهُمَا لَهُ فَضْلٌ عَظِيمٌ.

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 290)
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِصِبْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ» .

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 290)
* وَخَرَّجَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كَرْبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ» . م

* وَخَرَّجَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْيَسَرِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلَّهُ» . م
=================================
فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 122)
3 قوله: "ومَن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة"،
وهذا أيضاً العمل فيه ستر في الدنيا، والجزاء عليه سترٌ في الدنيا والآخرة،
والسترُ : هو إخفاء العيب وعدم إظهاره،
* فمَن كان معروفاً بالاستقامة وحصل منه الوقوع في المعصية نوصِحَ وسُتر عليه،
* ومَن كان معروفاً بالفساد والإجرام، فإنَّ السترَ عليه قد يهوِّن عليه إجرامه، فيستمر عليه ويتمادى فيه،
فالمصلحةُ في مثل هذا : عدم الستر عليه؛ ليحصل له العقوبة التي تزجره عن العَوْد إلى إجرامه وعدوانه.

سنن أبي داود (3460)_ ق (2199) :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ»

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 291)
وَخَرَّجَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، كَشَفَ اللَّهِ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ» .

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 291)
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ:
((أَدْرَكْتُ قَوْمًا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُيُوبٌ، فَذَكَرُوا عُيُوبَ النَّاسِ، فَذَكَرَ النَّاسُ لَهُمْ عُيُوبًا، وَأَدْرَكْتُ أَقْوَامًا كَانَتْ لَهُمْ عُيُوبٌ، فَكَفُّوا عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ، فَنَسِيتُ عُيُوبَهُمْ)) أَوْ كَمَا قَالَ." اهـ

صحيح الترغيب والترهيب (2/ 589)
2340 - (9) [حسن صحيح] وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ :
"يا معشرَ مَنْ آمنَ بِلسِانِه، ولَمْ يَدْخُل الإيمانُ قَلْبَهُ! لا تَغْتابوا المسلمينَ، ولا تَتَّبِعوا عَوْراتِهم؛ فإنَّه مَنْ اتَّبَع عَوْراتِهم؛ تَتَبَّعَ الله عَوْرتَهُ، ومَنْ تَتَّبعَ الله عَوْرَتهُ يَفضَحْهُ؛ في بيْتِه". رواه أبو داود

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 292_293)
وَاعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَرْبَيْنِ :
أَحَدُهُمَا: مَنْ كَانَ مَسْتُورًا لَا يَعْرِفُ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَعَاصِي، فَإِذَا وَقَعَتْ مِنْهُ هَفْوَةٌ، أَوْ زَلَّةٌ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَشْفُهَا، وَلَا هَتْكُهَا، وَلَا التَّحَدُّثُ بِهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ غِيبَةٌ مُحَرَّمَةٌ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي وَرَدَتْ فِيهِ النُّصُوصُ، وَفِي ذَلِكَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النور: 19] [النُّورِ: 19]...___
وَالثَّانِي: مَنْ كَانَ مُشْتَهِرًا بِالْمَعَاصِي، مُعْلِنًا بِهَا لَا يُبَالِي بِمَا ارْتَكَبَ مِنْهَا، وَلَا بِمَا قِيلَ لَهُ فَهَذَا هُوَ الْفَاجِرُ الْمُعْلِنُ، وَلَيْسَ لَهُ غِيبَةٌ، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَمِثْلُ هَذَا لَا بَأْسَ بِالْبَحْثِ عَنْ أَمْرِهِ لِتُقَامَ عَلَيْهِ الْحُدُودُ
=============================
فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 122)
4 قوله: "والله في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه"،
هذا فيه الحثُّ على إعانة المسلم أخاه المسلم، وأنَّه كلَّما حصل منه العون لإخوانه فإنَّه يحصِّل بذلك عون الله وتسديده، وهي كلمة جامعة من جوامع كلم الرسول صلى الله عليه وسلم.

سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (5/ 365)
2291 – ((" من أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن، تقضي عنه دينا، تقضي له حاجة،
تنفس له كربة ")). أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 452 / 2)

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 564)
[حسن] عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
سئل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أي الأعمال أفضل؟ قال:
"إدخالك السرور على مؤمن؛ أشبعتَ جَوْعَتَهْ، أو كسوتَ عَوْرَتَه، أو قضيتَ له حاجة".
رواه الطبراني في "الأوسط".

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 295)
وَكَانَ عُمَرُ يَتَعَاهَدُ الْأَرَامِلَ يَسْتَقِي لَهُنَّ الْمَاءَ بِاللَّيْلِ، وَرَآهُ طَلْحَةُ بِاللَّيْلِ يَدْخُلُ بَيْتَ امْرَأَةٍ، فَدَخَلَ إِلَيْهَا طَلْحَةُ نَهَارًا، فَإِذَا هِيَ عَجُوزٌ عَمْيَاءُ مُقْعَدَةٌ، فَسَأَلَهَا: مَا يَصْنَعُ هَذَا الرَّجُلُ عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: هَذَا مُذْ كَذَا وَكَذَا يَتَعَاهَدْنِي يَأْتِينِي بِمَا يُصْلِحُنِي، وَيُخْرِجُ عَنِّي الْأَذَى، فَقَالَ طَلْحَةُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ طَلْحَةُ، عَثَرَاتِ عُمَرَ تَتْبَعُ؟ !
وَكَانَ أَبُو وَائِلٍ يَطُوفُ عَلَى نِسَاءِ الْحَيِّ وَعَجَائِزِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ، فَيَشْتَرِي لَهُنَّ حَوَائِجَهُنَّ وَمَا يُصْلِحُهُنَّ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي السَّفَرِ لِأَخْدُمَهُ، فَكَانَ يَخْدِمُنِي.
وَكَانَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّالِحِينَ يَشْتَرِطُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي السَّفَرِ أَنْ يَخْدِمَهُمْ.

بَابُ: أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ وَأَفْزَاعِهَا 2



تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 58)
45 - وَأَخْبَرَنِي الثِّقَةُ , بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , بِأَسَانِيدَ مُخْتَلِفَةٍ :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ:
«لَمَّا فَرَغَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، خَلَقَ الصُّورَ فَأَعْطَاهُ إِسْرَافِيلَ، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلَى فِيهِ شَاخِصًا بِبَصَرِهِ إِلَى الْعَرْشِ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ» .
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الصُّورُ؟ قَالَ: «قَرْنٌ مِنْ نُورٍ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ هُوَ؟ قَالَ: «عَظِيمُ الدَّارَةِ.
وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيًّا، لَعِظَمُ دَارَتِهِ كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، يُنْفَخُ فِيهِ ثَلَاثَ نَفْخَاتٍ» .

وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ نَفْخَتَانِ، نَفْخَةٌ لِلْهَلَاكِ وَنَفْخَةٌ لِلْبَعْثِ.
وَفِي رِوَايَةِ كَعْبٍ نَفْخَتَانِ.
·  وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
((ثَلَاثُ نَفْخَاتٍ نَفْخَةٌ لِلْفَزَعِ، وَنَفْخَةٌ لِلصَّعْقِ، وَنَفْخَةٌ لِلْبَعْثِ))

فَيَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى إِسْرَافِيلَ فِي النَّفْخَةِ الْأُولَى، فَيَنْفُخُ فِيهِ فَيَفْزَعُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ.
·  وَهُوَ قَوْلُهُ _تَعَالَى_ :
{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [النمل: 87] ،
وَتَتَزَلْزَلُ الْأَرْضُ وَتَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ، وَتَصِيرُ الْوِلْدَانِ شَيْبًا وَتَطِيرُ الشَّيَاطِينُ هَارِبَةً.

·  وَهُوَ قَوْلُهُ _تَعَالَى_ :
{يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ {1} يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 1-2] ،

فَيَمْكُثُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى إِسْرَافِيلَ، فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ الصَّعْقِ، فَيُصْعَقُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ.
يَعْنِي يَمُوتُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: 68] ، وَالِاسْتِثْنَاءُ يَعْنِي بِهِ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ،
وَقِيلَ :
يَعْنِي بِهِ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَمَلَكَ الْمَوْتِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
فَيَقُولُ اللَّهُ _عَزَّ وَجَلَّ_ لِمَلَكِ الْمَوْتِ مَنْ بَقِيَ مِنْ خَلْقِي؟ وَهُوَ___أَعْلَمُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَنْتَ حَيٌّ لَا تَمُوتُ؛ بَقِيَ جِبْرِيلُ وَإِسْرَائِيلُ وَحَمَلَةُ عَرْشِكَ، وَبَقِيتُ أَنَا، فَيَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى مَلَكَ الْمَوْتِ بِقَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ."
هَكَذَا ذُكِرَ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ وَرِوَايَةِ مُقَاتِلٍ

وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ , عَنْ رَجُلٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى , يَقُولُ: لِيَمُتْ جِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ، وَإِسْرَافِيلُ، وَلْيَمُتْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا مَلَكَ الْمَوْتِ مَنْ بَقِيَ مِنْ خَلْقِي؟ فَيَقُولُ: أَنْتَ الْحَيُّ لَا تَمُوتُ.
وَبَقِيَ عَبْدُكَ الضَّعِيفُ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَيَقُولُ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلِي كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ، وَأَنْتَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِي، خَلَقْتُكَ لَمَّا رَأَيْتُ فَمُتْ فَيَمُوتُ.

وَرُوِيَ خَبَرٌ آخَرُ :
أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِأَنْ يَقْبِضَ رُوحَ نَفْسِهِ، فَيَجِئُ إِلَى مَوْضِعٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَيَنْزِعُ رُوحَهُ بِنَفْسِهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً , لَوْ كَانَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ أَحْيَاءَ لَمَاتُوا مِنْ صَيْحَتِهِ،
وَيَقُولُ لَوْ كُنْتُ عَلِمْتُ أَنَّ لِنَزْعِ الرُّوحِ مِثْلُ هَذِهِ الشِّدَّةِ وَالْمَرَارَةِ، لَكُنْتُ عَلَى قَبْضِ أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ أَشَدَّ شَفَقَةً"،
ثُمَّ يَمُوتُ فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ أَيْنَ الْمُلُوكُ وَأَيْنَ أَبْنَاءُ الْمُلُوكِ، أَيْنَ الْجَبَابِرَةُ وَأَيْنَ أَبْنَاءُ الْجَبَابِرَةِ، وَأَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا يَأْكُلُونَ خَيْرِي وَيَعْبُدُونَ غَيْرِي.
ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : ((لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ))،
فَلا يُجِيبُهُ أَحَدٌ، فَيُجِيبُ _سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى_ نَفْسَهُ، فَيَقُولُ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ.
ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ _تَعَالَى_ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ، فَتُمْطِرَ السَّمَاءُ كَمَنِيِّ الرِّجَالِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، حَتَّى يَكُونَ الْمَاءُ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا، فَيُنْبِتُ اللَّهُ الْخَلْقَ بِذَلِكَ الْمَاءِ، كَنَبَاتِ الْبَقْلِ حَتَّى تَتَكَامَلَ أَجْسَامُهُمْ، فَتَعُودُ كَمَا كَانَتْ.
ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِيَحْيَى إِسْرَافِيلُ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ، فَيَحْيَوْنَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى إِسْرَافِيلَ، فَيَأْخُذُ الصُّورَ وَيَضَعُهُ عَلَى فِيهِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ لِيَحْيَى جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، فَيَحْيَيَانِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ يَدْعُو اللَّهُ تَعَالَى الْأَرْوَاحَ فَيُؤْتَى بِهَا فَيَجْعَلُهَا فِي الصُّورِ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى إِسْرَافِيلَ فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ الْبَعْثِ، فَتَخْرُجُ الْأَرْوَاحُ كَأَنَّهَا النَّحْلُ قَدْ مَلَأَتْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَتَدْخُلُ الْأَرْوَاحُ فِي الْأَرْضِ إِلَى الْأَجْسَادِ، فِي الْخَيَاشِيمِ فَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْهُمْ.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ» .

العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (3/ 821)
386 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ الْفُرَافِصَةِ أَبُو حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرُّؤَاسِيُّ [ص:822]، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، خَلَقَ الصُّورَ فَأَعْطَاهُ إِسْرَافِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلَى فِيهِ شَاخِصٌ بَصَرُهُ إِلَى الْعَرْشِ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ» . فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الصُّورُ؟ قَالَ: «الْقَرْنُ» . قُلْتُ: كَيْفَ هُوَ؟ قَالَ: «عَظِيمٌ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ عِظَمَ دَارَةٍ فِيهِ كَعَرْضِ السَّمَاوَاتِ» - وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّهُ قَالَ: وَالْأَرْضِ - يَنْفُخُ فِيهِ ثَلَاثَ نَفَخَاتٍ، الْأُولَى نَفْخَةُ الْفَزَعِ وَالثَّانِيَةُ نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَالثَّالِثَةُ نَفْخَةُ الْقِيَامِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، يَأْمُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِسْرَافِيلَ بِالنَّفْخَةِ الْأُولَى [ص:824] فَيَقُولُ لَهُ: انْفُخُ نَفْخَةَ الْفَزَعِ فَيَفْزَعُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، ويَأْمُرُهُ فَيُدِيمُهَا وَيُطَوِّلُهَا فَلَا يَفْتُرُ، وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} [ص: 15] ، فَيُسَيِّرُ اللَّهُ الْجِبَالَ فَتَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ، ثُمَّ تَكُونُ تُرَابًا، وَتَرْتَجُّ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا رَجًّا، وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} [النازعات: 7] ، فَتَكُونُ الْأَرْضُ كَالسَّفِينَةِ الْمُرْتَفِعَةِ فِي الْبَحْرِ تَضْرِبُهَا الْأَمْوَاجُ تُكْفَأُ بِأَهْلِهَا، وَكَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلَّقِ بِالْعَرْشِ تُرَجِّحُهُ الْأَرْوَاحُ، فَيَبِيدُ [ص:825] النَّاسُ عَنْ ظَهْرِهَا فَتَذْهَلُ الْمَرَاضِعُ، وَتَضَعُ الْحَوَامِلُ، وَيَشِيبُ الْوِلْدَانُ، وَتَطِيرُ الشَّيَاطِينُ هَارِبَةً حَتَّى تَأْتِيَ الْأَقْطَارَ، فَتَلَقَّاهَا الْمَلَائِكَةُ فَتَضْرِبُ وُجُوهَهَا، وَيُوَلِّي النَّاسُ مُدْبِرِينَ، فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ تَصَدَّعَتِ الْأَرْضُ فَانْصَدَعَتْ مِنْ قُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ فَرَأَوْا أَمْرًا عَظِيمًا، فَأَخَذَهُمْ لِذَلِكَ مِنَ الْكَرْبِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ، ثُمَّ نَظَرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا هِيَ كَالْمُهْلِ، ثُمَّ انْشَقَّتْ مِنْ قُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ، ثُمَّ انْخَسَفَتْ شَمْسُهَا وَقَمَرُهَا، وَتَنَاثَرَتْ نُجُومُهَا، ثُمَّ كُشِطَتِ السَّمَاءُ عَنْهُمْ ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالْأَمْوَاتُ لَا يَعْلَمُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ» . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ يَقُولُ: {فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} ؟ قَالَ: " أُولَئِكَ الشُّهَدَاءُ، وَهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، وَإِنَّمَا يَصِلُ الْفَزَعُ إِلَى الْأَحْيَاءِ، فَوَقَاهُمُ اللَّهُ فَزَعَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَأَمَّنَهُمْ مِنْهُ، وَهُوَ عَذَابُ اللَّهِ يَبْعَثُهُ عَلَى شِرَارِ خَلْقِهِ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّاسَ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 1] ، فَيَمْكُثُونَ فِي ذَلِكَ [ص:826] الْبَلَاءِ مَا شَاءَ اللَّهُ إِلَّا أَنَّهُ يَطُولُ ذَلِكَ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِسْرَافِيلَ فَيَأْمُرُهُ بِنَفْخَةِ الصَّعْقِ، فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ الصَّعْقِ، فَيَصْعَقُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِذَا هُمْ خَمَدُوا، جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى الْجَبَّارِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ مَاتَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شِئْتَ. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ: فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا تَمُوتُ وَبَقِيَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ وَبَقِيَ جِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ وَأَنَا. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لِيَمُتْ جِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ. فَيَتَكَلَّمُ الْعَرْشُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، تُمِيتُ جِبْرِيلَ، وَمِيكَائِيلَ؟ " فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: " اسْكُتْ، إِنِّي كَتَبْتُ عَلَى كُلِّ مَنْ تَحْتَ عَرْشِي الْمَوْتَ. فَيَمُوتَانِ، وَيَأْتِي مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى الْجَبَّارِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَيَقُولُ: قَدْ مَاتَ جِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: " فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا تَمُوتُ وَبَقِيَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ وَبَقِيَتُ أَنَا. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لِيَمُتْ حَمَلَةُ عَرْشِي. فَيَمُوتُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى الْجَبَّارِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ مَاتَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ: فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا تَمُوتُ وَبَقِيتُ أَنَا. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ: أَنْتَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِي، خَلَقْتُكَ لِمَا رَأَيْتَ فَمُتْ. فَيَمُوتُ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ لَيْسَ بِوَالِدٍ وَلَا وَلَدٍ كَانَ آخِرًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا قَالَ: لَا مَوْتَ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَلَا مَوْتَ لِأَهْلِ النَّارِ. ثُمَّ [ص:827] يَطْوِي اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَطَيِّ السِّجِلِّ، ثُمَّ دَحَاهَا، ثُمَّ يَلْفُفُهَا، ثُمَّ قَالَ: أَنَا الْجَبَّارُ، ثُمَّ هَتَفَ بِصَوْتِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَتَقَدَّسَ فَقَالَ: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ ثُمَّ قَالَ: لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، ثُمَّ نَادَى أَلَا مَنْ كَانَ لِي شَرِيكًا فَلْيَأْتِ، أَلَا مَنِ الَّذِيِ كَانَ لِي شَرِيكًا؟ أَلَا مَنِ الَّذِيِ كَانَ لِي شَرِيكًا فَلْيَأْتِ؟ فَلَا يَأْتِيهِ أَحَدٌ، ثُمَّ يُبَدِّلُ اللَّهُ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ غَيْرَ الْأَرْضِ، فَيَبْسُطُهَا وَيُسْطِحُهَا وَيَمُدُّهَا مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا، ثُمَّ يَزْجُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخَلْقَ زَجْرَةً، فَإِذَا هُمْ فِي هَذِهِ الْمُبَدَّلَةِ فِي مِثْلِ مَوَاضِعِهِمْ مِنَ الْأَوَّلِ فِي بَطْنِهَا وَعَلَى ظَهْرِهَا، ثُمَّ [ص:828] يُنْزِلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ مَاءً مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ يُقَالُ لَهُ الْحَيَوَانُ فَتُمْطِرُ السَّمَاءُ عَلَيْكُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى يَكُونَ الْمَاءُ فَوْقَكُمُ اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا، وَيَأْمُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْأَجْسَادَ أَنْ تَنْبُتَ، فَتَنْبُتَ كَنَبَاتِ الطَّرَاثِيثِ وَكَنَبَاتِ الْبَقْلِ، حَتَّى إِذَا تَكَامَلَتْ أَجْسَادُهُمْ فَكَانَتْ كَمَا كَانَتْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لِيَحْيَ حَمَلَةُ عَرْشِي. فَيَحْيَوْنَ فَيَأْمُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِسْرَافِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَأْخُذُ الصُّورَ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لِيَحْيِيَ جِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ. فَيَحْيَيَانِ، ثُمَّ يَدْعُو اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْأَرْوَاحَ فَيُؤْتَى بِهَا تَتَوَهَّجُ أَرْوَاحُ الْمُسْلِمِينَ نُورًا وَالْأُخْرَى ظُلْمَةً، ثُمَّ يُلْقِيهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الصُّورِ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِإِسْرَافِيلَ: انْفُخْ نَفْخَةَ الْبَعْثِ. فَتَخْرُجُ الْأَرْوَاحُ كَأَنَّهَا النَّحْلُ قَدْ مَلَأَتْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَيَقُولُ الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَيَرْجِعَنَّ كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهِ. فَتَدْخُلُ الْأَرْوَاحُ فِي الْأَرْضِ عَلَى الْأَجْسَادِ، ثُمَّ تَدْخُلُ فِي الْخَيَاشِيمِ فَتَمْشِي فِي الْأَجْسَادِ كَمَشْيِ السُّمِّ فِي اللَّدِيغِ، ثُمَّ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْكُمْ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، فَتَخْرُجُونَ سِرَاعًا إِلَى رَبِّكُمْ تَنْسِلُونَ، كُلُّكُمْ عَلَى سِنِّ الثَّلَاثِينَ وَاللِّسَانُ يَوْمَئِذٍ سُرْيَانِيُّ [ص:829] سِرَاعًا إِلَى رَبِّكُمْ تَنْسِلُونَ {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر: 8] ، ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ وَحَشَرْنَاكُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْكُمْ أَحَدًا، فَيُوقَفُونَ فِي مَوْقِفٍ وَاحِدٍ مِقْدَارَ سَبْعِينَ عَامًا لَا يُنْظَرُ إِلَيْكُمْ وَلَا يُقْضَى بَيْنَكُمْ، فَتَبْكِي الْخَلَائِقُ حَتَّى يَنْقَطِعَ الدَّمْعُ، ثُمَّ يَدْمَعُونَ دَمًا وَيَغْرَقُونَ حَتَّى يَبْلُغَ ذَلِكَ مِنْهُمُ الْأَذْقَانَ أَوْ يُلْجِمَهُمْ، ثُمَّ يَضِجُّونَ فَيَقُولُونَ: مَنْ يَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّنَا لِيَقْضِيَ بَيْنَنَا؟ فَيَقُولُونَ: وَمَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ أَبِيكُمْ آدَمَ؛ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَكَلَّمَهُ قُبُلًا، فَيُؤْتَى آدَمُ فَيُطْلَبُ ذَلِكَ إِلَيْهِ فَيَأْبَى، ثُمَّ يَسْتَبِقُونَ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ نَبِيًّا نَبِيًّا، كُلَّمَا جَاءُوا نَبِيًّا أَبَى ". فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَتَّى يَأْتُونِي، فَإِذَا جَاءُونِي انْطَلَقْتُ حَتَّى آتِيَ الْفَحْصَ فَأَخِرَّ قُدَّامَ الْعَرْشِ سَاجِدًا حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيَّ مَلَكًا فَيَأْخُذَ بِعَضُدِي فَيَرْفَعَنِي» . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْفَحْصُ؟ قَالَ: «قُدَّامَ الْعَرْشِ» . فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَا شَأْنُكَ يَا مُحَمَّدُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَهُوَ أَعْلَمُ، فَأَقُولُ: «يَا رَبِّ وَعَدْتَنِي الشَّفَاعَةَ فَشَفِّعْنِي فِي خَلْقِكَ، وَاقْضِ بَيْنَهُمْ» . فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَدْ شَفَّعْتُكَ، أَنَا آتِيكُمْ فَأَقْضِي بَيْنَكُمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَأَرْجِعُ فَأَقِفُ مَعَ النَّاسِ، فَبَيْنَا نَحْنُ وُقُوفٌ سَمِعْنَا حِسًّا مِنَ السَّمَاءِ شَدِيدًا [ص:830] فَهَالَنَا فَنَزَلَ أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِمِثْلَيْ مَنْ فِيهَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنَ الْأَرْضِ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِهِمْ وَأَخَذُوا مَصَافَّهُمْ وَقُلْنَا لَهُمْ: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ قَالُوا: لَا وَهُوَ آتٍ، ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ بِمِثْلَيْ مَنْ نَزَلَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَمِثْلَيْ مَنْ فِيهَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنَ الْأَرْضِ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِهِمْ وَأَخَذُوا مَصَافَّهُمْ، وَقُلْنَا لَهُمْ: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ قَالُوا: لَا وَهُوَ آتٍ، ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ بِمِثْلَيْ مَنْ نَزَلَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَمِثْلَيْ مَنْ فِيهَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنَ الْأَرْضِ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِهِمْ وَأَخَذُوا مَصَافَّهُمْ وَقُلْنَا لَهُمْ: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ قَالُوا: لَا وَهُوَ آتٍ، ثُمَّ يَنْزِلُونَ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّضْعِيفِ حَتَّى يَنْزِلَ الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةِ يَحْمِلُ عَرْشَهُ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ، وَهُمُ الْيَوْمَ أَرْبَعَةٌ، أَقْدَامُهُمْ عَلَى تُخُومِ الْأَرْضِ السُّفْلَى، وَالْأَرْضُونَ وَالسَّمَاوَاتُ إِلَى حُجُزِهِمْ عَلَى مَنَاكِبِهِمْ، لَهُمْ زَجَلٌ بِالتَّسْبِيحِ، وَتَسْبِيحُهُمْ أَنْ يَقُولُوا: سُبْحَانَ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، سُبْحَانَ ذِي الْعِزِّ وَالْجَبَرُوتِ، سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، سُبْحَانَ الَّذِي يُمِيتُ الْخَلَائِقَ وَلَا يَمُوتُ، سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، قُدُّوسًا قُدُّوسًا، سُبْحَانَ رَبِّنَا الْأَعْلَى، سُبْحَانَ ذِي الْمَلَكُوتِ [ص:831] وَالْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالسُّلْطَانِ وَالْعَظَمَةِ، سُبْحَانَهُ أَبَدَ الْأَبَدِ. ثُمَّ يَضَعُ اللَّهُ تَعَالَى عَرْشَهُ حَيْثُ يَشَاءُ مِنَ الْأَرْضِ، ثُمَّ يَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا يُجَاوِرُنِي الْيَوْمَ أَحَدٌ بِظُلْمٍ، ثُمَّ يُنَادِي نِدَاءً يُسْمِعُ الْخَلْقَ فَيَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، إِنِّي قَدْ أَنْصَتُّ لَكُمْ مُنْذُ يَوْمِ خَلَقْتُكُمْ إِلَى يَوْمِكُمْ هَذَا أُبْصِرُ أَعْمَالَكُمْ وَأَسْمَعُ قَوْلَكُمْ فَأَنْصِتُوا لِي فَإِنَّمَا هِيَ صُحُفُكُمْ وَأَعْمَالُكُمْ تُقْرَأُ عَلَيْكُمْ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ جَهَنَّمَ فَيَخْرُجُ مِنْهَا عُنُقٌ سَاطِعٌ مُظْلِمٌ، ثُمَّ يَقُولُ: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ، أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعَبْدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس: 59] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، ثُمَّ يَقْضِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ خَلْقِهِ كُلِّهِمْ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ، يُقِيدُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، حَتَّى إِنَّهُ لَيُقِيدُ الْجَمَّاءَ مِنْ ذَاتِ الْقَرْنِ، حَتَّى إِذَا لَمْ تَبْقَ تَبِعَةٌ لِوَاحِدَةٍ عِنْدَ أُخْرَى قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُونِي تُرَابًا، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْكَافِرُ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا. ثُمَّ يَقْضِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ الثَّقَلَيْنِ، فَيَكُونُ أَوَّلُ مَا يَقْضِي فِيهِ الدِّمَاءَ، فَيُؤْتَى بِالَّذِي كَانَ يَقْتُلُ فِي [ص:832] سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَمْرِ اللَّهِ وَكِتَابِهِ وَيَأْتِي مَنْ قُتِلَ كُلُّهُمْ تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا يَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا، قَتَلَنَا هَذَا، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ: لِمَ قَتَلْتَهُمْ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَتَلْتُهُمْ لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لَكَ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: صَدَقْتَ فَيَجْعَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَجْهَهُ مِثْلَ نُورِ الشَّمْسِ، ثُمَّ تُشَيِّعُهُ الْمَلَائِكَةُ إِلَى الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِالَّذِي كَانَ يَقْتُلُ فِي الدُّنْيَا عَلَى غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَغَيْرِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَزُّزًا فِي الدُّنْيَا، وَيَأْتِي مَنْ قَتَلَ كُلُّهُمْ يَحْمِلُ رَأْسَهُ تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا قَتَلَنَا هَذَا، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ وَهُوَ أَعْلَمُ: لِمَ قَتَلْتَهُمْ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ قَتَلْتُهُمْ لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لِي. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَعِسْتَ، فَيُسَوِّدُ اللَّهُ وَجْهَهُ وَتَزْرَقُّ عَيْنَاهُ، ثُمَّ لَا تَبْقَى نَفْسٌ قَتَلَهَا إِلَّا قُتِلَ بِهَا، ثُمَّ يَقْضِي بَيْنَ مَنْ بَقِيَ مِنْ خَلْقِهِ إِنَّهُ لَيُكَلِّفُ يَوْمَئِذٍ شَائِبَ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ ثُمَّ يَبِيعُهُ أَنْ يُخَلِّصَ الْمَاءَ مِنَ اللَّبَنِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ عِنْدَ أَحَدٍ تَبِعَةٌ نَادَى مُنَادٍ فَأَسْمَعَ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ فَقَالَ: أَلَا لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِآلِهَتِهِمْ وَمَا كَانُوا يَعَبْدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَلَا يَبْقَى أَحَدٌ عَبْدَ [ص:833] دُونَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا إِلَّا مَثُلَتْ لَهُ آلِهَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيُجْعَلُ يَوْمَئِذٍ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى صُورَةِ عِيسَى فَيَتَّبِعُهُ النَّصَارَى، وَيُجْعَلُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى صُورَةِ عُزَيْرٍ فَيَتَّبِعُهُ الْيَهُودُ، ثُمَّ تَقُودُهُمْ آلِهَتُهُمْ إِلَى النَّارِ وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأنبياء: 99] ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ فِيهِمُ الْمُنَافِقُونَ جَاءَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا شَاءَ مِنْ هَيْبَتِهِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ الْحَقُوا بِآلِهَتِكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَعَبْدُونَ. فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ مَا لَنَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَمَا كُنَّا نَعْبُدُ غَيْرَهُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ عَنْهُمْ وَهُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَيُثَبِّتُهُمْ فَيَمْكُثُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ يَأْتِيهِمْ فِيمَا شَاءَ مِنْ هَيْبَتِهِ فَيَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ذَهَبَ النَّاسُ فَالْحَقُوا بِآلِهَتِكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَعَبْدُونَ. فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ مَا لَنَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ، وَمَا كُنَّا نَعْبُدُ غَيْرَهُ. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: إِنَّا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ حَتَّى إِنَّهُمْ لَيُهَمُّونَ فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ مِنْ آيَةٍ تَعْرِفُونَهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَكْشِفُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ عَنْ سَاقِهِ، وَيَتَجَلَّى لَهُمْ مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ مَا يَعْرِفُونَ بِهِ رَبَّهُمْ، فَيَخِرُّونَ سُجَّدًا فَيَسْجُدُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَيَجْعَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَصْلَابَ الْمُنَافِقِينَ كَصَيَاصِيِّ الْبَقَرِ، وَيَخِرُّونَ عَلَى [ص:834] أَقْفِيَتِهِمْ، ثُمَّ يَأْذَنُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ فَيَرْفَعُونَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِالصِّرَاطِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ كَحَدِّ الشَّعَرَةِ أَوْ كَحَدِّ السَّيْفِ عَلَيْهِ كَلَالِيبُ وَخَطَاطِيفُ وَحَسَكٌ كَحَسَكِ السَّعْدَانِ دُونَ جَسْرٍ دَحْضٍ، مَزِلَّةٍ أَوْ مُزْلِقَةٍ، فَيَمُرُّونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ أَوْ كَلَمْحِ الْبَصَرِ وَكَمَرِّ الرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَكَأَجَاوِيدِ الرِّكَابِ وَكَأَجَاوِيدِ الرِّجَالِ فَنَاجٍ سَالِمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ وَمَكْدُوشٌ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَهَنَّمَ، فَيَقَعُ فِي جَهَنَّمَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْبَقَتْهُمْ أَعْمَالُهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُ قَدَمَيْهِ لَا تَجَاوَزُ ذَلِكَ [ص:835]، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُ إِلَى حَقْوَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُ خَدَّهُ أَوْ جَسَدَهُ إِلَّا صُوَرَهُمْ يُحَرِّمُهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا، فَإِذَا أَفْضَى أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ قَالُوا: مَنْ يَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّنَا لِنَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ فَيَقُولُونَ: مَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ أَبِيكُمْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَكَلَّمَهُ قُبُلًا فَيُؤْتَى آدَمُ فَيُطْلَبُ ذَلِكَ إِلَيْهِ فَيَتَذَكَّرُ ذَنْبًا فَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِنُوحٍ فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ اللَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيُطْلَبُ ذَلِكَ إِلَيْهِ فَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اتَّخَذَهُ خَلِيلًا فَيُؤْتَى إِبْرَاهِيمُ فَيُطْلَبُ ذَلِكَ إِلَيْهِ فَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَرَّبَهُ نَجِيًّا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ التَّوْرَاةَ. فَيُؤْتَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيُطْلَبُ ذَلِكَ إِلَيْهِ فَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِرُوحِ اللَّهِ وَكَلِمَتِهِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ. فَيُؤْتَى عِيسَى فَيُطْلَبُ ذَلِكَ إِلَيْهِ فَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ وَلَكِنْ سَأَدُلُّكُمْ عَلَى صَاحِبِ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَيَأْتُونِي وَلِي عِنْدَ رَبِّي ثَلَاثُ شَفَاعَاتٍ وَعَدَنِيهِنَّ حَتَّى آتِيَ الْجَنَّةَ فَآخُذَ بِحَلْقَةِ الْبَابِ فَأَسْتَفْتِحَ فَيُفْتَحَ لِي أُحَيَّا وَيُرَحَّبُ بِي، فَإِذَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ نَظَرْتُ إِلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَرْشِهِ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا فَأَسْجُدُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَسْجُدَ» . قَالَ: " وَيَأْذَنُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِي مِنْ حَمْدِهِ وَتَمْجِيدِهِ شَيْئًا مَا أَذِنَ بِهِ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ حَتَّى يَقُولَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِي: ارْفَعْ يَا مُحَمَّدُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَ، فَإِذَا رَفَعْتُ رَأْسِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِي: مَا شَأْنُكَ؟ وَهُوَ أَعْلَمُ فَأَقُولُ: «أَيْ رَبِّ وَعَدْتَنِي الشَّفَاعَةَ فَشَفِّعْنِي فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ» . فَيَقُولُ: قَدْ [ص:836] شَفَّعْتُكَ، قَدْ أَذِنْتُ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُونَ ". فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا أَنْتُمْ فِي الدُّنْيَا بِأَعْرَفَ بِمَسَاكِنِكُمْ وَأَزْوَاجِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ بِمَسَاكِنِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ» . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُشَفَّعُ فَأَقُولُ: " أَيْ رَبِّ مَنْ وَقَعَ فِي النَّارِ مِنْ أُمَّتِي؟ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اذْهَبُوا فَأَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ صُورَتَهُ فَأَخْرِجُوهُ مِنَ النَّارِ، فَيَخْرُجُ أُولَئِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى أَحَدٌ، ثُمَّ يَأْذَنُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الشَّفَاعَةِ فَلَا يَبْقَى نَبِيُّ وَلَا شَهِيدٌ وَلَا مُؤْمِنٌ إِلَّا يَشْفَعُ إِلَّا اللَّعَّانَ فَإِنَّهُ لَا يُكْتَبُ شَهِيدًا، وَلَا يُؤْذَنُ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ مِنَ النَّارِ، ثُمَّ يَقُولُ: ثُلُثَيْ دِينَارٍ، ثُمَّ يَقُولُ: نِصْفَ دِينَارٍ، ثُمَّ يَقُولُ: ثُلُثَ دِينَارٍ، ثُمَّ أَوْ حَتَّى يَقُولَ: قِيرَاطًا، ثُمَّ يَقُولُ: مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، وَإِنَّ إِبْلِيسَ لَعَنَهُ اللَّهُ يَوْمَئِذٍ لَيَتَطَاوَلُ لِمَا يَرَى مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ رَجَاءَ أَنْ يُشْفَعَ لَهُ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ لَهُ شَفَاعَةٌ إِلَّا شَفَعَ وَلَمْ يَبْقَ فِي النَّارِ أَحَدٌ عَمِلَ لِلَّهِ خَيْرًا قَطُّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: بَقِيتُ أَنَا وَأَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ يُدْخِلُ كَفَّهُ فِي جَهَنَّمَ فَيُخْرِجُ مَا لَا يُحْصِي عَدَدَهُ أَحَدٌ [ص:837] إِلَّا هُوَ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُحْتَرِقَةٌ، فَيَبَثُّهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَهْرٍ يُقَالُ لَهُ نَهْرُ الْحَيَوَانِ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، مَا يَلِي الشَّمْسَ أُخَيْضِرٌ وَمَا يَلِي الظِّلَّ مِنْهَا أُصَيْفِرٌ ". فَكَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا سَمِعُوا بِذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّكَ كُنْتَ فِي الْبَادِيَةِ. فَيَنْبُتُونَ فِي جِيَفِهِمْ حَتَّى يَكُونُوا أَمْثَالَ الذَّرِّ مَكْتُوبٌ فِي رِقَابِهِمُ الْجَهَنَّمِيُّونَ، وَعُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ بِذَلِكَ الْكِتَابِ فَيَمْكُثُونَ فِي الْجَنَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ يَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا امْحُ عَنَّا هَذَا الْكِتَابَ فَيَمْحُو اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ذَلِكَ.
[ص:838]

تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي (1/ 283)
273 - حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْكِلَابِيُّ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ الْمَدِينِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

مسند إسحاق بن راهويه (1/ 84)
10 - أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرُّوَاسِيُّ، نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ [ص:85] مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،

العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (3/ 821)
386 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ الْفُرَافِصَةِ أَبُو حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرُّؤَاسِيُّ [ص:822]، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، خَلَقَ الصُّورَ فَأَعْطَاهُ إِسْرَافِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلَى فِيهِ شَاخِصٌ بَصَرُهُ إِلَى الْعَرْشِ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ» . فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الصُّورُ؟ قَالَ: «الْقَرْنُ» . قُلْتُ: كَيْفَ هُوَ؟ قَالَ: «عَظِيمٌ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ عِظَمَ دَارَةٍ فِيهِ كَعَرْضِ السَّمَاوَاتِ» - وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّهُ قَالَ: وَالْأَرْضِ - يَنْفُخُ فِيهِ ثَلَاثَ نَفَخَاتٍ، الْأُولَى نَفْخَةُ الْفَزَعِ وَالثَّانِيَةُ نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَالثَّالِثَةُ نَفْخَةُ الْقِيَامِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ،

·  إسماعيل بن رافع بن عويمر ، و يقال ابن أبى عويمر الأنصارى و يقال المزنى مولاهم ، أبو رافع القاص المدنى ( أخو إسحاق ) : رتبته عند ابن حجر :  ضعيف الحفظ

·  محمد بن يزيد بن أبى زياد الثقفى ، أبو عبد الله ، الفلسطينى و يقال الكوفى ، مولى المغيرة بن شعبة ( نزيل مصر) : رتبته عند ابن حجر :  مجهول الحال

نهج الرشاد في نظم الاعتقاد (ص: 59)
اتفق العلماء على إثبات هاتين النفختين،
·  لقوله تعالى في سورة الزمر: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} (الزمر:68)،
·  ولقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه البخاري (4/ 1813) (4536)، ومسلم (4/ 2270) (2955) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً : (ما بين النفختين أربعون) الحديث،
·  وعنه أيضاً مرفوعاً عند البخاري (3/ 1254) (3233)، ومسلم (3/ 1843) (2373): (لا تفضلوا بين أنبياء الله فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله قال ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث) الحديث،
·  وفي الباب أحاديث، وآثار أخرى.
ولكنهم اختلفوا فيما زاد على ذلك :
#فذهب الإمام أبي بكر بن العربي، وشيخ الإسلام، وابن كثير، والسفاريني، وغيرهم إلى أن النفخات ثلاث، فزادوا نفخة الفزع، التي تسبق نفخة الصعق،
واستدلوا لإثباتها بقوله _تعالى_ في سورة النمل :
·  {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} (النمل:87)،
وقد ردَّ القرطبي الاستدلال بهذه الآية فقال في التذكرة  (ص/200) :
[نفخة الفزع هي نفخة الصعق؛ لأن الأمرين لازمان لها، أي: فزعوا فزعاً ماتوا منه،
والسنة الثابتة على ما تقدم من حديث أبي هريرة وحديث عبد الله بن عمرو، وغيرهما يدل على أنهما نفختان لا ثلاثٌ، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى.
قال الله _تعالى_ :
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} (الزمر: 68) فاستثنى هنا كما استثنى في نفخة الفزع فدل على أنهما واحدة]، اهـ كلام القرطبي
·  واستدلوا أيضاً بحديث ضعيف رواه الطبري (8/ 289)، وغيره عن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال :
(يا رسول الله ما الصور؟ قال: قرن قال: وكيف هو؟ قال: قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات: الأولى: نفخة الفزع والثانية : نفخة الصعق والثالثة: نفخة القيام لرب العالمين)، وقال ابن حجر في الفتح (11/ 368): سنده ضعيف، ومضطرب.،
#وذهب ابن حزم إلى أن النفخات أربع،
قال ابن حجر في الفتح (6/ 446) :
[زعم ابن حزم أن النفخات يوم القيامة أربع :
الأولى : نفخة إماتة يموت فيها من بقي حيا في الأرض، والثانية : نفخة إحياء، يقوم بها كل ميت، وينشرون من القبور ويجمعون للحساب، والثالثة : نفخة فزعٍ، وصعقٍ يفيقون منها، كالمغشي عليه لا يموت منها أحد، والرابعة : نفخة إفاقةٍ من ذلك الغشي.
وهذا الذي ذكره من كون الثنتين أربعا ليس بواضح، بل هما نفختان فقط، ووقع التغاير في كل واحدة منهما باعتبار من يستمعها،
فالأول : يموت بها كل من كان حيا، ويغشى على من لم يمت ممن استثنى الله، والثانية : يعيش بها من مات، ويفيق____بها من غشي عليه. والله أعلم].
وفي ثبوت ما زاد على النفختين نظر؛ لعدم سلامة ما استدلوا به من المعارضة.
·  تنبيه :
ما أختاره الناظم هنا من أن الذي ينفخ النفختين هو سيدنا: إسرافيل - عليه السلام - نقل عليه الحليمي الإجماع، ووقع التصريح به في عدة أحاديث،
إلا أن الحافظ ابن حجر في الفتح (11/ 369) قد ذكر بعض الروايات الضعيفة، ومال إلى تقويتها،
واستدل بها - مع بعض الآثار عن التابعين - على أن : ملكاً آخر هو الذي ينفخ في الصور نفخة الصعق،
وأن سيدنا إسرافيل هو الذي ينفخ نفخة البعث حيث قال :
[وجاء أن الذي ينفخ في الصور غيره، ففي الطبراني الأوسط عن عبد الله بن الحارث كنا عند عائشة فقالت: يا كعب أخبرني عن إسرافيل، فذكر الحديث، وفيه: (وملك الصور جاث على إحدى ركبتيه، وقد نصب الأخرى يلتقم الصور محنيا ظهره شاخصا ببصره إلى اسرافيل، وقد أمر إذا رأى إسرافيل قد ضم جناحيه أن ينفخ في الصور، فقالت عائشة: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم)
ورجاله ثقات إلا علي بن زيد بن جدعان ففيه ضعف، فان ثبت : حمل على أنهما جميعا ينفخان،
ويؤيده ما أخرجه هناد بن السري في كتاب الزهد بسند صحيح لكنه موقوف على عبد الرحمن بن أبي عمرة قال :
((ما من صباح إلا وملكان موكلان بالصور)).
ومن طريق عبد الله بن ضمرة مثله، وزاد :
((ينتظران متى ينفخان))،
ونحوه عند أحمد من طريق سليمان التيمي عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال :
(النافخان في السماء الثانية رأس أحدهما بالمشرق، ورجلاه بالمغرب، أو قال: بالعكس ينتظران متى يؤمران أن ينفخا في الصور فينفخا) ورجاله ثقات،
وأخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بغير شك، ولابن ماجه والبزار من حديث أبي سعيد رفعه: (إن صاحبي الصور بأيديهما قرنان يلاحظان النظر متى يؤمران)
وعلى هذا فقوله في حديث عائشة : أنه إذا رأى إسرافيل ضم جناحيه نفخ، أنه ينفخ النفخة الأولى، وهي: نفخة الصعق ثم ينفخ إسرافيل النفخة الثانية، وهي نفخة البعث]. اهـ كلام الحافظ