شرح الكلمات:
بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع
الأخبار - (1 / 113)
الحديث التاسع والعشرون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : « حق المسلم على المسلم ست : قيل : ما هن يا رسول الله ؟ قال إذا
لقيته فسلم عليه ، وإذا دعاك فأجبه ، وإذا استنصحك فانصح له ، وإذا عطس فحمد
الله فشمته ، وإذا مرض فعده ، وإذا مات فاتبعه » رواه مسلم .
هذه الحقوق الستة من قام بها في حق المسلمين كان قيامه
بغيرها أولى ، وحصل له أداء هذه الواجبات والحقوق التي فيها الخير الكثير والأجر
العظيم من الله .
الأولى : « إذا لقيته فسلم عليه » فإن السلام سبب للمحبة
التي توجب الإيمان الذي يوجب دخول الجنة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : « والذي
نفسي بيده ، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أفلا أدلكم
على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ; أفشوا السلام بينكم » والسلام من محاسن الإسلام ،
فإن كل واحد من المتلاقين يدعو للآخر بالسلامة من الشرور ، وبالرحمة والبركة
الجالبة لكل خير ، ويتبع ذلك من البشاشة وألفاظ التحية المناسبة ما يوجب التآلف
والمحبة ، ويزيل الوحشة والتقاطع .
بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح
جوامع الأخبار - (1 / 114)
فالسلام حق للمسلم ، وعلى المسلم عليه رد التحية بمثلها
أو أحسن منها ، وخير الناس من بدأهم بالسلام .
الثانية : « إذا دعاك فأجبه » ( حق المسلم على المسلم ) أي
: دعاك لدعوة طعام أو شراب فاجبر خاطر أخيك الذي أدلى إليك وأكرمك بالدعوة ،
وأجبه لذلك إلا أن يكون لك عذر .
الثالثة قوله : « وإذا استنصحك فانصح له » أي : إذا
استشارك في عمل من الأعمال : هل يعمله أم لا ؟ فانصح له بما تحبه لنفسك ، فإن
كان العمل نافعا من كل وجه فحثه على فعله ، وإن كان مضرا فحذره منه ، وإن احتوى
على نفع وضرر فاشرح له ذلك ووازن بين المصالح والمفاسد ، وكذلك إذا شاورك على
معاملة أحد من الناس أو تزويجه أو التزوج منه فابذل له محض نصيحتك ، واعمل له من
الرأي ما تعمله لنفسك ، وإياك أن تغشه في شيء من ذلك ، فمن غش المسلمين فليس
منهم ، وقد ترك واجب النصيحة .
وهذه النصيحة واجبة مطلقا ، ولكنها تتأكد إذا استنصحك
وطلب منك الرأي النافع ، ولهذا قيده في هذه الحالة التي تتأكد ، وقد تقدم شرح
الحديث « الدين النصيحة » بما يغني عن إعادة الكلام .
بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح
جوامع الأخبار - (1 / 115)
الرابعة قوله : « وإذا عطس فحمد الله فشمته » ( حق المسلم
على المسلم ) " وذلك أن العطاس نعمة من الله ، لخروج هذه الريح المحتقنة في
أجزاء بدن الإنسان ، يسر الله لها منفذا تخرج منه فيستريح العاطس ، فشرع له أن
يحمد الله على هذه النعمة ، وشرع لأخيه أن يقول له : " يرحمك الله وأمره أن
يجيبه بقوله : " يهديكم الله ويصلح بالكم " فمن لم يحمد الله لم يستحق
التشميت ، ولا يلومن إلا نفسه ، فهو الذي فوت على نفسه النعمتين : نعمة الحمد
لله ، ونعمة دعاء أخيه له المرتب على الحمد .
بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح
جوامع الأخبار - (1 / 116)
الخامسة قوله : « وإذا مرض فعده » عيادة المريض من حقوق
المسلم ، وخصوصا من له حق عليك متأكد ، كالقريب والصاحب ونحوهما ، وهي من أفضل
الأعمال الصالحة ، ومن عاد أخاه المسلم لم يزل يخوض الرحمة ، فإذا جلس عنده
غمرته الرحمة ، ومن عاده أول النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي ، ومن عاده آخر
النهار صلت عليه الملائكة حتى يصبح ، وينبغي للعائد أن يدعو له بالشفاء ، وينفس
له ، ويشرح خاطره بالبشارة بالعافية ، ويذكره التوبة والإنابة إلى الله والوصية
النافعة ، ولا يطيل عنده الجلوس ، بل بمقدار العيادة ، إلا أن يؤثر المريض كثرة
تردده وكثرة جلوسه عنده ، فلكل مقام مقال .
. السادسة قوله : « وإذا مات فاتبعه » فإن من تبع جنازة
حتى يصلي عليها فله قيراط من الأجر (1) ، فإن تبعها حتى تدفن فله قيراطان ،
واتباع الجنازة فيه حق لله ، وحق للميت ، وحق لأقاربه الأحياء .
_________
(1)
أي : نصيب.
|