بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الرشد (ص: 91)
الحديث الرابع والثلاثون: ما نقصت صدقة من مال.
وعن
أَبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا
زادَ اللهُ عَبْداً بعَفْوٍ إلا عِزّاً، وَمَا تَوَاضَعَ أحَدٌ للهِ إلا رَفَعَهُ
اللهُ» . رواه مسلم.
شرح الكلمات :
مختصر
منهاج القاصدين - (1 / 184)
"اعلم: أن معنى العفو أن تستحق حقاً
فتسقطه، وتؤدى عنه من قصاص أو غرامة."
إكمال المعلم بفوائد مسلم - (8 / 59)
قوله : " ما نقصت صدقة من مال
":
فيه وجهان:
أحدهما :
أنه بقدر ما نقص منه يزيده الله فيه وينميه ويكثره.
والثانى :
أنه وإن نقص فى نفسه ففى الثواب والأجر عنها ما يجبر ذلك النقص بإضعافه.
وقوله : " ما زاد الله عبدًا
بعفو إلا عزًا ":
فيه _أيضًا_ وجهان :
أحدهما :
ظاهره أن من عرف بالصفح والعفو ساد وعظم فى القلوب وزاد عزه.
الثانى :
أن يكون أجره على ذلك فى الآخرة وعزته هناك.
"وما تواضع أحد لله إلا رفعه
الله" :
فيه وجهان كذلك :
أحدهما:
أن الله _تعالى_ يمنحه ذلك فى الدنيا جزاء على تواضعه له، وأن تواضعه يثبت له فى
القلوب محبة ومكانة وعزة.
والثانى:
أن يكون ذلك ثوابه فى الآخرة على تواضعه.
وهذه الوجوه كلها فى الدنيا ظاهرة
موجودة، وقد صدق - عليه السلام - فيما أخبر منها. وقد يكون جمع الوجهين فى
جميعها. وكان هذا كله تنبيهًا على رد قول من يقول : الصبر والحلم الذل. ومن قاله
من الجملة فإنما أراد به شبهه فى الاحتمال وعدم الانتصار." اهـ كلام القاضي
عياض _رحمه الله_
|
فوائد الحديث :
تطريز
رياض الصالحين - (1 / 366)
في
هذا الحديث: أن الصدقة لا تنقص المال بل تزيده، لما تدفعه عنه الصدقة من الآفات،
وتنزل بسببها البركاتُ.
فيض
القدير - (5 / 503)
ما
نقصت شيئا من مال في الدنيا بالبركة فيه ودفع المفسدات عنه والإخلاف عليه بما هو
أجدى وأنفع وأكثر وأطيب
الاستذكار
- (8 / 612)
ومعنى
قوله ما نقصت صدقة من مال: أي : لا تنقص الصدقة المال لأنه مال مبارك فيه إذا أديت
زكاته وتطوع منه صاحبه لأن الصدقة تضاعف إلى سبعمائة ضعف ويجدها صاحبها وقت الحاجة
إليها كجبل أحد مضاعفة أضعافا كثيرة فأي نقصان مع هذا
فيض
القدير - (5 / 503)
ما
نقصت شيئا من مال في الدنيا بالبركة فيه ودفع المفسدات عنه والإخلاف عليه بما هو
أجدى وأنفع وأكثر وأطيب { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } أو في الآخرة بإجزال
الأجر وتضعيفه أو فيهما وذلك جابر لأصناف ذلك النقص بل وقع لبعض الكمل أنه تصدق من
ماله فلم يجد فيه نقصا قال الفاكهاني : أخبرني من أثق به أنه تصدق من عشرين درهما
بدرهم فوزنها فلم تنقص . قال : وأنا وقع لي ذلك .
تنوير
الحوالك - (1 / 260)
قال
الباجي يري أن الصدقة سبب لتنمية المال وحفظه
تطريز
رياض الصالحين - (1 / 366)
وفيه:
أن من عُرِف بالعفو والصفح ساد وعظم في قلوب الناس، وأن من تواضع رفعه الله في
الدنيا والآخرة.
تحفة الأحوذي
- (6 / 150)
فإن
من عرف بالعفو عظم في القلوب أو في الاخرة بأن يعظم ثوابه أو فيهما
ذخيرة العقبى في شرح المجتبى - (36 /
131)
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه :
لا شكّ أن العفو هو الأولى؛ لنصوص
الكتاب، والسنة،
قَالَ الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا
وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} الآية [الشورى: 40]،
وَقَالَ سبحانه وتعالى: {وَلَمَنْ
صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43]،
وَقَالَ عز وجل: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}
الآية [النِّساء: 128]،
وَقَدْ أخرج مسلم رحمه الله تعالى فِي
"صحيحه" منْ حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- قَالَ: "ما نقصت صدقة منْ مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا،
وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله".
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه
المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
|
تطريز
رياض الصالحين - (1 / 370)
في
هذا الحديث: أن الصدقة تنتج البركة والمعونة من الله.
شرح
النووي على مسلم - (16 / 141)
قَوْله
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا نَقَصَتْ صَدَقَة مِنْ مَال )
ذَكَرُوا
فِيهِ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُبَارَك فِيهِ ، وَيَدْفَع
عَنْهُ الْمَضَرَّات ، فَيَنْجَبِر نَقْص الصُّورَة بِالْبَرَكَةِ الْخَفِيَّة ،
وَهَذَا مُدْرَك بِالْحِسِّ وَالْعَادَة . وَالثَّانِي أَنَّهُ وَإِنْ نَقَصَتْ
صُورَته كَانَ فِي الثَّوَاب الْمُرَتَّب عَلَيْهِ جَبْر لِنَقْصِهِ ، وَزِيَادَة
إِلَى أَضْعَاف كَثِيرَة .
شرح
النووي على مسلم - (16 / 141)
قَوْله
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَمَا زَادَ اللَّه عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا
عِزًّا )
فِيهِ
أَيْضًا وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنَّهُ عَلَى ظَاهِره ، وَأَنَّ مَنْ عُرِفَ
بِالْعَفْوِ وَالصَّفْح سَادَ وَعَظُمَ فِي الْقُلُوب ، وَزَادَ عِزّه وَإِكْرَامه
. وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَاد أَجْره فِي الْآخِرَة وَعِزّه هُنَاكَ .
شرح
النووي على مسلم - (16 / 141_142)
قَوْله
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَمَا تَوَاضَعَ أَحَد لِلَّهِ إِلَّا____رَفَعَهُ اللَّه )
فِيهِ
أَيْضًا وَجْهَانِ : أَحَدهمَا يَرْفَعهُ فِي الدُّنْيَا ، وَيُثْبِتُ لَهُ
بِتَوَاضُعِهِ فِي الْقُلُوب مَنْزِلَة ، وَيَرْفَعهُ اللَّه عِنْد النَّاس ،
وَيُجِلّ مَكَانه . وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَاد ثَوَابه فِي الْآخِرَة ، وَرَفْعه
فِيهَا بِتَوَاضُعِهِ فِي الدُّنْيَا . قَالَ الْعُلَمَاء : وَهَذِهِ الْأَوْجُه
فِي الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة مَوْجُودَة فِي الْعَادَة مَعْرُوفَة ، وَقَدْ يَكُون
الْمُرَاد الْوَجْهَيْنِ مَعًا فِي جَمِيعهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة .
وَاَللَّه أَعْلَم .
كشف
المشكل من حديث الصحيحين - (1 / 1041)
قد
اعترض معترض فقال كيف يخبر الرسول {صلى الله عليه وسلم} بما ينافي الحقائق ونحن
نعلم أن من تصدق من دينار بقيراط نقص،
فأجاب
العلماء، فقالوا :
إن
الرسول {صلى الله عليه وسلم} لم يقصد هذا وإنما أراد أن البركة تخلف الجزء المنفصل
فيكون كأنه لم يزل،
ووقع
لي في هذا جوابٌ آخرُ ينطبق على أصل السؤال، فقلت :
للإنسان
دارانِ، فإذا نُقِلَ بعضُ ماله بالصدقة إلى الدار الأخرى، لَمْ يَنْقُصْ مالُه
حقيقةً،
وقد
جاء في الحديث ( ( فيربيها لأحدكم حتى تكون كالجبل ) )
وصار
كمن بعَث بعضَ مالِه إلى إحدى دارَيْهِ أو قَسَمَه في صندُوْقَيْنِ، فيراد من هذا
أن ما خرج منك لم يخرج عنك،
وقوله
( ( وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ) ) وذاك لأن
العافي في مقام الواهب والمتصدق فيعز بذلك
وقوله
( ( وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ) ) أي رفع
قدره في القلوب لإخلاصه في التواضع
فيض
القدير - (5 / 503)
ومن
تواضع لله في تحمل مؤن خلقه كفاه الله مؤنة ما يرفعه إلى هذه المقام،
ومن
تواضع في قبول الحق ممن دونه قبل الله منه مدخول طاعاته ونفعه بقليل حسناته وزاد
في رفعة درجاته وحفظه بمعقبات رحمته من بين يديه ومن خلفه
فيض
القدير - (5 / 503)
واعلم
أن من جبلة الإنسان الشح بالمال
ومتابعة
السبعية من آثار الغضب والانتقام والاسترسال في الكبر الذي هو نتائج الشيطنة
فأراد
الشارع أن يقلعها من نسخها فحث أولا على الصدقة ليتحلى بالسخاء والكرم وثانيا على
العفو ليتعزز بعز الحلم والوقار وثالثا على التواضع ليرفع درجاته في الدارين
بهجة قلوب
الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 130)
هذا
الحديث احتوى على فضل الصدقة ، والعفو والتواضع ، وبيان ثمراتها العاجلة والآجلة ،
وأن كل ما يتوهمه المتوهم من نقص الصدقة للمال ، ومنافاة العفو للعز ، والتواضع
للرفعة : وهم غالط، وظن كاذب .
بهجة قلوب
الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 130)
فالصدقة
لا تنقص المال ، لأنه لو فرض أنه نقص من جهة ، فقد زاد من جهات أخر ، فإن الصدقة
تبارك المال ، وتدفع عنه الآفات وتنميه ، وتفتح للمتصدق من أبواب الرزق وأسباب
الزيادة أمورا ما تفتح على غيره فهل يقابل ذلك النقص بعض هذه الثمرات الجليلة ؟
فالصدقة
لله التي في محلها لا تنفد المال قطعا ، ولا تنقصه بنص النبي صلى الله عليه وسلم ،
وبالمشاهدات والتجربات المعلومة ، هذا كله سوى ما لصاحبها عند الله : من الثواب
الجزيل ، والخير والرفعة .
بهجة قلوب
الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 130_131)
وأما
العفو عن جنايات المسيئين بأقوالهم وأفعالهم : فلا يتوهم منه الذل ، بل هذا عين
العز ، فإن العز هو الرفعة عند الله وعند خلقه ، مع القدرة على قهر الخصوم
والأعداء .___
ومعلوم
ما يحصل للعافي من الخير والثناء عند الخلق ، وانقلاب العدو صديقا ، وانقلاب الناس
مع العافي ، ونصرتهم له بالقول والفعل على خصمه ، ومعاملة الله له من جنس عمله ،
فإن من عفا عن عباد الله عفا الله عنه . وكذلك المتواضع لله ولعباده يرفعه الله
درجات ; فإن الله ذكر الرفعة في قوله : { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } . [ المجادلة : 11 ]
بهجة قلوب
الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 131)
فمن
أجل ثمرات العلم والإيمان : التواضع ، فإنه الانقياد الكامل للحق ، والخضوع لأمر
الله ورسوله ، امتثالا للأمر ، واجتنابا للنهي ، مع التواضع لعباد الله ، وخفض
الجناح لهم ، ومراعاة الصغير والكبير ، والشريف ، والوضيع ، وضد ذلك التكبر ; فهو
غمط الحق ، واحتقار الناس .
بهجة قلوب
الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 131)
وهذه
الثلاث المذكورات في هذا الحديث : مقدمات صفات المحسنين ، فهذا محسن في ماله ،
ودفع حاجة المحتاجين ، وهذا محسن بالعفو عن جنايات المسيئين ، وهذا محسن إليهم
بحلمه وتواضعه ، وحسن خلقه مع الناس أجمعين ، وهؤلاء قد وسعوا الناس بأخلاقهم
وإحسانهم ورفعهم الله فصار لهم المحل الأشرف بين العباد ، مع ما يدخر الله لهم من
الثواب .
بهجة قلوب
الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 132)
وفي
قوله صلى الله عليه وسلم : « وما تواضع أحد لله » تنبيه على حسن القصد والإخلاص
لله في تواضعه ، لأن كثيرا من الناس قد يظهر التواضع للأغنياء ليصيب من دنياهم ،
أو للرؤساء لينال بسببهم مطلوبه ، وقد يظهر التواضع رياء وسمعة ، وكل هذه أغراض
فاسدة ، لا ينفع العبد إلا التواضع لله تقربا إليه ، وطلبا لثوابه ، وإحسانا إلى
الخلق ، فكمال الإحسان وروحه الإخلاص لله .
بهجة قلوب
الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 272)
وفي
هذا الحديث دليل : على أن قصد العامل ، ما يترتب على عمله من ثواب الدنيا لا يضره
إذا كان القصد من العمل وجه الله والدار الآخرة . فإن الله بحكمته ورحمته رتب
الثواب العاجل والآجل ، ووعد بذلك العاملين ؛ لأن الأمل واستثمار ذلك ينشط
العاملين ، ويبعث هممهم على الخير ، كما أن الوعيد على الجرائم ، وذكر عقوباتها
مما يخوف الله به عباده ويبعثهم على ترك الذنوب والجرائم .
سبل
السلام - (2 / 693)
وَفِي
قَوْلِهِ: «مَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلَّا عِزًّا» حَثٌّ عَلَى
الْعَفْوِ عَنْ الْمُسِيءِ وَعَدَمِ مُجَازَاتِهِ عَلَى إسَاءَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ
جَائِزَةً قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}
[الشورى: 40] وَفِيهِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْعَافِي عِزًّا
وَعَظَمَةً فِي الْقُلُوبِ؛ لِأَنَّهُ بِالِانْتِصَافِ يُظَنُّ أَنَّهُ يُعَظَّمُ
وَيُصَانُ جَانِبُهُ وَيُهَابُ وَيُظَنُّ أَنَّ الْإِغْضَاءَ وَالْعَفْوَ لَا
يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ يَزْدَادُ بِالْعَفْوِ عِزًّا
سبل
السلام - (2 / 693)
وَفِي
قَوْلِهِ «وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ أَيْ لِأَجْلِ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ
لِلْمُتَوَاضِعِينَ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّوَاضُعَ
سَبَبٌ لِلرِّفْعَةِ فِي الدَّارَيْنِ لِإِطْلَاقِهِ.
سبل
السلام - (2 / 693)
وَفِي
الْحَدِيثِ حَثٌّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَعَلَى الْعَفْوِ وَعَلَى التَّوَاضُعِ،
وَهَذِهِ مِنْ أُمَّهَاتِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ.