Rabu, 29 Agustus 2018

باب الإخلاص : 2





تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 26_27)
6 - وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ قَالَ: «يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَقْوَامٌ يختِلون الدُّنْيَا بالدين» .
وَفِي نُسْخَةٍ أُخْرَى «يَجْلِبُونَ» أَيْ يَأْكُلُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ
وَفِي أُخْرَى «يَجْتَلِبُونَ الدُّنْيَا» يَعْنِي :  يَأْخُذُونَهَا فَيَلْبَسُونَ لِبَاسَ جُلُودِ الضَّأْنِ فِي اللِّينِ، أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ السُّكَّرِ وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الذِّئَابِ.
يَقُولُ اللَّهُ : «أَبِي تَغْتَرُّونَ أَمْ عَلَيَّ تَجْتَرِئُونَ» الِاجْتِرَاءُ أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ شُجَاعًا مِنْ غَيْرِ تَفَكُّرٍ وَلَا رَوِيَّةٍ.
فَبِي حَلَفْتُ، لَأَبْعَثَنَّ عَلَى أُولَئِكَ فِتْنَةً تَدَعُ الْحَكِيمَ الْعَاقِلَ فِيهَا حَيْرَانًا

سنن الترمذي ت بشار (4/ 182)
2404 - حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ رِجَالٌ يَخْتِلُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ يَلْبَسُونَ لِلنَّاسِ جُلُودَ الضَّأْنِ مِنَ اللِّينِ، أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ السُّكَّرِ، وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الذِّئَابِ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَبِي يَغْتَرُّونَ، أَمْ عَلَيَّ يَجْتَرِئُونَ؟ فَبِي حَلَفْتُ لأَبْعَثَنَّ عَلَى أُولَئِكَ مِنْهُمْ فِتْنَةً تَدَعُ الحَلِيمَ مِنْهُمْ حَيْرَانًا.

ضعيف الترغيب والترهيب (1/ 23)
13 - (6) [ضعيف جداً]

ضعيف الترغيب والترهيب (1/ 23)
ويحيى بن عبيد الله متروك.

ضعيف الترغيب والترهيب (1/ 23)
 أي: يطلبون الدنيا بعمل الآخرة، يقال: ختله يختله: إذا خدعه وراوغه.
=========================================================

7 - وَرَوَى وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَعْمَلُ الْعَمَلَ فَأُسِرُّهُ فَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَلِي فِيهِ أَجْرٌ؟ قَالَ: «لَكَ فِيهِ أَجْرَانِ أَجْرُ السِّرِّ وَأَجْرُ الْعَلَانِيَةِ» .
8 - مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَطَّلِعُ عَلَى عَمَلِهِ وَيَقْتَدِي بِهِ فَلَهُ أَجْرَانِ؛ أَجْرٌ لِعَمَلِهِ وَأَجْرٌ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ.
كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ___أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
وَأَمَّا إِذَا كَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى عَمَلِهِ لَا لِأَجْلِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ فَإِنَّهُ يَخَافُ ذَهَابَ أَجْرِهِ

تخريج الحديث :
·     أخرجه : ت 2384_ق 4226

·     قال الشيخ الألباني _رحمه الله_ في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (9/ 329)
"قلت : سعيد بن سنان؛ فيه ضعف من قبل حفظه، كما يفيده قول الحافظ فيه:
"صدوق، له أوهام".
فلا يحتج بمثله عند المخالفة، فقد خالفه الأعمش وغيره فرووه مرسلاً كما تقدم عن الترمذي، وممن أرسله سفيان الثوري كما ذكر أبو نعيم." اهـ

·     سنن ابن ماجه ت الأرنؤوط (5/ 305)
رجاله ثقات إلا أن سعيد بن سنان الشيباني له بعض الأوهام، وقد خالفه الأعمش والثوري، فروياه عن حبيب عن أبي صالح مرسلًا.
وهو في "مسند أبي داود الطيالسي" (2435)، ومن طريقه أخرجه الترمذي (2542)، وقال: حديث غريب، وقد روى الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي صالح، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلًا.
وهو في "صحيح ابن حبان" (375).
ورواية الأعمش المرسلة أوردها البخاري في "التاريخ الكبير" 2/ 227 - 228، وتابعه عليه مرسلًا سفيان الثوري عند البخاري أيضًا 2/ 228، والمرسل هو المحفوظ عن سفيان فيما قال أبو نعيم في "الحلية" 8/ 250.

شرح الحديث 7 :

·     سنن الترمذي ت بشار (4/ 172)
وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ هَذَا الحَدِيثَ فَقَالَ: إِذَا اطُّلِعَ عَلَيْهِ فَأَعْجَبَهُ فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يُعْجِبَهُ ثَنَاءُ النَّاسِ عَلَيْهِ بِالخَيْرِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأَرْضِ فَيُعْجِبُهُ ثَنَاءُ النَّاسِ عَلَيْهِ لِهَذَا لِمَا يَرْجُو بِثَنَاءِ النَّاسِ عَلَيْهِ، فَأَمَّا إِذَا أَعْجَبَهُ لِيَعْلَمَ النَّاسُ مِنْهُ الخَيْرَ لِيُكْرَمَ عَلَى ذَلِكَ وَيُعَظَّمَ عَلَيْهِ فَهَذَا رِيَاءٌ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: إِذَا اطُّلِعَ عَلَيْهِ فَأَعْجَبَهُ رَجَاءَ أَنْ يَعْمَلَ بِعَمَلِهِ فَيَكُونُ لَهُ مِثْلُ أُجُورِهِمْ فَهَذَا لَهُ مَذْهَبٌ أَيْضًا.

·     صحيح ابن حبان - محققا (2/ 99)
ذِكْرُ كِتْبَةِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا أَجْرَ السِّرِّ وَأَجْرَ الْعَلَانِيَةِ لِمَنْ عَمِلَ لِلَّهِ طَاعَةً فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فَاطُّلِعَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ وُجُودِ عِلَّةٍ فِيهِ عِنْدَ ذَلِكَ

·     صحيح ابن حبان - محققا (2/ 100)
قال أبو حاتم _رضى الله تعالى عَنْهُ_ :
قَوْلُهُ : (إِنَّ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ وَيُسِرُّهُ فَإِذَا اطُّلِعَ عَلَيْهِ سَرَّهُ)
مَعْنَاهُ :
أَنَّهُ يَسُرُّهُ أَنَّ اللَّهَ وَفَّقَهُ لِذَلِكَ الْعَمَلِ فَعَسَى يُسْتَنُّ بِهِ فِيهِ.
فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كُتِبَ لَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا سَرَّهُ ذَلِكَ لِتَعْظِيمِ النَّاسِ إِيَّاهُ أَوْ مَيْلِهِمْ إِلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ ضَرْبًا مِنَ الرِّيَاءِ لَا يَكُونُ لَهُ أَجْرَانِ وَلَا أَجْرٌ واحد. [1: 2]

.................................
شرح حديث 8 : " من سن في الإسلام سنة حسنة..."

·     فتح الباري- تعليق ابن باز - (13 / 302)
قال المهلب: هذا الباب والذي قبله في معنى التحذير من الضلال، واجتناب البدع ومحدثات الأمور في الدين، والنهي عن مخالفة سبيل المؤمنين انتهى. ووجه التحذير أن الذي يحدث البدعة قد يتهاون بها لخفة أمرها في أول الأمر، ولا يشعر بما يترتب عليها من المفسدة، وهو أن يلحقه إثم من عمل بها من بعده، ولو لم يكن هو عمل بها بل لكونه كان الأصل في إحداثها.

·     قال النووي في شرح صحيح مسلم - (7 / 104)
"فيه الحث على الابتداء بالخيرات وسن السنن الحسنات والتحذير من اختراع الاباطيل والمستقبحات."

================================================

تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 27) :
9 - وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ ضُمَيْرَةَ، عَنْ أَبِي حَبِيبٍ، قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ :
* " إِنَّ الْمَلَائِكَةَ يَرْفَعُونَ عَمَلَ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، فَيَسْتَكْثِرُونَهُ وَيُزَكُّونَهُ حَتَّى يَنْتَهُوا بِهِ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ _تَعَالَى_  مِنْ سُلْطَانِهِ،
فَيُوحِي اللَّهُ _تَعَالَى_  إِلَيْهِمْ :
"أَنَّكُمْ حَفَظَةٌ عَلَى عَمَلِ عَبْدِي، وَأَنَا رَقِيبٌ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ، إِنَّ عَبْدِي هَذَا لَمْ يُخْلِصْ لِي عَمَلَهُ فَاكْتُبُوهُ فِي سِجِّينٍ،
* وَيَصْعَدُونَ بِعَمَلِ عَبْدٍ فَيَسْتَقِلُّونَهُ وَيَحْتَقِرُونَهُ حَتَّى يَنْتَهُوا بِهِ إِلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ مِنْ سُلْطَانِهِ، فَيُوَحِيَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ أَنَّكُمْ حَفَظَةٌ عَلَى عَمَلِ عَبْدِي , وَأَنَا رَقِيبٌ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ , إِنَّ عَبْدِي هَذَا أَخْلَصَ لِي عَمَلَهُ فَاكْتُبُوهُ فِي عِلِّيِّينَ ".

فَفِي هَذَا الْخَبَرِ : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَلِيلَ الْعَمَلِ إِذَا كَانَ لِوَجْهِ اللَّهِ _تَعَالَى_ خَيْرٌ مِنَ الْكَثِيرِ لِغَيْرِ وَجْهِ اللَّهِ _تَعَالَى_،
لِأَنَّ الْقَلِيلَ إِذَا كَانَ لِوَجْهِ اللَّهِ _تَعَالَى_، فَإِنَّ اللَّهَ يُضَاعِفُهُ بِفَضْلِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
{وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40]
وَأَمَّا الْكَثِيرُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا ثَوَابَ لَهُ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ

تخريج الحديث 9 :

أخرجه : ابن المبارك الزهد والرقائق (1/ 153/ رقم : 452)، وأبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (3/ 1000/ رقم : 520)، وابن أبي الدنيا في الإخلاص والنية (ص: 46/ رقم : 18)

شرح الحديث :

ذكر الله _تعالى_ سجينا في كتابه، فقال :
{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13)} [المطففين: 7 - 13]

زاد المسير في علم التفسير (4/ 415)
إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ قال مقاتل : إن كتاب أعمالهم (لَفِي سِجِّينٍ)،
وفيها أربعة أقوال :
أحدها : أنها الأرض السابعة، وهذا قول مجاهد، وقتادة، والضحاك، وابن زيد، ومقاتل. وروي عن مجاهد قال: «سجين» صخرة تحت الأرض السابعة، جعل كتاب الفاجر تحتها، وهذه علامة لخسارتهم، ودلالة على خساسة منزلتهم.
والثاني : أن المعنى : إن كتابهم لفي سفال، قاله الحسن.
والثالث : لفي خسار، قاله عكرمة.
والرابع : لفي حبس، فعِّيل من السجن، قاله أبو عبيدة.

وكذلك ورد ذكر عليين في القرآن :
{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21)} [المطففين: 18 - 21]

زاد المسير في علم التفسير (4/ 416)
لَفِي عِلِّيِّينَ وفيها سبعة أقوال :
أحدها : الجنة، رواه عطاء عن ابن عباس.
والثاني : أنه لوح من زبرجدة خضراء معلق تحت العرش فيه أعمالهم مكتوبة، روي عن ابن عباس أيضاً.
والثالث : أنها السماء السابعة، وفيها أرواح المؤمنين، قاله كعب، وهو مذهب مجاهد، وابن زيد.
والرابع : أنها قائمة العرش اليمنى، وقال مقاتل: ساق العرش.
والخامس : أنه سدرة المنتهى، قاله الضحاك.
والسادس : أنه في علو وصعود إلى الله _عزّ وجلّ_، قاله الحسن. وقال الفراء: في ارتفاع بعد ارتفاع.
والسابع : أنه أعلى الأمكنة، قاله الزجاج.
...........................
قال الله _تعالى_ :
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)} [النساء: 40]

تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (8/ 360)
فَإن الله لا يبخس أحدًا من خلقه أنفق في سبيله مما رزقه، من ثواب نفقته في الدنيا، ولا من أجرها يوم القيامة ="مثقال ذَرّة"، أي: ما يزنها ويكون على قدر ثِقَلها في الوزن، ولكنه يجازيه به ويُثيبه عليه

تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (8/ 360)
عن قتادة: أنه تلا"إن الله لا يظلم مثقال ذرّة وإن تَك حسنةً يضاعفها"، قال: لأنْ تفضُل حسناتي في سيئاتي بمثقال ذرّة، أحبُّ إليّ من الدنيا وما فيها

تفسير ابن كثير ت سلامة (2/ 304)
يُخْبِرُ _تَعَالَى_ أَنَّهُ لَا يَظْلِمُ عَبْدًا مِنْ عِبَادِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْقَالَ حَبَّةِ خَرْدَلٍ وَلَا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، بَلْ يُوَفِّيهَا بِهِ وَيُضَاعِفُهَا لَهُ إِنْ كَانَتْ حَسَنَةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (4) } [الْأَنْبِيَاءِ: 47]." اهـ

تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 179)
{وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} أي إلى عشرة أمثالها إلى أكثر من ذلك بحسب حالها ونفعها وحال صاحبها إخلاصا ومحبة وكمالا
{وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} أي زيادة على ثواب العمل بنفسه من التوفيق لأعمال أخر وإعطاء البر الكثير والخير الغزير
==================================
تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 27_28)
10 - حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ بِأَسَانِيدِهِمْ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ , عَنْ (شُفَيٍّ) الْأَصْبَحِيِّ :
أَنَّهُ دَخَلَ الَمْدِينَةَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ. فَقُلْتُ : "مَنْ هَذَا؟" فَقَالُوا : أَبُوَ هُرَيْرَةَ،
فَدَنَوْتُ مِنْهُ وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ ,
فَلَمَّا سَكَتَ وَخَلَا قُلْتُ لَهُ: أُنْشِدُكَ اللَّهَ حَدِّثْنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، وَحَفِظْتَهُ، حَدَّثَكَ بِهِ وَعُلِّمْتَهُ،
فَقَالَ أَبُوَ هُرَيْرَةَ : اقْعُدْ لِأُحَدِّثَكَ بِحَدِيثٍ حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرِهِ، ثُمَّ نَشَغَ نَشْغَةً , (أَيْ شَهِقَ شَهْقَةً) , فَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَمَكَثَ عَلَيْهِ قَلِيلًا ثُمَّ أَفَاقَ وَمَسَحَ وَجْهَهُ،
فَقَالَ : "لَأُحَدِّثَنَّكُمْ___بِحَدِيثٍ حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، ثُمَّ نَشَغَ أُخْرَى، فَمَكَثَ طَوِيلًا،
ثُمَّ أَفَاقَ وَمَسَحَ وَجْهَهُ،
فَقَالَ : حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَقَالَ :
" إِنَّ اللَّهَ _تَبَارَكَ وَتَعَالَى_ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَقْضِي بَيْنَ خَلْقِهِ، فَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ،
فَأَوَّلُ مَنْ يُدْعَى بِهِ: رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ الْقُرْآنَ , وَرَجُلٌ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ،
* فَيَقُولُ اللَّهُ _تَعَالَى_  لِلْقَارِئِ :
"أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رُسُلِي، قَالَ: بَلَى يَا رَبُّ، قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟"
قَالَ : " كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ"،
فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: كَذَبْتَ! وَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ : "كَذَبْتَ، بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ،
* وَيُقَالُ لِصَاحِبِ الْمَالِ : مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ؟
قَالَ: كُنْتُ أَصِلُ بِهِ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ بِهِ،
فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى :
كَذَبْتَ، وَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ؛ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ جَوَادٌ سَخِيٌّ، وَهُوَ ضِدُّ الْبَخِيلِ، فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ،
* وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،
فَيَقُولُ لَهُ : لِمَاذَا قُتِلْتَ؟
قَالَ: قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِكَ حَتَّى قُتِلْتُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ لَكَ فُلَانٌ جَرِئٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ ".
ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ عَلَى رُكْبَتَيَّ.
فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ الْخَبَرُ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَبَكَى بُكَاءً شَدِيدًا , وَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ،
ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ : {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ {15} أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15-16] ."

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيفٍ الْأَنْطَاكِيُّ : يَقُولُ اللَّهُ _تَعَالَى_  لِعَبْدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا الْتَمَسَ ثَوَابَ عَمَلِهِ :
"أَلَمْ نُعَجِّلْ لَكَ ثَوَابَكَ؟ أَلَمْ نُوَسِّعْ لَكَ فِي الْمَجَالِسِ؟ أَلَمْ تَكُنِ الْمُرَأَّسَ فِي دُنْيَاكَ؟ أَلَمْ نُرَخِّصْ بَيْعَكَ وَشِرَاءَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ مِثْلَ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ؟"
وَقِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ : مَنِ الْمُخْلِصُ؟ قَالَ: الْمُخْلِصُ الَّذِي كَتَمَ حَسَنَاتِهِ كَمَا يَكْتُمُ سَيِّئَاتِهِ.
وَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ: مَا غَايَةُ الْإِخْلَاصِ؟ قَالَ: أَنْ لَا يُحِبَّ مَحْمَدَةَ النَّاسِ.
وَقِيلَ لِذِي النُّونِ الْمِصْرِيِّ : "مَتَى يَعْلَمُ الرَّجُلُ أَنَّهُ مِنْ صَفْوَةِ اللَّهِ _تَعَالَى_؟ يَعْنِي مِنْ خَوَاصِّهِ الَّذِينَ اصْطَفَاهُمُ اللَّهُ _تَعَالَى_،
قَالَ : يَعْرِفُ ذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ :
* إِذَا خَلَعَ الرَّاحَةَ، يَعْنِي تَرَكَ الرَّاحَةَ،
* وَأَعْطَى مِنَ الْمَوْجُودِ، يَعْنِي يُعْطِي مِنَ الْقَلِيلِ الَّذِي عِنْدَهُ،
* وَأَحَبَّ سُقُوطَ الْمَنْزِلَةِ،
* وَاسْتَوَتْ عِنْدَهُ الْمَحْمَدَةُ وَالْمَذَمَّةُ." اهـ

تخريج الحديث :
سنن الترمذي ت بشار (4/ 169/ رقم : 2382)

صحيح وضعيف سنن الترمذي (5/ 382، بترقيم الشاملة آليا)
صحيح، التعليق الرغيب (1 / 29 - 30) ، التعليق على بن خزيمة (2482)

شرح الحديث :

قد ورد الحديث في رواية مسلم في صحيحه (3/ 1513/ رقم : 1905) بإسناده :
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ لَهُ نَاتِلُ أَهْلِ الشَّامِ :
"أَيُّهَا الشَّيْخُ، حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يَقُولُ :
" إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ :
* رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ،
* وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ،
* وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا،
قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ،
قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ "،

تحفة الأحوذي (7/ 47_48)
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تغليظ___تَحْرِيمِ الرِّيَاءِ وَشِدَّةِ عُقُوبَتِهِ وَعَلَى الْحَثِّ عَلَى وُجُوبِ الْإِخْلَاصِ فِي الْأَعْمَالِ كَمَا قَالَ تَعَالَى (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدين)
وَفِيهِ أَنَّ الْعُمُومَاتِ الْوَارِدَةَ فِي فَضْلِ الْجِهَادِ وَإِنَّمَا هِيَ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهَ تَعَالَى بِذَلِكَ مُخْلِصًا وَكَذَلِكَ الثَّنَاءُ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَعَلَى الْمُنْفِقِينَ فِي وُجُوهِ الْخَيْرَاتِ كُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى مُخْلِصًا

تحفة الأحوذي (7/ 48)
وَقَالَ الضَّحَّاكُ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فِي غَيْرِ تَقْوَى يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ أُعْطِيَ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا فِي الدُّنْيَا وَهُوَ أَنْ يَصِلَ رَحِمًا أَوْ يُعْطِيَ سَائِلًا أَوْ يَرْحَمَ مُضْطَرًّا أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ فَيُعَجِّلُ اللَّهُ لَهُ ثَوَابَ عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا يُوَسِّعُ عَلَيْهِ فِي الْمَعِيشَةِ وَالرِّزْقِ وَيُقِرُّ عَيْنَهُ فِيمَا حَوْلَهُ وَيَدْفَعُ عَنْهُ الْمَكَارِهَ فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ

Selasa, 28 Agustus 2018

Syarh At-Targhib : Hadits 1625_1627


15 - كتاب الدعاء
1 - (الترغيب في كثرة الدعاء، وما جاء في فضله).

1625 - (1) [صحيح] عن أبي ذرّ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما يروي عن ربِّه عز وجل؛ أنه قال:
"يا عبادي! إنِّي حَرَّمْتُ الظلمَ على نَفْسي (2) وَجَعلتُه بينَكُم مُحَرَّماً، فلا تظالموا. يا عبادي! كلُّكم ضالٌّ إلا من هَدَيته، فاسْتهدُوني أَهدكم، يا عبادي! كُلُّكم جائعٌ إلا من أطعمْتُه، فاسْتَطْعموني أطعِمْكُم. يا عبادي! كُلُّكُم عارٍ إلا من كسوته، فاسْتكْسُوني أَكْسُكُم. يا عبادي! إنَّكم تُخطِئون بالليل والنهارِ، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاسْتَغفِروني أغفر لكم.
يا عبادي! إنكم لن تبلُغوا ضَرِّي فتَضُرُّوني، ولن تبلُغوا نَفْعي فَتَنْفَعوني. يا عبادي! لو أنَّ أوَّلكم وآخِرَكم، إنسكم وجِنَّكم، كانوا على أتقى قَلْبِ رجل واحدٍ منكم ما زادَ ذلك في مُلكي شيئاً، يا عبادي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُم وآخِركُم، وإنسَكم وجِنَّكم، كانوا على أفْجرِ قلبِ رجل واحدٍ منكم؛ ما نقصَ ذلك من ملكي شيئاً. يا عبادي! لو أنَّ أوَّلكم وآخِركم، وإنسَكم وجِنَّكم قاموا في صعيدٍ واحد فسألوني، فأعْطيْتُ كلَّ إنسان منهم مسألته؛ ما نَقَصَ ذلِكَ ممّا عِندي إلا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذا أُدخِلَ (3) البحرَ.
يا عبادي! إنَّما هي أعمالُكم أُحصيها لكم، ثم أُوَفِّيكم إيّاها، فَمَنْ وجد خيراً فليحمد الله عزَّ وجل، ومن وجَدَ غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفْسَه".
قال سعيد: كان أبو أدريس الخَوْلاني إذا حدَّث بهذا الحديث جثا على ركبتيه.
رواه مسلم، واللفظ له، ورواه. . (1)
(المِخْيَط) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الياء المثناة تحت: هو ما يخاط به الثوب، كالإبرة ونحوها.
__________
(1) هذا العنوان من "مختصر الترغيب" لابن حجر، وهو في الأصل مقرون مع العنوان المتقدم.
(2) زاد مسلم من طريق أخرى عن أبي ذر: "وعلى عبادي".
(3) الأصل: "دخل"، والتصويب من "مسلم" والمخطوطة.

شرح الحديث وفوائده :

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 82)
1__قوله : "عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربِّه"
هذا من الأحاديث القدسية، وهذه العبارة من العبارات التي يُعبَّر بها عن الحديث القدسي، ومثلها عبارة: "قال الله عزَّ وجلَّ فيما يرويه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم"، والحديث القدسي هو ما يسنده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربِّه تعالى ويضيفه____إليه، ويشتمل على ضمائر التكلُّم التي تعود إليه سبحانه وتعالى.
2__قوله : "يا عبادي! إنِّي حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلته بينكم مُحرَّماً، فلا تظالَموا"،
الظلم : وضعُ الشيء في غير موضعه،
وقد حرَّمه الله على نفسه ومنَعها منه، مع قدرته عليه وعلى كلِّ شيء، فلا يقع منه الظلم أبداً؛ لكمال عدله سبحانه وتعالى،
قال الله عزَّ وجلَّ: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ} ،
وقال: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} ،
وقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً} ،
وقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} ،
وقال: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً} ،
أي: لا يخاف نقصاً من حسناته ولا زيادة في سيّئاته، أو تحميله سيِّئات غيره،
ونفيُ الظلم عن الله عزَّ وجلَّ في هذه الآيات : متضمِّنٌ إثبات كمال عدله سبحانه،
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/36) : "وكونُه خَلَقَ أفعالَ العباد وفيها الظلم لا يقتضي وصفه بالظلم سبحانه وتعالى، كما أنَّه لا يُوصف بسائر القبائح التي يفعلها العباد، وهي خَلْقُهُ وتقدِيرُه، فإنَّه لا يُوصَف إلاَّ بأفعاله، لا يوصف بأفعال عباده، فإنَّ أفعالَ عباده مخلوقاته ومفعولاته، وهو لا يوصف بشيء منها، إنَّما يوصف بما قام به مِن صفاته وأفعاله، والله أعلم".
وقد حرَّم الله تعالى على عباده الظلم، فلا يظلمُ أحد نفسَه ولا يظلم غيرَه.
3__قوله: "يا عبادي! كلُّكم ضالٌّ إلاَّ مَن هَديته، فاستهدوني أهْدِكم"،
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/39 40) :
"قد ظنَّ بعضُهم أنَّه معارض لحديث عياض بن حمار عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: ("يقول الله _عز وجل_ : "خلقت عبادي حُنفاء." وفي رواية: "مسلمين فاجتالتهم_____الشياطين) ،
وليس كذلك، فإنَّ الله خلق بني آدم وفطَرَهم على قبول الإسلام والميلَ إليه دون غيره، والتهيؤ لذلك والاستعداد له بالقوَّة، لكن لا بدَّ للعبد من تعليم الإسلام بالفعل، فإنَّه قبل التعليم جاهلٌ لا يعلم شيئاً، كما قال عزَّ وجلَّ: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً} ،
وقال لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} ، والمراد وَجَدَك غيرَ عالِم بما علَّمك من الكتاب والحكمة،
كما قال تعالى : {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ} ، فالإنسانُ يُولَد مفطوراً على قبول الحقِّ، فإن هداه الله سبَّب له مَن يعلِّمه الهدى، فصار مهتدياً بالفعل، بعد أن كان مهتدياً بالقوة، وإن خذله الله قيَّض له مَن يعلِّمه ما يغيِّر فطرتَه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (كلُّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانه ويُنَصِّرانه ويُمَجِّسانه) ".
وفي هذا الحديث : الأمر بسؤال الله الهداية، وهي تشمل هداية الدلالة والإرشاد وهداية التوفيق والتسديد، وحاجة العباد إلى الهداية أشدُّ من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وقد جاء في سورة الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} ، فهم يسألون الله عزَّ وجلَّ أن يُثبِّتَهم على الهداية الحاصلة، وأن يزيدهم هدى على هدى.
4__قوله : "يا عبادي! كلُّكم جائعٌ إلاَّ مَن أطعمته، فاستطعموني أُطْعمكم، يا عبادي! كلُّكم عار إلاَّ مَن كَسوته، فاسْتكسوني أَكْسُكُم"،
في هاتَين الجملتين : بيان شدَّة افتقار العباد إلى ربِّهم، وحاجتهم إليه في تحصيل أرزاقهم وكسوتهم، وأنَّ عليهم أن يسألوه سبحانه وتعالى طعامهم وكسوتهم.
فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 85)
5__قوله: "يا عبادي! إنَّكم تُخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعاً، فاستغفروني أغفرْ لكم
أوجب الله عزَّ وجلَّ على العباد امتثال الأوامر واجتناب المنهيات، والعباد يحصل منهم التقصير في أداء ما وجب عليهم، والوقوع في شيء مِمَّا نُهوا عنه، وطريق السلامة من ذلك رجوعهم إلى الله، وتوبتهم من ذنوبهم، وسؤال الله عزَّ وجلَّ أن يغفرها لهم، وفي الحديث: "كلُّ بني آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون" حديث حسن، أخرجه ابن ماجه (4251) وغيرُه.
6__قوله: "يا عبادي! إنَّكم لن تَبلُغوا ضُرِّي فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني"،
قال ابن رجب (2/43) : "يعني أنَّ العبادَ لا يقدرون أن يوصلوا نفعاً ولا ضرًّا؛ فإنَّ الله تعالى في نفسه غنيٌّ حميد، لا حاجة له بطاعات العباد، ولا يعود نفعها إليه، وإنَّما هم ينتفعون بها، ولا يتضرَّر بمعاصيهم، وإنَّما هم يتضرَّرون بها، قال الله تعالى: {وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً} ، وقال: {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً} ".
7__قوله: "يا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا على أتقى قلبِ رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في مُلكي شيئاً، يا عبادي!
لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً"،
في هاتين الجملتين بيان كمال ملك الله عزَّ وجلَّ، وكمال غناه عن خلقه، وأنَّ العبادَ لو كانوا كلُّهم على أتقى ما يكون أو أفجر ما يكون، لَم يزد ذلك في ملكه شيئاً، ولم ينقص شيئاً، وأنَّ تقوى كلّ إنسان إنَّما تكون نافعةً لذلك المتَّقي، وفجورَ كلّ فاجر إنَّما يكون ضررُه عليه.____
8__قوله: "يا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيتُ كلَّ واحد مسألتَه، ما نقص ذلك مِمَّا عندي إلاَّ كما ينقص المِخْيَط إذا أُدخل البحر"،
هذا يدلُّ على كمال غنى الله سبحانه وتعالى وافتقار عباده إليه، وأنَّ الجنَّ والإنسَ لو اجتمعوا أوَّلُهم وآخرُهم، وسأل كلٌّ ما يريد، وحقَّق الله لهم ذلك، لم ينقص ذلك مِمَّا عند الله إلاَّ كما ينقص المِخيَط إذا أُدخل البحر، والمعنى أنَّه لا يحصل نقصٌ أصلاً؛ لأنَّ ما يعلق بالمخيَط وهو الإبرة من الماء لا يُعتبَر شيئاً، لا في الوزن ولا في رأي العين.
9__قوله : "ياعبادي! إنَّما هي أعمالُكم أُحصيها لكم، ثمَّ أوَفِّيكم إيَّاها، فمَن وَجَدَ خيراً فليحمَد الله، ومَن وَجَدَ غيرَ ذلك فلا يَلُومنَّ إلاَّ نفسه"،
الناسُ في هذه الحياة مكلَّفون بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، وكلُّ ما يحصل منهم من عمل خيراً أو شرًّا فهو مُحصًى عليهم، وسيجدُ كلٌّ أمامه ما قدَّم، إن خيراً فخير، وإن شرًّا فشر، قال الله عزَّ وجلَّ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} ،
* فمَن قدَّم خيراً وجد ثوابه أمامه، والثواب من فضل الله على العبد، وفعل الخير في الدنيا هو من توفيق الله عزَّ وجلَّ للعبد، فله الفضل أوَّلاً وآخراً، ومَن وَجَدَ أمامه غير الخير فإنَّما أُتي العبد من قبل نفسه ومعصيته لربِّه وجنايته على نفسه، فإذا وجد أمامه العذاب فلا يلومنَّ إلاَّ نفسه.

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 86)
مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 أنَّ من الأحاديث ما يرويه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربِّه يشتمل على ضمائر التكلُّم ترجع إلى الله، ويُقال له الحديث القدسي.____
2 تحريم الله الظلم على نفسه وتنزيهه عنه، مع إثبات كمال ضدِّه وهو العدل.
3 تحريم الله الظلم على العباد لأنفسهم ولغيرهم.
4 شدَّة حاجة العباد إلى سؤال ربِّهم الهُدى والطعام والكسوة وغير ذلك من أمور دينهم ودنياهم.
5 أنَّ الله يحبُّ من عباده أن يسألوه كلَّ ما يحتاجون إليه من أمور الدنيا والدِّين.
6 كمال ملك الله عزَّ وجلَّ، وأنَّ العبادَ لا يبلغون نفعه وضرَّه، بل يعود نفعُهم وضرُّهم إلى أنفسهم.
7 أنَّ العباد لا يسلمون من الخطأ، وأنَّ عليهم التوبة من ذلك والاستغفار.
8 أنَّ التقوى والفجور يكونان في القلوب؛ لقوله: "على أتقى قلب رجل"، و"على أفجر قلب رجل".
9 أنَّ ملكَ الله لا تزيده طاعة المطيعين، ولا تنقصه معاصي العاصين.
10 كمال غنى الله وكمال ملكه، وأنَّه لو أعطى عبادَه أوَّلَهم وآخرَهم كلَّ ما سألوه لم ينقص من ملك الله عزَّ وجلَّ وخزائنه شيئاً.
11 حثُّ العباد على الطاعة، وتحذيرهم من المعصية، وأنَّ كلَّ ذلك محصى عليهم.
12 أنَّ من وفَّقه الله لطريق الخير ظفر بسعادة الدنيا والآخرة، والفضل لله للتوفيق لسلوك سبيل الهُدى، ولحصول الثواب على ذلك.
13 أنَّ مَن فرَّط وأساء العمل ظفر بالخسران، وندم حيث لا ينفع النَّدم.

==================================================

1626 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"إنَّ الله يقولُ: أنا عندَ ظَنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني".
رواه البخاري ومسلم -واللفظ له-، والترمذي والنسائي وابن ماجه.

شرح الحديث :

وفي رواية :
عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ الله - عز وجل -: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنا معه حَيْثُ يَذْكُرنِي، وَاللهِ، للهُ أفْرَحُ بِتَوبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بالفَلاَةِ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ شِبْراً، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعاً، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعاً، وَإِذَا أقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ» متفقٌ عليه

وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يقول الله تَعَالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرنِي في ملأٍ ذَكرتُهُ في مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ» . متفق عَلَيْهِ.


وفي رواية ستأتي في الكتاب بلفظ آخر برقم :
[1435] وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يقول الله تَعَالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرنِي في ملأٍ ذَكرتُهُ في مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ» . متفق عَلَيْهِ.

قال الشيخ فيصل آل مبارك في تطريز رياض الصالحين - (ص / 784)
الحديث: دليل على فضل الذكر سرًا وعلانية، وأن الله مع ذاكره برحمته، ولطفه، وإعانته، والرضا بحاله، وهذه معية خاصة.
كما قال تعالى: {إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} ... [النحل (128) ] .

وفي الأمر بإحسان الظن بالله قد حديث :
عَنْ جَابِرٍ قَالَ : «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ: " لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (3 / 1159)
وَفِي الْحَدِيثِ حَثٌّ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِحُسْنِ الظَّنِّ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى تَأْمِيلِ الْعَفْوِ، وَتَحْقِيقِ الرَّجَاءِ فِي رَوْحِ اللَّهِ

والتوبة حث عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: «قَالَ اللهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، إنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي، غَفَرْتُ لَكَ وَلا أُبَالِي، يا ابْنَ آدَمَ، إنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئاً، لأَتَيْتُكَ بِقُرابِهَا مَغْفِرَةً» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ) .
«عَنَانَ السَّمَاءِ» بفتح العين: قِيلَ هُوَ السَّحَابُ، وَقِيلَ: هُوَ مَا عَنَّ لَكَ مِنْهَا، أيْ ظَهَرَ. «وَقُرَابُ الأرْضِ» بضم القاف، ورُوي بكسرِها، والضم أشهر. وَهُوَ ما يُقَارِبُ مِلأَها.

تطريز رياض الصالحين - (ص / 1073)
هذا من الأحاديث القدسية. وفيه: فضل الدعاء والرجاء.
قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر (60) ] . وقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدعاء مخّ العبادة» . والرجاء يتضمن حسن الظن بالله، والله تعالى يقول «أنا عند ظن عبدي بي» .
وفيه: الحث على الاستغفار. قال الحسن: أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقكم، وأسواقكم، ومجالسكم، وأينما كنتم فإنكم ما تدرون متى تنزل المغفرة.
وقال قتادة: إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، فأما داؤكم: فالذنوب، وأما دواؤكم: فالاستغفار.
وقال إبليس لعنه الله: أهلكت بني آدم بالذنوب، وأهلكوني بلا إله إلا الله، والاستغفار.


شرح الكلمات :

     تطريز رياض الصالحين - (1 / 299)
قوله عزَّ وجل: «أنا عند ظن عبدي بي» ، أي في الرجاء، وأمل العفو، «وأنا معه» ، أي: بالرحمة، والتوفيق، والإِعانة، والنصر، ... «حيث ذكرني في نفسه أو في الملأ» .

     شرح النووي على مسلم - (17 / 2)
 قال القاضي قيل معناه بالغفران له اذا استغفر والقبول اذا تاب والاجابة اذا دعا والكفاية اذا طلب الكفاية وقيل المراد به الرجاء وتأميل العفو وهذا اصح

شرح النووي على مسلم - (17 / 2)
قوله تعالى : (وانا معه حين يذكرني)، أي : معه بالرحمة والتوفيق والهداية والرعاية،
وأما قوله تعالى : (وهو معكم أينما كنتم)، فمعناه : بالعلم والاحاطة

شرح النووي على مسلم - (17 / 210)
قَوْله سُبْحَانه وَتَعَالَى : ( أَنَا عِنْد ظَنّ عَبْدِي بِي ) ، قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَى ( حُسْن الظَّنّ بِاَللَّهِ تَعَالَى ) أَنْ يَظُنّ أَنَّهُ يَرْحَمهُ وَيَعْفُو عَنْهُ ،
قَالُوا : وَفِي حَالَة الصِّحَّة يَكُون خَائِفًا رَاجِيًا ، وَيَكُونَانِ سَوَاءً ،
وَقِيلَ : يَكُون الْخَوْف أَرْجَح ، فَإِذَا دَنَتْ أَمَارَات الْمَوْت غَلَبَ الرَّجَاء أَوْ مَحْضه ؛ لِأَنَّ مَقْصُود الْخَوْف : الِانْكِفَافُ عَنْ الْمَعَاصِي وَالْقَبَائِح ، وَالْحِرْصُ عَلَى الْإِكْثَار مِنْ الطَّاعَات وَالْأَعْمَال ،
وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ أَوْ مُعْظَمه فِي هَذَا الْحَال ، فَاسْتُحِبَّ إِحْسَان الظَّنّ الْمُتَضَمِّن لِلِافْتِقَارِ إِلَى اللَّه تَعَالَى ، وَالْإِذْعَان لَهُ ،
وَيُؤَيِّدهُ الْحَدِيث الْمَذْكُور بَعْده ( يُبْعَث كُلّ عَبْد عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ ) وَلِهَذَا عَقَّبَهُ مُسْلِم لِلْحَدِيثِ الْأَوَّل . قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ : يُبْعَث عَلَى الْحَالَة الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا ، وَمِثْله الْحَدِيث الْآخَر بَعْده ( ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى نِيَّاتهمْ ) .

عون المعبود - (8 / 265)
 وقد يكون أيضا حسن الظن بالله من ناحية جهة الرجاء وتأميل العفو
 وقال الرافعي في تاريخ قزوين يجوز أن يريد به الترغيب في التوبة والخروج من المظالم فإنه إذا فعل ذلك حسن ظنه ورجا الرحمة
 وقال النووي في شرح المهذب معنى تحسين الظن بالله تعالى أن يظن أن الله تعالى يرحمه ويرجو ذلك بتدبر الآيات والأحاديث الواردة في كرم الله تعالى وعفوه وما وعد به أهل التوحيد وما سيبدلهم من الرحمة يوم القيامة كما قال سبحانه وتعالى في الحديث الصحيح أنا عند ظن عبدي بي هذا هو الصواب في معنى الحديث وهو الذي قاله جمهور العلماء
 وشذ الخطابي فذكر تأويلا آخر أن معناه أحسنوا أعمالكم حتى يحسن ظنكم بربكم فمن حسن عمله حسن ظنه ومن ساء عمله ساء ظنه وهذا تأويل باطل نبهت عليه لئلا يغتر به انتهى

فوائد الحديث :

     تطريز رياض الصالحين - (ص / 300)
وفي الحديث: لطف الله بعباده، وفرحه بتوبتهم، وأن من تقرب إليه بطاعته، تقرب إليه بإحسانه، وفضله، وجزائه المضاعف.

     عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (25 / 101)
 وَهُوَ من الْأَحَادِيث القدسية الدَّالَّة على كرم أكْرم الأكرمين وأرحم الرَّاحِمِينَ.

     فتح الباري- تعليق ابن باز - (13 / 385_386)
وقال الكرماني وفي السياق إشارة إلى ترجيح جان الرجاء على الخوف وكأنه أخذه من جهة التسوية فإن العاقل إذا سمع ذلك لا يعدل إلى ظن إيقاع الوعيد وهو جانب الخوف لأنه لا يختاره لنفسه بل يعدل إلى ظن وقوع الوعد وهو جانب الرجاء وهو كما قال أهل التحقيق مقيد بالمحتضر ويؤيد ذلك حديث: "لا يموتن__أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله " وهو عند مسلم من حديث جابر.

     فتح الباري- تعليق ابن باز - (13 / 386)
وقال ابن أبي جمرة :
المراد بالظن هنا العلم وهو كقوله: "وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه"
وقال القرطبي في المفهم :
قيل : معنى (ظن عبدي بي) : ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها تمسكا بصادق وعده.
وقال : ويؤيده قوله في الحديث الآخر : (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة)،[1]
قال : ولذلك ينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه موقنا بأن الله يقبله ويغفر له لأنه وعد بذلك وهو لا يخلف الميعاد فإن اعتقد أو ظن أن الله لا يقبلها وأنها لا تنفعه فهذا هو اليأس من رحمة الله وهو من الكبائر، ومن مات على ذلك وكل إلى ما ظن كما في بعض طرق الحديث المذكور " فليظن بي عبدي ما شاء " قال: وأما ظن المغفرة مع الإصرار فذلك محض الجهل والغرة وهو يجر إلى مذهب المرجئة.

     فيض الباري شرح البخاري - (7 / 381) للكشميري :
وآخرُ ما وَضَحَ لي في مراده: أنَّ كلَّ أحدٍ يُحِبُّ صاحباً يكون معه ليَسْكُنَ إليه، ويطمئنَ به، فذلك من خاصَّة الذكر. فَمَنْ ذَكَرَ الله تعالى يَجِد الله تعالى جليسه، وعنده يطمئنُّ بذكره قلبه، ويَنْشَرِحُ به صدره، قال تعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28). وهكذا وَرَدَ في لفظٍ: «أنا معه إذا ذَكَرَني»، فمعيته تعالى هي من خاصة ذكره جلَّ مجده. فإنَّ الإِنسانَ يَشْمَئِزُّ من الوحدة والانفراد، ويَحْرِصُ على أن يكونَ معه آخر يَسْتَأْنِسُ به. فمن ذَكَرَ اللَّهَ تعالى، فإنَّه يجده عنده ومعه يَسْتَأْنِسُ به، ويَسْتَلِذُّ بقربه. كيف لا وهو الرفيقُ الأعلى.

شرح صحيح البخارى ـ لابن بطال - (10 / 500)
وقوله : ( أنا عند ظن عبدى بى ) لا يتوجه إلا إلى المؤمنين خاصة أى : أنا عند ظن عبدى المؤمن بى ، وفى القرآن آيات تشهد أن عباده المؤمنين وإن أسرفوا على أنفسهم أنه عند ظنهم به من المغفرة والرحمة ،

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (4 / 1542)
قَالَ شَارِحٌ الْحَكَمُ بْنُ عَبَّادٍ: حُسْنُ الظَّنِّ يُطْلَبُ مِنَ الْعَبْدِ فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ، وَفِي أَمْرِ آخِرَتِهِ، أَمَّا أَمْرُ دُنْيَاهُ: فَأَنْ يَكُونَ وَاثِقًا بِاللَّهِ تَعَالَى فِي إِيصَالِ الْمَنَافِعِ وَالْمَرَافِقِ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ كَدٍّ وَلَا سَعْيٍ، أَوْ بِسَعْيٍ خَفِيفٍ مَأْذُونٍ فِيهِ وَمَأْجُورٍ عَلَيْهِ، وَبِحَيْثُ لَا يَفُوتُهُ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ فَرْضٍ وَلَا نَفْلٍ، فَيُوجِبُ لَهُ ذَلِكَ سُكُونًا وَرَاحَةً فِي قَلْبِهِ وَبَدَنِهِ، فَلَا يَسْتَفِزُّهُ طَلَبٌ وَلَا يُزْعِجُهُ سَبَبٌ، وَأَمَّا أَمْرُ آخِرَتِهِ: فَأَنْ يَكُونَ قَوِيَّ الرَّجَاءِ فِي قَبُولِ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ، وَتَوْفِيَةِ أُجُورِهِ عَلَيْهَا فِي دَارِ الثَّوَابِ وَالْجَزَاءِ، فَيُوجِبُ لَهُ ذَلِكَ الْمُبَادَرَةَ لِامْتِثَالِ الْأَمْرِ وَالتَّكْثِيرِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ بِوِجْدَانِ حَلَاوَةٍ وَاغْتِبَاطٍ، وَلَذَاذَةٍ وَنَشَاطٍ،
وَمِنْ مَوَاطِنِ حُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لَا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يُفَارِقَهُ فِيهَا: أَوْقَاتُ الشَّدَائِدِ وَالْمِحَنِ، وَحُلُولِ الْمَصَائِبِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْبَدَنِ، لِئَلَّا يَقَعَ بِسَبَبِ عَدَمِ ذَلِكَ فِي الْجَزَعِ وَالسُّخْطِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: مَنْ ظَنَّ انْفِكَاكَ لُطْفِهِ عَنْ قَدْرِهِ، فَذَاكَ لِقُصُورِ نَظَرِهِ.
وَإِنَّمَا بَسَطْتُ الْكَلَامَ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَنَامِ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْغُرُورِ وَحُسْنِ الظَّنِّ

=================================================
1627 - (3) [صحيح] وعن النعمانِ بن بشيرٍ رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"الدعاءُ هو العبادةُ". ثم قرأ:
" {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (2) ".
رواه أبو داود والترمذي -واللفظ له-، وقال:
"حديث حسن صحيح"، والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:
"صحيح الإسناد".
__________
(1) قلت: ثم ساق المؤلف الحديث من رواية الترمذي وابن ماجه عن شهر بن حوشب بلفظ آخر مخالف للفظ مسلم زيادة ونقصاً، فحذفته مودعاً إياه في الكتاب الآخر لضعف شهر ونكارة لفظه، وكان المؤلف قد ذكره في آخر الكتاب السابق بلفظ البيهقي عنه دون رواية مسلم، فمن تخاليط المعلقين أنهم هنا لم يعزوه لمسلم وأحالوا في تخريجه إلى المكان المتقدم، وهناك قالوا: "صحيح، رواه مسلم. . "! فأوهموا صحة رواية شهر، بهذا التصدير، وبسكوتهم عن ضعف شهر!!
(2) أي: أذلاء مهانين.

شرح الحديث :

تطريز رياض الصالحين (ص: 806)
يعني: أن الدعاء هو خالص العبادة كما في حديث أنس عند الترمذي، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الدعاء مخُّ العبادة» . والمعنى أن العبادة لا تقوم إلا بالدعاء، كما أن الإنسان لا يقوم إلا بالمخِّ.
قال القاضي عياض: أي: هو العبادة الحقيقة التي تستأهل أنْ تسمى عبادة، لدلالته على الإقبال على الله، والإعراض عما سواه.
وقد قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} ... [الجن (18) ] .
وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر (60) ] ."
وقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف (5، 6) ] .

فتح الباري لابن رجب (1/ 20_21)
قال الله تعالى (2) {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77] قال البخاري: ومعنى الدعاء في اللغة الإيمان.
اعلم أن أصل الدعاء في اللغة: الطلب، فهو استدعاء لما يطلبه الداعي ويؤثر حصوله، فتارة يكون الدعاء بالسؤال من الله عز وجل والابتهال إليه كقول الداعي: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، وتارة يكون بالإتيان بالأسباب التي تقتضي حصول المطالب وهو الاشتغال بطاعة الله وذكره وما يجب من عبده أن يفعله وهذا هو حقيقة الإيمان.
وفي " السنن الأربعة" عن النعمان بن بشير، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " إن الدعاء هو العبادة " (3) ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60] .
فما استجلب العبد من الله ما يحب واستدفع منه ما يكره بأعظم من اشتغاله بطاعة الله وعبادته وذكره وهو حقيقة الإيمان، فإن الله يدفع عن الذين آمنوا._____
وفي الترمذي " عن أبي سعيد عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " يقول الرب عز وجل: من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " (1) . وقال بعض التابعين: لو أطعتم الله ما عصاكم، يعني: ما منعكم شيئا تطلبونه منه. وكان سفيان يقول: الدعاء ترك الذنوب - يعني: الاشتغال بالطاعة عن المعصية

فتح الباري لابن حجر (11/ 94)
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ ثُمَّ قَرَأَ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لكم ان الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ عَن عبادتي الْآيَةَ أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَشَذَّتْ طَائِفَةٌ فَقَالُوا الْمُرَادُ بِالدُّعَاءِ فِي الْآيَةِ تَرْكُ الذُّنُوبِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ أَنَّ الدُّعَاءَ مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَةِ فَهُوَ كَالْحَدِيثِ الْآخَرِ الْحَجُّ عَرَفَةُ أَيْ مُعْظَمُ الْحَجِّ وَرُكْنُهُ الْأَكْبَرُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَفَعَهُ الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ وَقَدْ تَوَارَدَتِ الْآثَارُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّرْغِيبِ فِي الدُّعَاءِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ كَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الدُّعَاءِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وبن ماجة وَصَححهُ بن حبَان

تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 402)
وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ: يَكْفِي مِنَ الدُّعَاءِ مَعَ الْبِرِّ مِثْلَ مَا يَكْفِي الطَّعَامَ مِنَ الْمِلْحِ

تحفة الأحوذي (9/ 220)
وَقَالَ الطِّيبِيُّ مَعْنَى حَدِيثِ النُّعْمَانِ أَنْ تُحْمَلَ الْعِبَادَةُ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ إِذِ الدُّعَاءُ هُوَ إِظْهَارُ غَايَةِ التَّذَلُّلِ وَالِافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ وَالِاسْتِكَانَةِ لَهُ وَمَا شُرِعَتِ الْعِبَادَاتُ إِلَّا لِلْخُضُوعِ لِلْبَارِي وَإِظْهَارِ الِافْتِقَارِ إِلَيْهِ وَلِهَذَا خَتَمَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ إِنَّ الَّذِينَ يستكبرون عن عبادتي حَيْثُ عَبَّرَ عَنْ عَدَمِ التَّذَلُّلِ وَالْخُضُوعِ بِالِاسْتِكْبَارِ وَوَضَعَ عِبَادَتِي مَوْضِعَ دُعَائِي وَجَعَلَ جَزَاءَ ذَلِكَ الِاسْتِكْبَارِ الصَّغَارَ وَالْهَوَانَ انْتَهَى


[1] ورد الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه)) رواه الترمذي والحاكم وقال مستقيم الإسناد تفرد به صالح المري وهو أحد زهاد البصرة
 قال الحافظ المنذري : "صالح المري، لا شك في زهده، لكن تركه أبو داود والنسائي."
قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب - (1653) : "حسن لغيره." اهـ