مختصر
منهاج القاصدين (ص: 67)
5 ـ باب في قيام الليل وفضله والأسباب الميسرة لقيامه ونحو ذلك
قال
الله تعالى {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16].
زاد المسير في علم التفسير (3/ 439_441)
قوله تعالى: ((تَتَجافى جُنُوبُهُمْ))
اختلفوا فيمن نزلت، وفي الصلاة التي
تتجافى لها جنوبهم على أربعة أقوال :
أحدها : أنها
نزلت في المتهجِّدين بالليل.____
* روى معاذ بن جبل عن رسول الله صلى
الله عليه وسلّم في قوله: «تتجافى جنوبُهم» قال: «قيام العبد من الليل» .
* وفي لفظ آخر أنه قال لمعاذ: «إِن
شئتَ أنبأتُك بأبواب الخير» ، قال: قلت أجَلْ يا رسول الله، قال: «الصَّوم
جُنَّة، والصدقة تكفِّر الخطيئة، وقيام الرَّجل في جوف الليل يبتغي وجه الله» ،
ثم قرأ:
«تتجافى جنوبُهم عن المضاجع» .
وكذلك قال الحسن، ومجاهد، وعطاء، وأبو
العالية، وقتادة، وابن زيد أنها في قيام الليل.
* وقد روى العوفي عن ابن عباس قال:
تتجافى جنوبهم لذكر الله تعالى، كلّما استيقظوا ذكروا الله تعالى، إِما في
الصلاة، وإِمَّا في قيام، أو في قعود، أو على جنوبهم، فهم لا يزالون يذكرون الله
عزّ وجلّ.
والثاني : أنها
نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يصلّون ما بين المغرب____
والعشاء، قاله أنس بن مالك.
والثالث: أنها
نزلت في صلاة العشاء، كأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا ينامون حتى
يصلُّوها، قاله ابن عباس.
والرابع: أنها
صلاة العشاء والصبح في جماعة، قاله أبو الدرداء والضحاك.
* ومعنى «تَتَجافى» : ترتفع.
والمَضَاجِع جمع مَضْجَع، وهو الموضع الذي يُضْطَجَع عليه. يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
خَوْفاً من عذابه وَطَمَعاً في رحمته وثوابه وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ
في الواجب والتطوُّع.
فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ
لَهُمْ وأسكن ياء «أُخْفِي» حمزة، ويعقوب
قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف
طريق المريد إلى مقام التوحيد (1/ 69)
(تَتَجَافى جُنُوبُهُمْ عَنِ
الْمَضَاجعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) السجدة: 16، أي تنبو عن
الفراش فِلا تطمئن لما فيها من خوف الوعيد ورجاء الموعود، ثم قال: (فَلا
تَعْلَمْ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةٍ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا
كَانُوا يَعْمَلونَ) السجدة: 17، قيل: كان عملهم قيام الليل وقيل بل كانوا أهل
خوف ورجاء، وهذان من أعمال القلوب عن مشاهدة الغيوب فلما أخفوا له الإخلاص
بأعمال السرائر أخفي لهم من الجزاء نفيس الذخائر ولا تقر أعين هؤلاء المحبين إلا
بوجهه كما لم يعملوا إلا لوجه الله تعالى
شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق
السنن (4/ 1206)
أي هي عادة قديمة، واظب عليها
الأنبياء والأولياء السابقون.
فيض القدير (4/ 351)
قال القاضي: معناه أن قيام الليل قربة
تقربكم إلى ربكم وخصلة تكفر سيئاتكم وتنهاكم عن المحرمات {إن الصلاة تنهى عن
الفحشاء والمنكر} قال ابن الحاج: وفي قيام الليل من الفوائد أنه يحط الذنوب كما
يحط الريح العاصف الورق الجاف من الشجرة وينور القبر ويحسن الوجه ويذهب الكسل
وينشط البدن وترى الملائكة موضعه من السماء كما يتراءى الكوكب الدري لنا من
السماء
غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب
(2/ 498)
وَإِنَّمَا فُضِّلَتْ صَلَاةُ
اللَّيْلِ عَلَى صَلَاةِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّهَا أَبْلَغُ فِي الْإِسْرَارِ
وَأَقْرَبُ إلَى الْإِخْلَاصِ. وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَجْتَهِدُونَ
عَلَى إخْفَاءِ أَسْرَارِهِمْ.
قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الرَّجُلُ
تَكُونُ عِنْدَهُ زُوَّارُهُ فَيَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ فَيُصَلِّي لَا يَعْلَمُ
بِهِ زُوَّارُهُ. وَكَانُوا يَجْتَهِدُونَ فِي الدُّعَاءِ وَلَا يُسْمَعُ لَهُمْ
صَوْتٌ. وَكَانَ الرَّجُلُ يَنَامُ مَعَ امْرَأَتِهِ عَلَى وِسَادَةٍ فَيَبْكِي
طُولَ لَيْلِهِ وَهِيَ لَا تَشْعُرُ؛ وَلِأَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ أَشَقُّ عَلَى
النُّفُوسِ، فَإِنَّ اللَّيْلَ مَحَلُّ النَّوْمِ وَالرَّاحَةِ مِنْ التَّعَبِ
بِالنَّهَارِ. فَتَرْكُ النَّوْمِ مَعَ مَيْلِ النَّفْسِ إلَيْهِ مُجَاهَدَةٌ
عَظِيمَةٌ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: أَفْضَلُ
الْأَعْمَالِ مَا أُكْرِهَتْ عَلَيْهِ النُّفُوسُ. وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي
صَلَاةِ اللَّيْلِ أَقْرَبُ إلَى التَّدَبُّرِ لِقَطْعِ الشَّوَاغِلِ عَنْ
الْقَلْبِ بِاللَّيْلِ فَيَحْضُرُ الْقَلْبُ وَيَتَوَاطَأُ هُوَ وَاللِّسَانُ
عَلَى الْفَهْمِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ
وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا} [المزمل: 6] وَلِهَذَا الْمَعْنَى أُمِرَ بِتَرْتِيلِ
الْقُرْآنِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ تَرْتِيلًا.
وَلِهَذَا كَانَتْ صَلَاةُ اللَّيْلِ
مَنْهَاةً عَنْ الْإِثْمِ كَمَا مَرَّ فِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ.
|
وقال
النبى صلى الله عليه وآله وسلم: "عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين
قبلكم، وهو قربة إلى ربكم ومغفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم"
وفى
فضله أحاديث كثيرة.
صحيح الترغيب والترهيب (1/ 396)
615 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"أفضلُ الصيامِ بعدَ رمضانَ شهرُ
الله المحرَّمُ، وأفضلُ الصلاة بعد الفريضة صلاةُ الليل".
رواه مسلم وأبو داود والترمذي
والنسائي، وابن خزيمة في "صحيحه".
صحيح الترغيب والترهيب (1/ 396)
616 - (4) [صحيح] وعن عبد الله بن
سلامٍ رضي الله عنه قال:
فكان أولَ ما سمعتُ من كلامِه أنْ
قال:
"أيها الناس! أفشوا السلامْ،
وأطعموا الطعامْ، وصِلوا الأرحامْ، وصَلوا بالليل والناس نيامْ؛ تدخلوا الجنة
بسلامْ" ت ق
صحيح الترغيب والترهيب (1/ 399)
623 - (11) [صحيح] وعن جابر رضي الله عنه
قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"إنَّ في الليلِ لساعةً لا
يوافقها رجلٌ مسلمٌ يسأَلُ اللهَ خيراً من أمرِ الدنيا والآخرةِ؛ إلا أعطاهُ
إياه، وذلك كلَّ ليلةٍ".
رواه مسلم.
|
وقال
الحسن البصري رحمه الله :
لم
أجد من العبادة شيئاً أشد من الصلاة في جوف الليل، فقيل له: ما بال المتهجدين أحسن
الناس وجوها؟ فقال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره.
6 ـ فصل في الأسباب الميسرة لقيام الليل
اعلم:
أن قيام الليل صعب إلا من وفق للقيام بشروطه الميسرة له.
فمن
الأسباب : ظاهر، ومنها : باطن.
فأما
الظاهر: فأن لا يكثر الأكل،
كان
بعضهم يقول: يا معشر المريدين لا تأكلوا كثيراً فتشربوا كثيراً فتناموا كثيراً،
فتخسروا كثيراً.
* يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (
مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ
أُكُلاتٍ يُقِمْنِ صُلْبَهُ ، فَإِنْ كَانَ لاْ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعامِهِ ،
وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ ) رواه الترمذي (2380) وصححه الألباني
في "السلسلة الصحيحة" (2265)
* وعَنْ نَافِعٍ قَالَ : كَانَ ابْنُ
عُمَرَ لاَ يَأْكُلُ حَتَّى يُؤْتَى بِمِسْكِينٍ يَأْكُلُ مَعَهُ ، فَأَدْخَلْتُ
رَجُلًا يَأْكُلُ مَعَهُ، فَأَكَلَ كَثِيرًا ، فَقَالَ : يَا نَافِعُ ! لاَ
تُدْخِلْ هَذَا عَلَيَّ ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ :
( الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ ) رواه البخاري (5393) ومسلم (2060)
صحيح الترغيب والترهيب (2/ 502)
2136 - (3) [صحيح] وعن أبي جُحَيْفَةَ
رضي الله عنه قال:
أكلتُ ثَريدَةً مِنْ خُبزٍ ولَحْمٍ
ثُمَّ أتيتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجعلتُ أتَجَشَّأُ.
فقال:
"يا هذا! كُفَّ مِنْ جُشائِكَ،
فإنَّ أكْثَر الناسِ شِبَعاً في الدنيا؛ أكثَرُهُم جُوعاً يومَ
القِيامَةِ".
صحيح الترغيب والترهيب (2/ 504)
2143 - (10) [صحيح] وعن أبي برزة رضي
الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"إنَّما أخْشى عليكُم شهواتِ
الغَيِّ في بطونِكُم وفُروجِكم، ومُضِلاَّتِ الهَوى".
رواه أحمد والطبراني والبزار، وبعض
أسانيدهم رجاله ثقات
|
ومنها:
أن لا يتعب نفسه بالنهار بالأعمال الشاقة.
ومنها:
أن لا يترك القيلولة بالنهار، فإنها تعين على قيام الليل.
سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها
وفوائدها (4/ 202)
1647 -
" قيلوا فإن الشياطين لا تقيل ".
أخرجه أبو نعيم في " الطب "
(12 / 1 نسخة السفرجلاني) وفي " أخبار أصبهان "
(1 / 195 و 353 و 2 / 69)
|
ومنها:
أن يتجنب الأوزار.
قال
الثوري: "حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته."
وأما
الميسرات الباطنة:
فمنها
: سلامة القلب للمسلمين، وخلوه من البدع، وإعراضه عن فضول الدنيا.
ومنها:
خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل.
تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء
والمرسلين للسمرقندي (ص: 91)
وَكَانَ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ _رَحْمَةُ
اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ_ يَقُولُ :
"الْخَوْفُ مَا دَامَ الرَّجُلُ
صَحِيحًا أَفْضَلُ، فَإِذَا مَرِضَ وَعَجَزَ عَنِ الْعَمَلِ فَالرَّجَاءُ
أَفْضَلُ".
يَعْنِي : أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا
كَانَ صَحِيحًا : كَانَ الْخَوْفُ أَفْضَلَ، حَتَّى يَجْتَهِدَ فِي الطَّاعَاتِ
وَيَجْتَنِبَ الْمَعَاصِي، فَإِذَا مَرِضَ وَعَجَزَ عَنِ الْعَمَلِ كَانَ
الرَّجَاءُ لَهُ أَفْضَلَ." اهـ
|
ومنها:
أن يعرف فضل قيام الليل.