1620 - (5) [حسن] وعن أبي
هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"إنَّ
العبدَ إذا أخطأ خطيئةً نَكَتَتْ في قلبه نُكْتَةٌ، فإن هو نَزَعَ واستغفرَ
صقُلَتْ، فإن عاد زيد فيها حتى تعلوَ قلبه، فذلك الران الذي ذكر الله تعالى:
{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ".
رواه
الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".
والنسائي
وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"صحيح
على شرط مسلم".
التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 510)
ركبها كما يركب الصدأ إذا غلب عليها وهو أن يصر
على الكبائر ويسوف في التوبة حتى يطبع على قلبه فلا يقبل الخير ولا يميل إليه
تحفة الأحوذي (9/ 178)
وقال
القارى : وَالْمَعْصِيَةَ بِشَيْءٍ فِي غَايَةِ السَّوَادِ أَصَابَ ذَلِكَ
الْأَبْيَضَ فَبِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ يُذْهِبُ ذَلِكَ الْجَمَالَ مِنْهُ
وَكَذَلِكَ الْإِنْسَانُ إِذَا أَصَابَ الْمَعْصِيَةَ صَارَ كَأَنَّهُ حَصَلَ
ذَلِكَ السَّوَادُ فِي ذَلِكَ الْبَيَاضِ فَإِذَا هُوَ أَيِ الْعَبْدُ نَزَعَ أَيْ
نَفْسَهُ عَنِ ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي وَاسْتَغْفَرَ أَيْ سَأَلَ اللَّهَ
الْمَغْفِرَةَ وَتَابَ أَيْ مِنَ الذَّنْبِ سُقِلَ قَلْبُهُ بِالسِّينِ
الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ صُقِلَ
بِالصَّادِ
تحفة الأحوذي (1/ 25)
وأخرج
أحمد وبن خزيمة عن بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((الْحَجَرُ
الْأَسْوَدُ يَاقُوتَةٌ بَيْضَاءُ مِنْ الْجَنَّةِ وَكَانَ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنْ
الثَّلْجِ وإنما خَطَايَا الْمُشْرِكِينَ))
قَالَ
السُّيُوطِيُّ : فَإِذَا أَثَّرَتْ الْخَطَايَا فِي الْحَجَرِ : فَفِي جَسَدِ
فَاعِلِهَا أَوْلَى، فَإِمَّا أَنْ يُقَدَّرَ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ أَثَرُ
خَطِيئَتِهِ أَوْ السَّوَادُ الَّذِي أَحْدَثَتْهُ
وَإِمَّا
أَنْ يُقَالَ إن الخطيئة_____نَفْسَهَا تَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ عَلَى أَنَّهَا
جِسْمٌ لَا عَرَضٌ بِنَاءً عَلَى إِثْبَاتِ عَالَمِ الْمِثَالِ وَأَنَّ كُلَّ مَا
هُوَ فِي هَذَا الْعَالَمِ عَرَضٌ لَهُ صُورَةٌ فِي عَالَمِ الْمِثَالِ
وَلِهَذَا
صَحَّ عَرْضُ الْأَعْرَاضِ عَلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ الملائكة وقيل
لهم أنبئوني بأسماء هؤلاء وَإِلَّا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ عَرْضُ الْأَعْرَاضِ لَوْ
لَمْ يَكُنْ لَهَا صُورَةٌ تُشَخَّصُ بِهَا قَالَ وَقَدْ حَقَّقْتُ ذَلِكَ فِي
تَأْلِيفٍ مُسْتَقِلٍّ وَأَشَرْتُ إِلَيْهِ فِي حَاشِيَتِي الَّتِي عَلَّقْتهَا
عَلَى تَفْسِيرِ الْبَيْضَاوِيِّ وَمِنْ شَوَاهِدِهِ فِي الْخَطَايَا مَا
أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ في سننه عن بن عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي
أُتِيَ بِذُنُوبِهِ فَجُعِلَتْ عَلَى رَأْسِهِ وَعَاتِقِهِ فَكُلَّمَا رَكَعَ
وَسَجَدَ تَسَاقَطَتْ عَنْهُ وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ
سَلْمَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمُسْلِمُ يُصَلِّي وَخَطَايَاهُ مَرْفُوعَةٌ عَلَى رَأْسِهِ كُلَّمَا سَجَدَ
تَحَاتَّتْ عَنْهُ انْتَهَى كَلَامُ السُّيُوطِيِّ
قُلْتُ
لَا شَكَّ فِي أَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَأَمَّا
إِثْبَاتُ عَالَمِ الْمِثَالِ فَعِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ فَتَفَكَّرْ
تحفة الأحوذي (3/ 525)
وَفِي
الْحَدِيثِ إِذَا أَذْنَبَ الْعَبْدُ نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ
فَإِذَا أَذْنَبَ نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ أُخْرَى وَهَكَذَا حَتَّى يسود قلبه
جيعه وَيَصِيرَ مِمَّنْ قَالَ فِيهِمْ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا
كَانُوا يكسبون وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَجَرَ بِمَنْزِلَةِ الْمِرْآةِ
الْبَيْضَاءِ فِي غَايَةٍ مِنَ الصَّفَاءِ وَيَتَغَيَّرُ بِمُلَاقَاةِ مَا لَا
يُنَاسِبُهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ حَتَّى يَسْوَدَّ لَهَا جَمِيعُ الْأَجْزَاءِ وَفِي
الْجُمْلَةِ الصُّحْبَةُ لَهَا تَأْثِيرٌ بِإِجْمَاعِ العقلاء انتهى كلام القارىء
قال
الحافظ بن الحجر وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْمُلْحِدِينَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ
فَقَالَ كَيْفَ سَوَّدَتْهُ خَطَايَا الْمُشْرِكِينَ وَلَمْ تُبَيِّضْهُ طَاعَاتُ
أهل التوحيد وأجيب بما قال بن قُتَيْبَةَ لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَكَانَ ذَلِكَ
وَإِنَّمَا أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ بِأَنَّ السَّوَادَ يَصْبُغُ وَلَا
يَنْصَبِغُ عَلَى الْعَكْسِ مِنَ الْبَيَاضِ
وَقَالَ
الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي بَقَائِهِ أَسْوَدَ عِبْرَةٌ لِمَنْ لَهُ بَصِيرَةٌ
فَإِنَّ
الْخَطَايَا إِذَا أَثَّرَتْ فِي الْحَجَرِ الصَّلْدِ فَتَأْثِيرُهَا فِي
الْقَلْبِ أَشَدُّ قَالَ وَرُوِيَ عن بن عَبَّاسٍ إِنَّمَا غَيَّرَهُ بِالسَّوَادِ
لِئَلَّا يَنْظُرَ أَهْلُ الدُّنْيَا إِلَى زِينَةِ الْجَنَّةِ فَإِنْ ثَبَتَ
فَهَذَا هو الجواب
===================================================
1621 - (6) [صحيح] عن عليّ رضي الله عنه
قال:
كنتُ
رجلاً إذا سمِعْتُ مِنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديثاً
نَفَعَني اللهُ منه بما شاء أن ينفعني، وإذا حدَّثني أحدٌ مِنْ أصحابِهِ
استَحْلَفته، فإذا حلف لي صدَّقْته، قال: وحدَّثني أبو بكر -وصَدَق- أنه قال:
سمِعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"ما
مِنْ عبدٍ يُذْنبُ ذنباً فَيُحسنُ الطهورَ، ثم يقومُ فيصلِّي ركْعتين، ثم
يَسْتَغْفِرُ اللهَ؛ إلا غفر له، ثمَّ قرأ هذه الآيةُ: {وَالَّذِينَ إِذَا
فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} إلى آخر الآية".
رواه
أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، وليس عند
بعضهم ذكر الركعتين. وقال الترمذي:
"حديث
حسن غريب"، وذكر أن بعضهم وَقَّفَه.
شرح
أبي داود للعيني (5/ 432_433)
قوله:
" وصدق أبو بكر " جملة حالية، وفيه تعظيم علي لأبي بكر. قوله: "
فيحُسِن الطهور "- بضم الطاء- إلي: الوُضوء. وفيه:____فضل الوضوء والصلاة
والاستغفار. وفيه فائدة أخرى: وهي جواز استحلاف المُخبر بشيءٍ.
المنهل
العذب المورود شرح سنن أبي داود (8/ 184)
المؤلف:
محمود محمد خطاب السبكي :
(قوله
فيحسن الطهور) بضم الطاء المهملة أي الوضوء. وفي الحديث دلالة على الترغيب في
تحسين الوضوء وصلاة ركعتين والاستغفار عقب ارتكاب الذنب فإن من فعل ذلك غفر له
منهاج
السنة النبوية (7/ 501)
وَكَانَ
عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ يَرْوُونَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، كَمَا فِي السُّنَنِ «عَنْ
عَلِيٍّ قَالَ: كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي مِنْهُ،
فَإِذَا حَدَّثَنِي غَيْرُهُ اسْتَحْلَفْتُهُ (1) ، فَإِذَا حَلَفَ لِي
صَدَّقْتُهُ، وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ - وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ - قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ
يُذْنِبُ ذَنْبًا ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ
تَعَالَى إِلَّا غَفَرَ لَهُ»
منهاج
السنة النبوية (5/ 513)
وَالْمَعْرُوفُ
أَنَّ عَلِيًّا أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، كَمَا فِي السُّنَنِ عَنْ
عَلِيٍّ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنَ (2) النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ بِهِ مَا شَاءَ أَنْ
يَنْفَعَنِي، وَإِذَا حَدَّثَنِي غَيْرُهُ حَدِيثًا اسْتَحْلَفْتُهُ، فَإِذَا
حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ، وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ،
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ:
" «مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيُحْسِنَ الطُّهُورَ، ثُمَّ
يَقُومَ فَيُصَلِّي، ثُمَّ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ إِلَّا (3) غَفَرَ اللَّهُ لَهُ»
===================================================
1622 - (7) [صحيح لغيره] وعن بلال بنِ يَسار
بن زَيدٍ قال: حدَّثني أبي عن جدِّي؛ أنه سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يقول:
"مَنْ
قال: (أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيُّ القيُّومُ وأتوبُ إليه)؛ غُفِرَ لَهُ
وإنْ كان فَرَّ مِنَ الزَّحفِ".
رواه
أبو داود والترمذي وقال:
"حديث
غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه".
(قال
الحافظ):
"وإسناده
جيد متصل، فقد ذكر البخاري في "تاريخه الكبير" (1) أن بلالاً سمع من
أبيه يسارٍ، وأن يساراً سمع من أبيه زيد مولى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، وقد اختلف في (يسار) والد بلال هل هو بالباء الموحدة أو بالياء
المثناة تحت، وذكر البخاري في "تاريخه" أنه بالموحدة (2). والله
أعلم".
__________
(1)
(1/ 2/ 108 و4/ 2/ 420).
(2)
لم أره في "التاريخ"، والمراد به "الكبير" عند الإطلاق، لا
سيما وقد سبق في كلامه مقيداً به، ولا رأيت أحداً ذكر هذا الخلاف، والله أعلم. ثم
إن ما نقله عن البخاري لا يستفاد منه إلا الاتصال الذي ادعاه المؤلف، وأما الجودة
فلا لأنها تستلزم سلامة الإسناد من الجهالة وهي منفية هنا، فقد قال الذهبي في يسار
هذا: "لا يعرف"، وبلال مثله. لكن الحديث صحيح بالشاهد الذي بعده وبغيره
مما أشرت إليه في الأصل. وخرجته في "الصحيحة" (2727). وأما المعلقون
الثلاثة، فخلطوا في التخريج بين حديث زيد وحديث ابن مسعود، ولم يتكلموا على
إسناديهما -كعادتهم- بتقوية أو تضعيف، واقتصروا على قولهم في صدر التخريج:
"حسن" رواه. . "! فضيعوا على القراء صحة إسناد حديث ابن مسعود!!
شرح الحديث وفوائده :
تطريز رياض الصالحين (ص: 1071)
في
هذا الحديث: أن من استغفر الله وتاب إليه، غفرت ذنوبه كلها، صغائرها وكبائرها.
فتح الباري لابن حجر (11/ 98)
قَالَ
أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبِهَانِيُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْكَبَائِرِ
تُغْفَرُ بِبَعْضِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَضَابِطُهُ الذُّنُوبُ الَّتِي لَا
تُوجِبُ عَلَى مُرْتَكِبِهَا حُكْمًا فِي نَفْسٍ وَلَا مَالٍ وَوَجْهُ
الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ مَثَّلَ بِالْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ وَهُوَ مِنَ
الْكَبَائِرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ يُغْفَرُ إِذَا
كَانَ مِثْلَ الْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ عَلَى مُرْتَكِبِهِ
حُكْمًا فِي نَفْسٍ وَلَا مَالٍ
فتح
الباري لابن حجر (13/ 472)
وَرَأَيْتُ
فِي الْحَلَبِيَّاتِ لِلسُّبْكِيِّ الْكَبِيرِ الِاسْتِغْفَارُ طَلَبُ
الْمَغْفِرَةِ إِمَّا بِاللِّسَانِ أَوْ بِالْقَلْبِ أَوْ بِهِمَا.
فَالْأَوَّلُ
: فِيهِ نَفْعٌ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنَ السُّكُوتِ وَلِأَنَّهُ يَعْتَادُ قَوْلَ
الْخَيْرِ، وَالثَّانِي : نَافِعٌ جِدًّا، وَالثَّالِثُ : أَبْلَغُ مِنْهُمَا
لَكِنَّهُمَا لَا يُمَحِّصَانِ الذَّنْبَ حَتَّى تُوجَدَ التَّوْبَةُ،
فَإِنَّ
الْعَاصِي الْمُصِرَّ يَطْلُبُ الْمَغْفِرَةَ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ وُجُودَ
التَّوْبَةِ مِنْهُ إِلَى أَنْ قَالَ :
وَالَّذِي
ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِغْفَارِ هُوَ غَيْرُ مَعْنَى التَّوْبَةِ
هُوَ بِحَسَبِ وَضْعِ اللَّفْظِ لَكِنَّهُ غَلَبَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ
أَنَّ لَفْظَ (أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ) مَعْنَاهُ : التَّوْبَةُ. فَمَنْ كَانَ
ذَلِكَ مُعْتَقَدَهُ فَهُوَ يُرِيدُ التَّوِبَةَ لَا مَحَالَةَ."
ثُمَّ
قَالَ : وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تَتِمُّ إِلَّا
بِالِاسْتِغْفَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ
تُوبُوا إِلَيْهِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ." اهـ
===================================================
1623
- (8) [صحيح] ورواه الحاكم من حديث ابن مسعود وقال:
"صحيح
على شرطهما"؛ إلا أنه قال:
"يقولها
ثلاثاً".
=================================================
1624 - (9) [صحيح لغيره موقوف]
وعن
البراء _رضي الله عنه_ :
قال
له رجل: يا أبا عمارة! {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، أهو
الرجل يلقى العدو فيقاتلُ حتى يقتلَ؟ قال:
لا،
ولكن هو الرجل يذنبُ الذنبَ فيقولُ لا يغفره الله [لي]. (1)
رواه
الحاكم موقوفاً وقال: "صحيح على شرطهما". (2)
__________
(1)
سقطت من الأصل والمخطوطة، واستدركتها من "المستدرك" (2/ 276)،
و"الشعب" (5/ 407)، وغفل عنها المعلقون الثلاثة، كما هي العادة!
(2)
أعله الثلاثة الجهلة بـ (عبيد الله بن موسى) فقالوا: "تركه أحمد"،
وجهلوا أن مثل هذا الجرح المبهم سببه لا يؤثر في رجل كهذا احتج به الشيخان، وتتابع
الحفاظ النقاد قديماً وحديثاً على توثيقه وتصحيح حديثه، ولذلك قال الذهبي الحافظ
النقّاد، والذي يعرف فضل الإمام أحمد وقدره في العلم أكثر من هؤلاء الجهلة:
"شيخ للبخاري، ثقة، شيعي محترق، لم يروِ عنه أحمد لذلك"، وزاد في
"الميزان": "وكان ذا زهد وعبادة وإتقان". ومع ذلك فقد تابعه
جمع من الثقات رووه عن شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء. . أخرجه البيهقي في "الشعب" (5/ 408/ 7094).
وهذا إسناد متصل صحيح غاية، وقد فاتهم هذا المصدر لأن المنذري لم يعزه إليه، ولو
فعل لبادروا إلى العزو بالجزء والصفحة والرقم، مستعينين على ذلك بالفهارس، فإنهم
لا يحسنون إلا النقل، وبها!!
من
فوائد الحديث :
الترغيب
والترهيب للمنذري ت عمارة (2/ 473)
فوائد
الاستغفار من فقه أحاديث الباب)
أولا:
فضل الله واسع وخزائنه لا تنفد، وعطاؤه جزيل لا ينقصه أي عطاء وإن جل.
ثانياً:
إرادة الله النافذة وأمره صارم، فلا يحصل خير إلا بأمره (كن فيكون).
ثالثاً:
الاستغفار هادم غوايات إبليس ومحطم إضلاله (لا أبرج أغوي).
رابعاً:
البلسم الشافي لإزالة الآثام: الاستغفار.
خامساً:
يزيل الاستغفار الكروب ويوسع الأرزاق ويقضي الله به الحاجات (جعل الله له من كل هم
فرجا).
سادساً:
جهة معينة في الجنة للمستغفر (طوب).
سابعاً:
الاستغفار يطهر صحيفة العبد من الأخطاء (من أحب أن ت سره (صحيفته).
ثامناً:
إذا أذنب العبد يمهله كاتب السيئات رجاء لاستغفار فإذا استغفر ربه (لم يوقفه
عليه).
تاسعاً:
الاستغفار ينغلف القلب من الغفلة ويجلوه من صدأ النسيان ويبعد الران الذي يحجب
أنوار الله.
عاشراً:
الاستغفار قربان إلى الله ووصلة لمناجاته وإقدام على تنقية وحيلة المخلصين (ذكروا
الله فاستغفروا لذنوبهم).
الحادي
عشر: الإكثار منه يمجد الله ويدعوه بأسمائه العظمى، وبذا يغفر الله للمستغفر (وإن
كان فرض الزحف).
الثاني
عشر: كل مرة يكفر الله بها عشرة ذنوب الواحد بعشر سيئات، وقد خسر المذنب الغافل عن
الاستغفار (وقد خاب).
الثالث
عشر: الاستغفار سبب قبول التوبة وحسن الخاتمة (فتلق آدم من ربه كلمات فتاب عليه).
الرابع
عشر: عدم الاستغفار تهلكه ودمار ويجلب سوء العاقبة ويدعو إلى اليأس من رحمة الله
والعياذ بالله، وتركه مصيبة وكارثة على الغافل عن الله (الرجل يذنب فيقول لا يغفره
الله) قال تعالى: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى 123 ومن أعرض عن ذكرى فإن له
معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى 124 قال رب لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا 125
قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم ننسى 126 وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن
بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى) 127 عن سورة طه.
==========================================
15 - كتاب الدعاء (1).
1 - (الترغيب في كثرة الدعاء، وما جاء في فضله).
1625 - (1) [صحيح] عن أبي ذرّ رضي الله عنه
عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما يروي عن ربِّه عز وجل؛ أنه
قال:
"يا
عبادي! إنِّي حَرَّمْتُ الظلمَ على نَفْسي (2) وَجَعلتُه بينَكُم مُحَرَّماً، فلا
تظالموا. يا عبادي! كلُّكم ضالٌّ إلا من هَدَيته، فاسْتهدُوني أَهدكم، يا عبادي!
كُلُّكم جائعٌ إلا من أطعمْتُه، فاسْتَطْعموني أطعِمْكُم. يا عبادي! كُلُّكُم عارٍ
إلا من كسوته، فاسْتكْسُوني أَكْسُكُم. يا عبادي! إنَّكم تُخطِئون بالليل
والنهارِ، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاسْتَغفِروني أغفر لكم.
يا
عبادي! إنكم لن تبلُغوا ضَرِّي فتَضُرُّوني، ولن تبلُغوا نَفْعي فَتَنْفَعوني. يا
عبادي! لو أنَّ أوَّلكم وآخِرَكم، إنسكم وجِنَّكم، كانوا على أتقى قَلْبِ رجل
واحدٍ منكم ما زادَ ذلك في مُلكي شيئاً، يا عبادي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُم وآخِركُم،
وإنسَكم وجِنَّكم، كانوا على أفْجرِ قلبِ رجل واحدٍ منكم؛ ما نقصَ ذلك من ملكي
شيئاً. يا عبادي! لو أنَّ أوَّلكم وآخِركم، وإنسَكم وجِنَّكم قاموا في صعيدٍ واحد
فسألوني، فأعْطيْتُ كلَّ إنسان منهم مسألته؛ ما نَقَصَ ذلِكَ ممّا عِندي إلا كما
يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذا أُدخِلَ (3) البحرَ.
يا
عبادي! إنَّما هي أعمالُكم أُحصيها لكم، ثم أُوَفِّيكم إيّاها، فَمَنْ وجد خيراً
فليحمد الله عزَّ وجل، ومن وجَدَ غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفْسَه".
قال
سعيد: كان أبو أدريس الخَوْلاني إذا حدَّث بهذا الحديث جثا على ركبتيه.
رواه
مسلم، واللفظ له، ورواه. . (1)
(المِخْيَط)
بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الياء المثناة تحت: هو ما يخاط به الثوب،
كالإبرة ونحوها.
__________
(1)
هذا العنوان من "مختصر الترغيب" لابن حجر، وهو في الأصل مقرون مع
العنوان المتقدم.
(2)
زاد مسلم من طريق أخرى عن أبي ذر: "وعلى عبادي".
(3)
الأصل: "دخل"، والتصويب من "مسلم" والمخطوطة.
شرح
الحديث وفوائده :
فتح
القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 82)
1__قوله
: "عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربِّه"
هذا
من الأحاديث القدسية، وهذه العبارة من العبارات التي يُعبَّر بها عن الحديث
القدسي، ومثلها عبارة: "قال الله عزَّ وجلَّ فيما يرويه عنه رسوله صلى الله
عليه وسلم"، والحديث القدسي هو ما يسنده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
ربِّه تعالى ويضيفه____إليه، ويشتمل على ضمائر
التكلُّم التي تعود إليه سبحانه وتعالى.
2__قوله
: "يا عبادي! إنِّي حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلته بينكم مُحرَّماً، فلا
تظالَموا"،
الظلم
: وضعُ الشيء في غير موضعه،
وقد
حرَّمه الله على نفسه ومنَعها منه، مع قدرته عليه وعلى كلِّ شيء، فلا يقع منه
الظلم أبداً؛ لكمال عدله سبحانه وتعالى،
قال
الله عزَّ وجلَّ: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ} ،
وقال:
{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} ،
وقال:
{إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً} ،
وقال:
{إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} ،
وقال:
{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا
هَضْماً} ،
أي:
لا يخاف نقصاً من حسناته ولا زيادة في سيّئاته، أو تحميله سيِّئات غيره،
ونفيُ الظلم عن الله عزَّ وجلَّ في هذه الآيات : متضمِّنٌ
إثبات كمال عدله سبحانه،
قال
ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/36) : "وكونُه خَلَقَ أفعالَ العباد وفيها
الظلم لا يقتضي وصفه بالظلم سبحانه وتعالى، كما أنَّه لا يُوصف بسائر القبائح التي
يفعلها العباد، وهي خَلْقُهُ وتقدِيرُه، فإنَّه لا يُوصَف إلاَّ بأفعاله، لا يوصف
بأفعال عباده، فإنَّ أفعالَ عباده مخلوقاته ومفعولاته، وهو لا يوصف بشيء منها،
إنَّما يوصف بما قام به مِن صفاته وأفعاله، والله أعلم".
وقد
حرَّم الله تعالى على عباده الظلم، فلا يظلمُ أحد نفسَه ولا يظلم غيرَه.
3__قوله:
"يا عبادي! كلُّكم ضالٌّ إلاَّ مَن هَديته، فاستهدوني أهْدِكم"،
قال
ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/39 40) :
"قد
ظنَّ بعضُهم أنَّه معارض لحديث عياض بن حمار عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: ("يقول
الله _عز وجل_ : "خلقت عبادي حُنفاء." وفي رواية: "مسلمين
فاجتالتهم_____الشياطين) ،
وليس
كذلك، فإنَّ الله خلق بني آدم وفطَرَهم على قبول الإسلام والميلَ إليه دون غيره،
والتهيؤ لذلك والاستعداد له بالقوَّة، لكن لا بدَّ للعبد من تعليم الإسلام بالفعل،
فإنَّه قبل التعليم جاهلٌ لا يعلم شيئاً، كما قال عزَّ وجلَّ: {وَاللَّهُ
أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً} ،
وقال
لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} ، والمراد وَجَدَك غيرَ
عالِم بما علَّمك من الكتاب والحكمة،
كما
قال تعالى : {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ
تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ} ، فالإنسانُ يُولَد مفطوراً على قبول
الحقِّ، فإن هداه الله سبَّب له مَن يعلِّمه الهدى، فصار مهتدياً بالفعل، بعد أن
كان مهتدياً بالقوة، وإن خذله الله قيَّض له مَن يعلِّمه ما يغيِّر فطرتَه، كما قال
صلى الله عليه وسلم: (كلُّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانه
ويُنَصِّرانه ويُمَجِّسانه) ".
وفي هذا الحديث : الأمر بسؤال الله الهداية، وهي تشمل
هداية الدلالة والإرشاد وهداية التوفيق والتسديد، وحاجة العباد إلى الهداية أشدُّ
من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وقد جاء في سورة الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ
الْمُسْتَقِيمَ} ، فهم يسألون الله عزَّ وجلَّ أن يُثبِّتَهم على الهداية الحاصلة،
وأن يزيدهم هدى على هدى.
4__قوله
: "يا عبادي! كلُّكم جائعٌ إلاَّ مَن أطعمته، فاستطعموني أُطْعمكم، يا عبادي!
كلُّكم عار إلاَّ مَن كَسوته، فاسْتكسوني أَكْسُكُم"،
في
هاتَين الجملتين : بيان شدَّة افتقار العباد إلى ربِّهم، وحاجتهم إليه في تحصيل
أرزاقهم وكسوتهم، وأنَّ عليهم أن يسألوه سبحانه وتعالى طعامهم وكسوتهم.
فتح
القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 85)
5__قوله:
"يا عبادي! إنَّكم تُخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعاً،
فاستغفروني أغفرْ لكم"،
أوجب
الله عزَّ وجلَّ على العباد امتثال الأوامر واجتناب المنهيات، والعباد يحصل منهم
التقصير في أداء ما وجب عليهم، والوقوع في شيء مِمَّا نُهوا عنه، وطريق السلامة من
ذلك رجوعهم إلى الله، وتوبتهم من ذنوبهم، وسؤال الله عزَّ وجلَّ أن يغفرها لهم،
وفي الحديث: "كلُّ بني آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون" حديث
حسن، أخرجه ابن ماجه (4251) وغيرُه.
6__قوله: "يا عبادي! إنَّكم لن تَبلُغوا ضُرِّي فتضروني، ولن
تبلغوا نفعي فتنفعوني"،
قال
ابن رجب (2/43) : "يعني أنَّ العبادَ لا يقدرون أن يوصلوا نفعاً ولا ضرًّا؛
فإنَّ الله تعالى في نفسه غنيٌّ حميد، لا حاجة له بطاعات العباد، ولا يعود نفعها
إليه، وإنَّما هم ينتفعون بها، ولا يتضرَّر بمعاصيهم، وإنَّما هم يتضرَّرون بها،
قال الله تعالى: {وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ
لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً} ، وقال: {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ
فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً} ".
7__قوله:
"يا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم
وجِنَّكم كانوا على أتقى قلبِ رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في مُلكي شيئاً، يا
عبادي!
لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم
وإنسَكم وجِنَّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي
شيئاً"،
في
هاتين الجملتين بيان كمال ملك الله عزَّ وجلَّ، وكمال غناه عن خلقه، وأنَّ العبادَ
لو كانوا كلُّهم على أتقى ما يكون أو أفجر ما يكون، لَم يزد ذلك في ملكه شيئاً،
ولم ينقص شيئاً، وأنَّ تقوى كلّ إنسان إنَّما تكون نافعةً لذلك المتَّقي، وفجورَ
كلّ فاجر إنَّما يكون ضررُه عليه.____
8__قوله:
"يا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم
وجِنَّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيتُ كلَّ واحد مسألتَه، ما نقص ذلك
مِمَّا عندي إلاَّ كما ينقص المِخْيَط إذا أُدخل البحر"،
هذا
يدلُّ على كمال غنى الله سبحانه وتعالى وافتقار عباده إليه، وأنَّ الجنَّ والإنسَ
لو اجتمعوا أوَّلُهم وآخرُهم، وسأل كلٌّ ما يريد، وحقَّق الله لهم ذلك، لم ينقص
ذلك مِمَّا عند الله إلاَّ كما ينقص المِخيَط إذا أُدخل البحر، والمعنى أنَّه لا
يحصل نقصٌ أصلاً؛ لأنَّ ما يعلق بالمخيَط وهو الإبرة من الماء لا يُعتبَر شيئاً،
لا في الوزن ولا في رأي العين.
9__قوله
: "ياعبادي! إنَّما هي أعمالُكم أُحصيها لكم،
ثمَّ أوَفِّيكم إيَّاها، فمَن وَجَدَ خيراً فليحمَد الله، ومَن وَجَدَ غيرَ ذلك
فلا يَلُومنَّ إلاَّ نفسه"،
الناسُ
في هذه الحياة مكلَّفون بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، وكلُّ ما يحصل منهم من عمل
خيراً أو شرًّا فهو مُحصًى عليهم، وسيجدُ كلٌّ أمامه ما قدَّم، إن خيراً فخير، وإن
شرًّا فشر، قال الله عزَّ وجلَّ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً
يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} ،
*
فمَن قدَّم خيراً وجد ثوابه أمامه، والثواب من فضل الله على العبد، وفعل الخير في
الدنيا هو من توفيق الله عزَّ وجلَّ للعبد، فله الفضل أوَّلاً وآخراً، ومَن وَجَدَ
أمامه غير الخير فإنَّما أُتي العبد من قبل نفسه ومعصيته لربِّه وجنايته على نفسه،
فإذا وجد أمامه العذاب فلا يلومنَّ إلاَّ نفسه.
فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب
رحمهما الله (ص: 86)
مِمَّا
يُستفاد من الحديث:
1
أنَّ من الأحاديث ما يرويه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربِّه يشتمل على ضمائر
التكلُّم ترجع إلى الله، ويُقال له الحديث القدسي.____
2
تحريم الله الظلم على نفسه وتنزيهه عنه، مع إثبات كمال ضدِّه وهو العدل.
3
تحريم الله الظلم على العباد لأنفسهم ولغيرهم.
4
شدَّة حاجة العباد إلى سؤال ربِّهم الهُدى والطعام والكسوة وغير ذلك من أمور دينهم
ودنياهم.
5
أنَّ الله يحبُّ من عباده أن يسألوه كلَّ ما يحتاجون إليه من أمور الدنيا
والدِّين.
6
كمال ملك الله عزَّ وجلَّ، وأنَّ العبادَ لا يبلغون نفعه وضرَّه، بل يعود نفعُهم
وضرُّهم إلى أنفسهم.
7
أنَّ العباد لا يسلمون من الخطأ، وأنَّ عليهم التوبة من ذلك والاستغفار.
8
أنَّ التقوى والفجور يكونان في القلوب؛ لقوله: "على أتقى قلب رجل"،
و"على أفجر قلب رجل".
9
أنَّ ملكَ الله لا تزيده طاعة المطيعين، ولا تنقصه معاصي العاصين.
10
كمال غنى الله وكمال ملكه، وأنَّه لو أعطى عبادَه أوَّلَهم وآخرَهم كلَّ ما سألوه
لم ينقص من ملك الله عزَّ وجلَّ وخزائنه شيئاً.
11
حثُّ العباد على الطاعة، وتحذيرهم من المعصية، وأنَّ كلَّ ذلك محصى عليهم.
12
أنَّ من وفَّقه الله لطريق الخير ظفر بسعادة الدنيا والآخرة، والفضل لله للتوفيق
لسلوك سبيل الهُدى، ولحصول الثواب على ذلك.
13
أنَّ مَن فرَّط وأساء العمل ظفر بالخسران، وندم حيث لا ينفع النَّدم.
==================================================
1626
- (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"إنَّ
الله يقولُ: أنا عندَ ظَنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني".
رواه
البخاري ومسلم -واللفظ له-، والترمذي والنسائي وابن ماجه.
=================================================
1627
- (3) [صحيح] وعن النعمانِ بن بشيرٍ رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"الدعاءُ
هو العبادةُ". ثم قرأ:
"
{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ
عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (2) ".
رواه
أبو داود والترمذي -واللفظ له-، وقال:
"حديث
حسن صحيح"، والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم
وقال:
"صحيح
الإسناد".
__________
(1)
قلت: ثم ساق المؤلف الحديث من رواية الترمذي وابن ماجه عن شهر بن حوشب بلفظ آخر
مخالف للفظ مسلم زيادة ونقصاً، فحذفته مودعاً إياه في الكتاب الآخر لضعف شهر
ونكارة لفظه، وكان المؤلف قد ذكره في آخر الكتاب السابق بلفظ البيهقي عنه دون
رواية مسلم، فمن تخاليط المعلقين أنهم هنا لم يعزوه لمسلم وأحالوا في تخريجه إلى
المكان المتقدم، وهناك قالوا: "صحيح، رواه مسلم. . "! فأوهموا صحة رواية
شهر، بهذا التصدير، وبسكوتهم عن ضعف شهر!!
(2)
أي: أذلاء مهانين.