1632 - (8) [صحيح لغيره]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-:
"ما
مِنْ مسلمٍ يَنْصِبُ وجْهَهُ لله عزَّ وجلَّ في مسألةٍ؛ إلا أعطاها إيَّاه، إمّا
أنْ يُعجِّلها له، وإمّا أن يَدَّخِرها له في الآخرة".
رواه
أحمد بإسناد لا بأس به.
شرح
الحديث :
· تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين (ص: 39) للشوكاني :
وَفِي
الحَدِيث دَلِيل على أَن دُعَاء الْمُسلم لَا يهمل بل يعْطى مَا سَأَلَهُ إِمَّا
معجلا وَإِمَّا مُؤَجّلا تفضلا من الله عز وَجل
قطر
الولي على حديث الولي = ولاية الله والطريق إليها (ص: 422_423)
قَالَ
ابْن حجر فِي الْفَتْح: " وَقد اسْتشْكل بِأَن جمَاعَة من الْعباد والصلحاء___دعوا
وبالغوا وَلم يجابوا ".
وَالْجَوَاب:
أَن الْإِجَابَة تتنوع فَتَارَة يَقع الْمَطْلُوب بِعَيْنِه على الْفَوْر، وَتارَة
يَقع وَلَكِن يتَأَخَّر لحكمة فِيهِ، وَتارَة قد تقع الْإِجَابَة وَلَكِن بِغَيْر
الْمَطْلُوب حَيْثُ لَا تكون فِي الْمَطْلُوب مصلحَة ناجزة، وَفِي الْوَاقِع
مصلحَة ناجزة، أَو أصلح مِنْهَا ". انْتهى.
===================================
1633
- (9) [حسن صحيح] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"ما
مِنْ مُسلمٍ يَدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ، ولا قطيعةُ رحِم؛ إلا أعطاه الله بها
إحدى ثلاثٍ: إمَّا أنْ يُعَجِّل له دَعْوَته، وإمّا أن يدَّخرها له في الآخرةِ،
وإمَّا أنْ يصرفَ عنه مِنَ السوءِ مِثلَها".
قالوا:
إذاً نُكْثِرُ. قال:
"الله
أكثَرُ".
رواه
أحمد والبزار وأبو يعلى بأسانيد جيدة، والحاكم وقال:
"صحيح
الإسناد".
شرح
الحديث :
· التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (10/ 297)
وَفِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا بد من الإجابة على إحدى هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ
القبس
في شرح موطأ مالك بن أنس (ص: 197) لابن العربي
والباري
سبحانه هو الذي يسمع الأقوال، وهو الذي يرفع الأعمال، وهو الذي يقبل الدعاء،
وقد
جعل لذلك علامات وقرنه بأسباب وخصّ به أوقاتاً :
منها
حضرة الصلاة، ومنها الاصطفاف عند القتال،
فينبغي
أن تغتنم تلك الساعة وأمثالها فإنها متهيئة للقبول، ولكن للدعاء شروط يقبل معها
ولا يصح دونها وقد بيَّنا، في كتاب المشكلين، شروطه وخصائصه وجماعها عشرون خصلة
وثمرتها الإجابة،
وكل
داعٍ مقبول دعاؤه لقوله تعالى: {فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ} (3)، لكن الإجابة على
ثلاثة أوجه: إما أن تقضى له حاجته التي عين، وإما أن يعوض خيراً منها مما لم يعلم
الداعي قدرها ولو علمه لرضي بالبدل، وإما أن يدخر له إلى الآخرة وكذلك هو نص.
مرقاة
المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1538)
وَالْحَاصِلُ
أَنَّ مَا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ فِيهَا أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ، إِمَّا الثَّوَابُ
الْمُدَّخَرُ، وَإِمَّا دَفْعُ قَدْرِهَا مِنَ السُّوءِ، وَفِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى
الْحَدِيثِ السَّابِقِ أَنَّ مَا لَمْ يُقَدَّرْ يُدْفَعُ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ
مِثْلُهُ
===================================
1634
- (10) [حسن لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:. . . وقال رسول الله - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"إنَّ
الدعاءَ ينفع ممّا نَزَلَ ومما لم ينزِلْ، فَعليكم عباد الله بالدعاءِ".
رواه
الترمذي والحاكم؛ كلاهما من رواية عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي؛ وهو ذاهب
الحديث، عن موسى بن عقبة عن نافع عنه. وقال الترمذي:
"حديث
غريب"، وقال الحاكم:
"صحيح
الإسناد".
بحر
الفوائد المسمى بمعاني الأخبار للكلاباذي (ص: 36)
قَالَ
الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَعْنَى قَوْلِهِ: «يَنْفَعُ
مِمَّا نَزَلَ، وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ» ، هُوَ مَا قُلْنَاهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ لَكَ شَرَفَ الْإِذْنِ فِي الدُّعَاءِ، وَفَتْحِ أَبْوَابِ
الرَّحْمَةِ، وَأَنْ يَكُونَ دَاعِيًا لَهُ مُفْتَقِرًا إِلَيْهِ، مُثِيبًا
عَلَيْهِ، ذَاكِرًا لَهُ، وَهَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا تَسْأَلُ،
وَيَجُوزُ
أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ يُسَهِّلُ عَلَى الدَّاعِي تَحَمُّلَ مَا نَزَلَ مِنَ
الْبَلَاءِ وَالْمُصِيبَةِ، وَيُضَاعِفُ لَهُ ثَوَابَ مَا نَزَلَ؛ لِأَنَّهُ
يَحُوزُ ثَوَابَ الْمُصِيبَةِ وَالْبَلَاءِ، وَثَوَابَ الِافْتِقَارِ
وَالِاضْطِرَابِ إِلَيْهِ، وَشَرَفَ الدُّعَاءِ لَهُ،
وَيَكُونُ
الدُّعَاءُ بَعْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ سَبَبَ الصَّبْرِ وَالرِّضَا، وَسَبَبَ
الْعِصْمَةِ عَنِ الْجَزَعِ الَّذِي لَمْ يُحْرَمِ الثَّوَابَ، وَمِمَّا لَمْ
يَنْزِلْ بِأَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ، أَوْ يُخَفِّفَ عَلَيْهِ، أَوْ يُنْزِلَ مَعَهُ
تَوْفِيقَ الصَّبْرِ، وَالرِّضَا وَالشُّكْرِ، وَيُعْطِيَهُ الْعِوَضَ عَلَيْهِ
فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ،
وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
مرقاة
المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1529)
قَالَ
الْغَزَالِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: فَمَا فَائِدَةُ الدُّعَاءِ مَعَ أَنَّ الْقَضَاءَ
لَا مَرَدَّ لَهُ؟ فَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْقَضَاءِ رَدُّ الْبَلَاءِ
بِالدُّعَاءِ، فَالدُّعَاءُ سَبَبٌ لِرَدِّ الْبَلَاءِ وَوُجُودِ الرَّحْمَةِ،
كَمَا أَنَّ التُّرْسَ سَبَبٌ لِدَفْعِ السِّلَاحِ، وَالْمَاءَ سَبَبٌ لِخُرُوجِ
النَّبَاتِ مِنَ الْأَرْضِ، فَكَمَا أَنَّ التُّرْسَ يَدْفَعُ السَّهْمَ
فَيَتَدَافَعَانِ، كَذَلِكَ الدُّعَاءُ وَالْبَلَاءُ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ
الِاعْتِرَافِ بِالْقَضَاءِ أَنْ لَا يَحْمِلَ السِّلَاحَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى
فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء:
102] فَقَدَّرَ اللَّهُ الْأَمْرَ وَقَدَّرَ سَبَبَهُ وَفِي الدُّعَاءِ مِنَ الْفَوَائِدِ
مِنْ حُضُورِ الْقَلْبِ وَالِافْتِقَارِ، وَهُمَا نِهَايَةُ الْعِبَادَةِ
وَغَايَةُ الْمَعْرِفَةِ " فَعَلَيْكُمْ ": أَيْ إِذَا كَانَ هَذَا
شَأْنَ الدُّعَاءِ فَالْزَمُوا عِبَادَ اللَّهِ: أَيْ: يَا عِبَادَ اللَّهِ "
بِالدُّعَاءِ ": لِأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِ الْعُبُودِيَّةِ الَّتِي هِيَ
الْقِيَامُ بِحَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ.
المنهل
العذب المورود شرح سنن أبي داود (8/ 150) // محمود محمد خطاب السبكي
:
أن
الدعاء عبادة لما فيه من الخضوع وإظهار الاحتياج لله تعالى. وفائده تحصيل الثواب
بامتثال الأمر
الجواب
الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء (ص: 10)
الدُّعَاءُ
مِنْ أَنْفَعِ الْأَدْوِيَةِ
وَالدُّعَاءُ
مِنْ أَنْفَعِ الْأَدْوِيَةِ، وَهُوَ عَدُوُّ الْبَلَاءِ، يَدْفَعُهُ،
وَيُعَالِجُهُ، وَيَمْنَعُ نُزُولَهُ، وَيَرْفَعُهُ، أَوْ يُخَفِّفُهُ إِذَا
نَزَلَ، وَهُوَ سِلَاحُ الْمُؤْمِنِ...
لِلدُّعَاءِ مَعَ الْبَلَاءِ مَقَامَاتٌ.
وَلَهُ
مَعَ الْبَلَاءِ ثَلَاثُ مَقَامَاتٍ:
أَحَدُهَا:
أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنَ الْبَلَاءِ فَيَدْفَعُهُ.
الثَّانِي:
أَنْ يَكُونَ أَضْعَفَ مِنَ الْبَلَاءِ فَيَقْوَى عَلَيْهِ الْبَلَاءُ، فَيُصَابُ
بِهِ الْعَبْدُ، وَلَكِنْ قَدْ يُخَفِّفُهُ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا.
الثَّالِثُ:
أَنْ يَتَقَاوَمَا وَيَمْنَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ.
===================================
1635
- (11) [صحيح] وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ_:
"إنَّ
الله حَيِيٌّ كريم، يَسْتَحي إذا رَفع الرجلُ إليه يدَيه أن يردَّهما صِفْراً
خائبتين".
رواه
أبو داود والترمذي، وحسنه -واللفظ له-، وابن ماجه، وابن حبان في
"صحيحه"، والحاكم وقال:
"صحيح
على شرط الشيخين".
(الصِّفْر)
بكسر الصاد المهملة وإسكان الفاء: هو الفارغ.
فتح
الباري لابن حجر (11/ 142)
وَفِي
الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ رَدُّ مَنْ قَالَ لَا يَرْفَعُ كَذَا إِلَّا فِي
الِاسْتِسْقَاءِ بَلْ فِيهِ وَفِي الَّذِي بَعْدَهُ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ لَا
يَرْفَعُ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ غَيْرَ الِاسْتِسْقَاءِ أَصْلًا وَتَمَسَّكَ
بِحَدِيثِ أَنَسٍ لَمْ يَكُنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَهُوَ
صَحِيحٌ لَكِنْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَمَا فِي
مَعْنَاهَا بِأَنَّ الْمَنْفِيَّ صِفَةٌ خَاصَّةٌ لَا أَصْلُ الرَّفْعِ وَقَدْ
أَشَرْتُ إِلَى ذَلِكَ فِي أَبْوَابِ الِاسْتِسْقَاءِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الرَّفْعَ
فِي الِاسْتِسْقَاءِ يُخَالِفُ غَيْرَهُ إِمَّا بِالْمُبَالَغَةِ إِلَى أَنْ
تَصِيرَ الْيَدَانِ فِي حَذْوِ الْوَجْهِ مَثَلًا وَفِي الدُّعَاءِ إِلَى حَذْوِ
الْمَنْكِبَيْنِ وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا
حَتَّى يَرَى بَيَاضَ إِبْطَيْهِ بَلْ يُجْمَعُ بِأَنْ تَكُونَ رُؤْيَةُ
الْبَيَاضِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ أَبْلَغَ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ وَإِمَّا أَنَّ
الْكَفَّيْنِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ يَلِيَانِ الْأَرْضَ وَفِي الدُّعَاءِ يَلِيَانِ
السَّمَاءَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَبِتَقْدِيرِ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ فَجَانِبُ
الْإِثْبَاتِ أَرْجَحُ قُلْتُ وَلَا سِيَّمَا مَعَ كَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ
فِي ذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً أَفْرَدَهَا الْمُنْذِرِيُّ فِي
جُزْءٍ سَرَدَ مِنْهَا النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ
جُمْلَةً وَعَقَدَ لَهَا الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ بَابًا
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ قَدِمَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ
فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ
اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ دُونَ قَوْلِهِ وَرَفَعَ
يَدَيْه
بحر
الفوائد المسمى بمعاني الأخبار للكلاباذي (ص: 289)
الْحَيَاءُ
مِنْ أَوْصَافِ الْكِرَامِ، وَاللَّئِيمُ لَا يَكَادُ يَسْتَحْيِي، وَالْحَيَاءُ
يَجْمَعُ مَعَانِيَ كَبِيرَةً، فَمِنْهُ الِامْتِنَاعُ مِنَ الْفِعْلِ الذَّمِيمِ،
وَالْوَصْفِ الْقَبِيحِ، وَمِنْهُ التَّرَفُّعُ مِمَّا يَسْتَثْنِيهِ وَيُذَمُّ
عَلَيْهِ، وَمِنْهُ الْخَشْيَةُ مِنْ أَنْ يُوصَفَ بِالْقَبِيحِ مِنَ الْوَصْفِ
أَوْ يُنْسَبَ إِلَى الذَّمِيمِ مِنَ الْفِعْلِ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَوْصَافِ مِنْ
أَوْصَافِ الْكِرَامِ، وَالْحَيِيُّ أَيْضًا لَا يَكَادُ يَسْتَحْيِي إِلَّا
مِمَّنْ لَهُ قَدْرٌ وَخَطَرٌ، وَمَنْ لَا قَدْرَ لَهُ وَلَا خَطَرَ فَقَلَّمَا
يَسْتَحْيِي مِنْهُ، وَالْكَرِيمُ الْمُتَحَقِّقُ بِأَوْصَافِ الْكِرَامِ يَدَعُ
مَا يَدَعُهُ تَكَرُّمًا فِي نَفْسِهِ، وَيَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ فَضْلًا مِنْ
عِنْدِهِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَى مَا يُسْتَحْيَى مِنْهُ، فَيُعْطِي مَنْ لَا
يَسْتَحِقُّ، وَيَدَعُ عُقُوبَةَ مَنْ يَسْتَوْجِبُهَا؛ لِأَنَّهُ يُرْفَعُ مِنْ
صِفَةِ الْحِرْمَانِ، قَالَ الشَّاعِرُ يَمْدَحُ بَعْضَ الْمُلُوكَ بِالْكَرْمِ:
[البحر
المجتث]
يُفْضِي
حَيَاءً وَيُفْضِي ... عَطَاءً مَنْ لَا يَسْتَوْعِبُ
لِأَنَّهُ
يَتَرَفَّعُ مِنْ مَهَابَةٍ فَمَا يُكَلِّمُ إِلَّا حِينَ شِيمَ فَوَضَعَ
بِالْحَيَاءِ فِي تَرْكِ عُقُوبَةِ مَنْ يَسْتَوْجِبُ وَإِعْطَاءِ مَنْ لَا
يَسْتَوْعِبُ؛ لِأَنَّهُ يَتَرَفَّعُ مِنْ صِفَةِ الْحِرْمَانِ لِمَنْ سَأَلَهُ،
وَيَتَكَرَّمُ مِنْ عُقُوبَةِ مَنْ يَتَعَرَّضُ لِلْعَفْوِ مِنْهُ. وَلَمَّا كَانَ
الْحَيَاءُ مِنَ الْكَرِيمِ جَازَ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ بِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى كَرِيمٌ مُتَفَضِّلٌ عَفُوٌّ غَفُورٌ جَوَادٌ وَشَكُورٌ، فَإِذَا رَفَعَ
إِلَيْهِ الْعَبْدُ سَائِلًا مِنْهُ، وَطَالِبًا فَضْلَهُ، يَتَكَرَّمُ عَنْ أَنْ
[ص:290] يَحْرِمَهُ، وَيَتَعَالَى عَنْ أَنْ يَرُدَّهُ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ
لَا يَسْتَوْجِبُ الْعَطَاءَ، وَلَا يَسْتَأْهِلُ الْعَفْوَ، وَكَانَ جَلَّ
وَعَزَّ سَاخِطًا عَلَيْهِ غَيْرَ رَاضٍ عَنْهُ، فَهُوَ تَعَالَى يَتَفَضَّلُ مِنْ
عِنْدِهِ فَيُعْطِي مَنْ يَسْتَوْجِبُ الْحِرَمَانَ، وَيَعْفُو عَنِ الْعُقُوبَةِ
كَرَمًا مِنْهُ وَتَفَضُّلًا؛ لِأَنَّهُ جَلَّ وَعَزَّ لَا يَرْضَى حِرْمَانَ
عَبْدِهِ وَقَدْ مَدَّ إِلَيْهِ يَدَهُ سَائِلًا مِنْهُ مُفْتَقِرًا إِلَيْهِ
مُتَعَرِّضًا بِفَضْلِهِ مِمَّا لَا يَنْقُصُهُ وَلَا يَؤُدُهُ، وَيَعْفُو بِمَنْ
يَسْتَوْجِبُ الْعُقُوبَةَ وَهُوَ غَيْرُ رَاضٍ عَنْهُ، وَلَا قَابِلٍ مِنْهُ،
وَهُوَ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَمَّنْ تَجَلَّى عِنْدَهُ قَدْرُهُ وَيَعْظُمُ لَدَيْهِ
خَطَرُهُ، وَهُوَ الْمُؤْمِنُ بِهِ الْمُصَدِّقُ لَهُ الْمُقِرُّ لَهُ
بِالْوَحْدَانِيَّةِ، الْمُذْعِنُ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ يَأْتِي
مِنَ الْعِصْيَانِ مَا يَسْتَوْجِبُ بِهِ الْعُقُوبَةَ، وَمِنَ الْفِعْلِ مَا
يَسْتَحِقُّ بِهِ الْحِرْمَانِ فَهُوَ جَلَّ وَعَزَّ يُجِلُّ قَدْرَ عَبْدِهِ
الْمُؤْمِنِ أَنْ يَرُدَّ يَدَيْهِ صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ وَقَدْ رَفَعَهُمَا
إِلَيْهِ، وَهُوَ جَلَّ وَعَزَّ قَدْ يُعْطِي الْكَافِرَ بِهِ، وَالْجَاحِدَ لَهُ
وَالْمُشْرِكَ مَعَهُ غَيْرَهُ بَعْضَ مَا يَسْأَلُهُ كَرْمًا مِنْهُ وَفَضْلًا،
وَيُؤَخِّرُ عُقُوبَتَهُ، وَلَا يُعَالِجُهُ بِهَا إِذَا رَفَعَ إِلَيْهِ
يَدَيْهِ، وَهُوَ سَاخِطٌ عَلَيْهِ مُبْغِضٌ لَهُ مُعْرِضٌ عَنْهُ، اسْتِدْرَاجًا
لَهُ وَإِرَادَةَ السُّوءِ بِهِ، لَا لِإِجْلَالِهِ، وَلَا لِقَدْرِهِ عِنْدَهُ
وَكَرَامَتِهِ عَلَيْهِ، بَلْ لِأَنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ مُتَفَضِّلٌ حَلِيمٌ،
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ
ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ
يُشْرِكُونَ} [النحل: 54] ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ. فَإِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى
لَا يَرُدُّ يَدَ مَنْ يَرْفَعُهَا إِلَيْهِ صِفْرًا، وَهُوَ لَهُ عَاصٍ
وَلِأَمْرِهِ تَارِكٌ، وَعَنْ أَدَاءِ حُقُوقِهِ مُعْرِضٌ، فَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ
يَرْفَعُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ مُفْتَقِرًا إِلَيْهِ مُتَذَلِّلًا لَهُ مُعْتَذِرًا
إِلَيْهِ مُقْبِلًا عَلَيْهِ يَسْأَلُهُ سُؤَالَ الْمُضْطَرِّينَ، وَيَدْعُوهُ
دُعَاءَ الْغَرِيقِ، وَيَتَضَرَّعُ لِعَفَوْهِ تَعَرُّضَ مَنْ لَا يَسْتَأْهِلُ
لِنَفْسِهِ حَالًا لِنَفْسِهِ حَالًا، وَلَا يَرَى لِنَفْسِهِ، لَا يَرْجُو إِلَّا
فَضْلَهُ، وَلَا يَعْتَمِدُ إِلَّا عَلَى كَرَمِهِ، سُبْحَانَ الْكَرِيمِ ذِي
الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. فَمَعْنَى الْحَيَاءِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى التَّكَثُّرُ
فِي الْإِعْطَاءِ مَنْ يَسْتَوْجِبُ الْحِرْمَانَ عِنْدَ سُؤَالِهِ مِنْهُ وَرَفَعَ
يَدَيْهِ نَحْوَهُ، وَتَرَفُّعُهُ وَتَعَالِيهِ تَعَالَى عَنْ حِرْمَانِهِ مِمَّا
لَا يَنْقُصُهُ عَنْ عُقُوبَتِهِ مَنْ يَسْتَوْجِبُهَا، وَقَدْ تَعَرَّضَ
لِعَفْوِهِ وَامْتِنَاعِهِ عَنِ الْعُقُوبَةِ وَالْحِرْمَانِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ
الميسر
في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (2/ 517)
رفع
اليدين في الدعاء سنة سار في الأولين والآخرين سائرها، ولما كان الاجتهاد في
الابتهال والضراعة بأقصى ما تمكن العبد بين يدي الله من حق الدعاء استحب له أن
يجمع فيه - بعد الإخلاص - بين القول والفعل، فكان الثناء على الله تعالى بمحامد صفاته،
والاعتراف بالذلة والمسكنة، والقصور عما يبتغيه - ابتهالا قوليا، ومد السيد على
سبيل الضراعة ابتهالا فعليا؛ لأنه يصير بذلك كالسائل المتكفف المتعرض لأن يملأ كفه
مما يسد خلته؛ ولما كانت هذه الصيغة ضراعة استحب له أن يبالغ في مد اليدين على حسب
ما به من الفاقة، فكلما كانت الحاجة أمس كان مد اليد أشد؛ فإنه إذا رفعهما إلى
السماء مبالغا في الرفع - كان كالحرص على شيء يتوقع تناوله، فيجتهد أن تكون يده
أقرب إليه.
البدر
التمام شرح بلوغ المرام (10/ 441) للحسين بن محمد المغربي :
وفي
قوله: "إذا رفع يده". دلالة على استحباب رفع اليد في الدعاء، وقد ذهب
بعض إلى أن رفع اليد إنما هو مشروع في دعاء الاستسقاء، وتمسك بحديث أنس : لم يكن
النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء. وهو
حديث صحيح، ولكنه يراد بنفي الرفع هو الرفع الذي وقع في الاستسقاء، وهو حتى يُرى
بياض إبطيه، لا مطلق الرفع، ففي الاستسقاء الرفع إلى حد الوجه، وفي غيره يكون
الرفع إلى حد المنكبين، وقد رُوي في غير الاستسقاء أنه رفع إلى أن رُئي بياض
إبطيه، ويجمع بينهما بأن رؤية اليباض في غير الاستسقاء أقل منها في__الاستسقاء.
قال المنذري : وإذا تعذر الجمع، فرواية الإثبات مقدمة على النفي." اهـ
تحفة
الذاكرين بعدة الحصن الحصين (ص: 39)
وَفِي
الحَدِيث دَلِيل على أَن دُعَاء الْمُسلم لَا يهمل بل يعْطى مَا سَأَلَهُ إِمَّا
معجلا وَإِمَّا مُؤَجّلا تفضلا من الله عز وَجل."
سبل
السلام (2/ 708)
وَصْفُهُ
تَعَالَى بِالْحَيَاءِ يُحْمَلُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ كَسَائِرِ صِفَاتِهِ
نُؤْمِنُ بِهَا وَلَا نُكَيِّفُهَا وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مَجَازٌ وَتُطْلَبُ لَهُ
الْعِلَاقَاتُ هَذَا مَذْهَبُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ
توضيح
الأحكام من بلوغ المرام (7/ 552_553) // آل بسام :
*
ما يؤخذ من الحديث:
1
- الحديث يدل على مشروعية رفع اليدين في الدعاء، ورفع اليدين بالدعاء من___
المسائل
التي تواترت فيها الأحاديث تواترًا معنويًّا؛ فقد روي منها عن النبي -صلى الله
عليه وسلم- نحو مائة حديث، لكنَّها في مواضع مختلفة، فكل واحد منها لم يتواتر
لفظًا، وإنما القدر المشترك بينها هو رفع اليدين في الدعاء؛ فهو متواتر باعتبار
مجموع الطرق الدال كل منها على مسألة بعينها.
2
- حكمة رفع اليدين أثناء الدعاء: إظهار الافتقار والفاقة أمام الغني الكريم،
وتفاؤلاً في أن يضع فيهما جلَّ وعلا الحاجة المطلوبة منه.
3
- لذا فإنَّه من كرمه، وجوده، وعطفه على عبده السائل يستحيي من عبده إذا رفع يديه
إليه أن يردهما صفرًا خاليتين من العطاء؛ فإنَّه يجود عليه، فيعطيه حاجته، ومطلبه؛
فهو الكريم الجواد.
===================================
1636 - (12) [صحيح لغيره] وعن أنسٍ رضي الله
عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"إن
الله رَحيم كَريم، يَسْتَحْيي مِنْ عَبده أن يَرفَع إليه يدَيْه، ثمَّ لا يضعُ
فيهما خيراً".
رواه
الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". وفي ذلك نظر.
===================================
1637
- (13) [صحيح] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"مَنْ
نَزَلَتْ به فاقةٌ فأنزلها بالناسِ؛ لم تُسَدَّ فاقتهُ، ومَنْ نزلت به فاقةٌ
فأنزلها بالله؛ فيوشك الله له برزق عاجلٍ أو آجلٍ".
رواه
أبو داود والترمذي والحاكم وصححه، وقال الترمذي:
"حديث
حسن صحيح غريب (1) ". [مضى 8 - الصدقات/ 5].
(يوشك)
بكسر الشين المعجمة؛ أي: يسرع، وزنه ومعناه.
__________
(1)
الأصل ومطبوعة عمارة: "ثابت"، والمعلقين الثلاثة! وكذلك كان فيما تقدم،
وهو خطأ صححته من "الترمذي" (2327). وقد نبه على ذلك الناجي جزاه الله
خيراً.
شرح
الحديث :
تحفة
الأحوذي (6/ 509)
وَخُلَاصَتُهُ
أَنَّ مَنِ اعْتَمَدَ فِي سَدِّهَا عَلَى سُؤَالِهِمْ (لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ)
أَيْ لَمْ تُقْضَ حَاجَتُهُ وَلَمْ تُزَلْ فَاقَتُهُ وَكُلَّمَا تُسَدُّ حَاجَتُهُ
أَصَابَتْهُ أُخْرَى أَشَدُّ مِنْهَا (فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ) بِأَنِ اعْتَمَدَ
عَلَى مَوْلَاهُ (فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ) أَيْ يُسْرِعُ لَهُ وَيُعَجِّلُ
(بِرِزْقٍ عَاجِلٍ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (أَوْ آجِلٍ) بِهَمْزَةٍ
مَمْدُودَةٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَوْشَكَ اللَّهُ لَهُ بِالْغِنَى
إِمَّا بِمَوْتٍ عَاجِلٍ أَوْ غِنًى عاجل
قال
القارىء فِي شَرْحِ قَوْلِهِ إِمَّا بِمَوْتٍ عَاجِلٍ قِيلَ بِمَوْتِ قَرِيبٍ لَهُ
غَنِيٍّ فَيَرِثُهُ
وَقَالَ
فِي شَرْحِ قَوْلِهِ أَوْ غِنًى عَاجِلٍ بِكَسْرٍ وَقَصْرٍ أَيْ يَسَارٍ
=========================================
1638
- (14) [حسن] وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -:
"لا
يرد القَدَرَ إلا الدعاءُ، ولا يزيد في العمرِ إلا البِرُّ،. . .".
رواه
ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، واللفظ له، وقال:
"صحيح
الإسناد". (2)
__________
(2)
قلت: فيه مجهول، لكن القدر المذكور هنا حسن لأن له شاهداً من حديث سلمان رضي الله
عنه، وهو مخرج في "الصحيحة" (154)، وبينت فيه علة حديث ثوبان هذا،
ونكارة الزيادة المشار إليها بالنقط، وهي بلفظ: "وإن الرجل ليحرم الرزق
بالذنب يذنبه". ومن جهل الثلاثة أو غفلتهم أنهم حسنوه بالزيادة! وسيذكرها
المصنف وحدها في (21 - الحدود/ 13 - الضعيف).
من
فوائد الحديث :
بحر
الفوائد المسمى بمعاني الأخبار للكلاباذي (ص: 181)
إِنَّ
لِلَّهِ تَعَالَى لَطَائِفَ يُحْدِثُهَا بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ لِيَصْرِفَ بِهَا
وَجْهَهُ إِلَيْهِ، وَيُقْبِلَ بِقَلْبِهِ عَلَيْهِ إِذَا شُغِلَ عَنْهُ
بِاتِّبَاعِ شَهْوَةٍ، وَالِاشْتِغَالِ بِنَهْمَةٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
يُحِبُّ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ،
وَالْمُحِبُّ
يُحِبُّ إِقْبَالَ مَحْبُوبِهِ عَلَيْهِ، وَمُوَاجَهَتَهُ لَهُ، وَانْصِرَافَهُ
إِلَيْهِ، وَيَكْرَهُ شُغْلَهُ عَنْهُ بِغَيْرِهِ، وَإِعْرَاضَهُ عَنْهُ،
فَالْمُؤْمِنُ
إِذَا شُغِلَ بِنَهْمَتِهِ وَرَجَعَ إِلَى شَهْوَتِهِ، وَأَقْبَلَ عَلَى غَيْرِ
مَوْلَاهُ حَرَمَهُ مَوْلَاهُ رِزْقَهُ الَّذِي إِلَيْهِ ضَرُورَتُهُ، وَبِهِ
حَاجَتُهُ مِمَّا بِهِ قَوَامُهُ فِي مَعَايِشِهِ، وَعَوْزٌ عَلَى أَمْرِ
مَعَادِهِ،
فَيَكُونُ
ذَلِكَ زَجْرًا مِنْهُ لَهُ، وَجَذْبًا إِلَيْهِ مِمَّا أَقْبَلَ عَلَيْهِ،
وَصَرْفًا لَهُ عَمَّا شُغِلَ بِهِ إِلَى مَنْ شُغِلَ عَنْهُ، وَتَأْدِيبًا أَنْ
لَا يَعُودَ إِلَى مِثْلِهِ كَالطِّفْلِ الَّذِي تَدَعُوهُ
أُمُّهُ فَيُعْرِضُ عَنْهَا، وَيَعْدُو إِلَى لَهْوٍ، فَيَعْثُرُ، فَيَقَعُ،
فَيَقُومُ، فَيَعْدُو إِلَى أُمِّهِ بَاكِيًا، وَيَتَلَحَّى إِلَيْهَا شَاكِيًا،
وَكَذَلِكَ
الْمُؤْمِنُ يُصِيبُ الذَّنْبَ بِشَهْوَةٍ تَغْلِبُهُ، وَنَهْمَةٍ لَا
يُقَاوِمُهَا، فَيَحْرِمُهُ رَبُّهُ رِفْقَهُ، وَيَمْنَعُهُ رِزْقَهُ،
فَيَنْتَبِهُ فَيُعْرِضُ عَنْ شَهْوَتِهِ، فَيَرْفُضُ نَهْمَتَهُ، وَيُقْبِلُ
عَلَى مَوْلَاهُ، وَالَّذِي يُبْغِضُهُ اللَّهُ مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ، وَأَشْرَكَ
مَعَهُ غَيْرَهُ، وَأَعْرَضَ بِقَلْبِهِ عَنْهُ،
فَإِنَّهُ
يَزِيدُهُ مِمَّا يُشْغَلُ بِهِ، وَيَصْرِفُهُ عَنْهُ بُغْضًا لَهُ وَمَقْتًا،
قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} [آل عمران:
178] ،
وَقَالَ
اللَّهُ تَعَالَى {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا
لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ
عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف: 33] ،
لِيَشْغَلَهُمْ
بِهَا عَنْهُ، وَيُبَاعِدَهُمْ عَنْهُ، فَمَنْ أَقْبَلَ إِلَيْهِ كَفَاهُ
حَوَائِجَهُ، وَسَهَّلَ لَهُ مَرَافِقَهُ، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ،
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فِي الِاشْتِغَالِ بِمَا دُونَهُ عَنْهُ يَكْفِهِ
مُؤَنَهُ، وَيُخْرِجْهُ مِمَّا يَصْرِفُهُ عَنْهُ، وَيَقُومُ بِكِفَايَتِهِ
لِئَلَّا يَشْغَلَهُ عَنْهُ شَاغِلٌ، بَلْ يَكُونُ شُغْلُهُ بِهِ، وَوَجْهُهُ
إِلَيْهِ،
وَمَنْ
شُغِلَ بشَيْءٍ دُونَهُ أَوْ بِهِ فَحَرَمَهُ رِزْقَهُ، وَمَنْعَهُ رِفْقَهُ
فَيُقْبِلُ عَلَيْهِ، وَيَرْجِعُ عَمَّا شُغِلَ بِهِ إِلَيْهِ , وَالرِّزْقُ
الَّذِي يَحْرِمُهُ: الرِّفْقُ مِمَّا يَمْلِكُهُ، أَوْ زَوَالُ مُلْكِهِ عَنْهُ،
وَأَنْ يَلْتَوِيَ عَلَيْهِ أَسْبَابُ رِزْقِهِ فَقُدِرَ عَلَيْهِ، وَيَصِيرُ
عَلَيْهِ مَطْلَبُهُ،
وَقَدْ
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الرِّزْقِ الشُّكْرَ، قَالَ تَعَالَى {وَتَجْعَلُونَ
رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82] ،
قِيلَ
فِي التَّفْسِيرِ: شُكْرُكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ، فَيَكُونُ حِرْمَانُ
الرِّزْقِ حِرْمَانَ الشُّكْرِ عَلَى النِّعْمَةِ، فَيُحْرَمُ الزِّيَادَةَ
بِحِرْمَانِ الشُّكْرِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الزِّيَادَةِ فَهُوَ فِي
النُّقْصَانِ [ص:182]
وَقَوْلُهُ:
«لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ» يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَدَرُ سُبِقَ
بِالدُّعَاءِ، كَمَا سُبِقَ بِالْقَدَرِ، فَيُصْرَفُ الْمَكْرُوهُ الْمَقْدُورُ
بِالدُّعَاءِ الْمَقْدُورِ،
كَمَا
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسُئِلَ: أَرَأَيْتَ رُقًى
نَسْتَرِقُّهَا، وَدَوَاءً نَتَدَاوَى هَلْ يَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى،
فَقَالَ: «إِنَّهُ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ» هَذَا إِذَا كَانَ الْقَدَرُ سَبَقَ
بِأَنْ يُرُدَّ الْمَكْرُوهُ مِنَ الْقَدَرِ بِالدُّعَاءِ، وَإِنْ كَانَ
الْمَكْرُوهُ مَقْدُورًا أَنْ يُصِيبَهُ، وَيَقَعَ بِهِ،
فَإِنَّ
الدُّعَاءَ يُزِيلُ تَسَخُّطَ ذَلِكَ الْمَكْرُوهِ، وَيَكُونُ الرِّضَا بِهِ
مَقْدُورًا كَمَا كَانَ الْمَكْرُوهُ مَقْدُورًا، وَالْمَقْدُورُ إِنَّمَا يَكُونُ
مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّهُ مُؤْلِمٌ مَسْخُوطٌ، شَدِيدُ التَّحَمُّلِ،
فَإِذَا
زَالَ التَّسَخُّطُ صَارَ الْمَكْرُوهُ مَحْبُوبًا، فَكَانَ الْمَكْرُوهُ
الْمَقْدُورُ الْمُؤْلِمُ قَدْ صُرِفَ عَنْهُ، وَجَرَى عَلَيْهِ مَقْدُورٌ
مَحْبُوبٌ مُلِذٌّ، كَالْإِنْسَانِ يُسْقَى دَوَاءً فَيَتَكَرَّهُهُ لِمَرَارَتِهِ
وَبَشَاعَتِهِ، فَيَذُوقُهُ لَا يَجِدُ لَهُ مَرَارَةً وَلَا بَشَاعَةً،
فَيَتَلَذَّذُهُ وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْمَكْرُوهُ مَحْبُوبًا بِالدُّعَاءِ؛
لِأَنَّ الدُّعَاءَ تَقَرُّبٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، مِنْ قُرْبَةِ اللَّهِ
إِلَيْهِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أُذِنَ لَهُ بِالدُّعَاءِ
لَا يُحْرَمُ الْإِجَابَةَ»
فَالدَّاعِي
مُقَرَّبٌ، فَالْمُقَرَّبُ مَشَاهِدٌ، أَمَّا إِنْ شَاهَدَ عَاقِبَةَ الْمَكْرُوهِ
بِالثَّوَابِ الْمَوْعُودِ فِي الْآَجِلِ، وَالْمَصْرُوفِ عَنْهُ بِهِ مِنَ
الْمَكْرُوهِ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الْعَاجِلِ، أَوْ بِشُهُودِ
الْمُقَدَّرِ لَهُ.
وَقَوْلُهُ
_صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ :
«لَا
يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ»
يَجُوزُ
أَنْ يَكُونَ الْبِرُّ مَقْدُورًا لِلْعَبْدِ أَنْ يَأْتِيَهُ , وَيَكُونَ
زِيَادَةُ الْعُمُرِ مَقْدُورًا بِالْبِرِّ الْمَقْدُورِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنِ
الْبِرُّ مَقْدُورًا لَمْ يَكُنْ زِيَادَةُ الْعُمُرِ مَقْدُورًا،
*
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زِيَادَةُ الْعُمُرِ حُسْنَ الْحَالِ فِي مُدَّةِ
الْحَيَاةِ، وَالْأَجَلِ الْمُؤَقَّتِ الَّذِي لَا يَتَأَخَّرُ وَلَا يَتَقَدَّمُ،
وَطِيبُ الْحَيَاةِ فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَنْ
عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [النحل: 97] الْآَيَةَ،
وَطِيبُ
الْحَيَاةِ بِالْإِرْتِفَاقِ فِي مَعَايِشِهِ، وَاكْتِسَابِ الطَّاعَةِ
لِمَعَادِهِ، وَالْبِرُّ هُوَ الطَّاعَةُ لِلَّهِ تَعَالَى فِيمَا أَمَرَ،
وَالِانْتِهَاءُ عَمَّا زَجَرَ، وَالرِّضَا بِمَا حَكَمَ وَقَدَّرَ،
قَالَ
اللَّهُ _تَعَالَى_ :
{لَيْسَ
الْبِرَّ أَنْ تُولُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [البقرة:
177] الْآيَةَ، إِلَى قَوْلِهِ {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177] ،
فَالتَّقْصِيرُ
مِنَ الْعُمُرِ، وَالْيَسِيرُ مِنَ الْمُدَّةِ، وَإِذَا حَصَلَ مَعَ الطَّاعَةِ
لِلَّهِ تَعَالَى فِي أَمْرِ الدِّينِ، وَالرِّفْقِ فِي الْمَعَاشِ مِنَ
الْكِفَايَةِ فِي الْمُؤْنَةِ، وَصَوْنِ الْوَجْهِ، وَكَانَ الْعَبْدُ مَحْمُولًا
فِي الْمَكَانِ مُيَسَّرًا لَهُ الْيُسْرَى، مَعْرُوفًا عَنِ الْعُسْرَى، صَارَ
التَّقْصِيرُ مِنَ الْعُمُرِ طَوِيلًا،
*
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْبِرِّ بِرَّ الْوَلَدِ بِوَالِدَيْهِ،
وَبِرَّ الرَّجُلِ وَلَدَهُ وَقَرَابَتَهُ وَجِيرَانَهُ، وَمَنْ يُعَاشِرُهُمْ،
فَمَنْ حَسُنَتْ عِشْرَتُهُ خَلْقَ اللَّهِ طَابَتْ حَيَاتُهُ، وَفَائِدَةُ
الْعُمُرِ طِيبُ الْحَيَاةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
=======================================
1639 - (15) [حسن لغيره] وعن سلمان الفارسي
رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"لا
يَرُدُّ القضاءَ إلا الدعاءُ، ولا يزيدُ في العمرِ إلا البِرُّ".
رواه
الترمذي وقال: "حديث حسن غريب".
شرح
المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3164) :
"ويحتمل
أن يكون المراد من القدر الأمر الذي كان يقدر لولا دعاؤه، ومن العمر العمر الذي
كان يقصر لولا بره فيكون الدعاء والبر سببين من أسباب ذلك. وهما مقدران أيضاً، كما
أن الأعمال حسنها وسيئها سببان من أسباب السعادة والشقاوة، ولا شك أنهما مقدران
أيضاً." اهـ
====================================
====================================
2 - (الترغيب في كلمات يستفتح بها الدعاء، وبعض ما جاء في اسم الله
الأعظم).
1640
- (1) [صحيح] عن عبدِ الله بن بُرَيْدَة عن أبيه:
أنَّ
رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمعَ رجلاً يقول: اللهمَّ إني
أسألُكَ بأنِّي أَشْهدُ أنَّكَ أنتَ الله لا إلهَ إلا أنتَ، الأحدُ، الصمدُ، الذي
لمْ يلد، ولم يُولد، ولم يكن له كفواً أحد؛ فقال:
"لقد
سألت الله بالاسمِ الأعْظَمِ، الّذي إذا سُئِل به أعْطى، وإذا دُعي به أجاب".
رواه
أبو داود والترمذي، وحسنه، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم؛
إلا أنه قال فيه:
"لقد
سألت الله باسمه الأعظم"، وقال:
"صحيح
على شرطهما".
(قال
المملي:) قال شيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي:
"وإسناده
لا مطعن فيه، ولم يَرِد في هذا الباب حديثٌ أجود إسناداً منه".
__________
(1)
الأصل: "يا حنان يا منان! يا"، والتصحيح من أحمد وابن ماجه، والزيادة
منهما، وكذا ابن أبي شيبة، وهو مخرج في "الصحيحة" (3411). وفيه بيان ما
وقع للمعلقين الثلاثة من الخلط في تخريج الحديث، وغفلتهم عن التصحيح المذكور.
شرح
الحديث :
فتح
الباري لابن حجر (11/ 224)
تَكْمِيل
وَإِذْ قَدْ جَرَى ذِكْرُ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ فِي هَذِهِ الْمَبَاحِثِ
فَلْيَقَعِ الْإِلْمَامُ بِشَيْءٍ مِنَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ.
وَقَدْ
أَنْكَرَهُ قَوْمٌ كَأَبِي جَعْفَرٍ الطَّبَرِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ
الْأَشْعَرِيِّ وَجَمَاعَةٌ بَعْدَهُمَا كَأَبِي حَاتِمِ بْنِ حِبَّانَ
وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ.
فَقَالُوا
: "لَا يَجُوزُ تَفْضِيلُ بَعْضُ الْأَسْمَاءِ عَلَى بَعْضٍ وَنَسَبَ ذَلِكَ
بَعْضُهُمْ لِمَالِكٍ لِكَرَاهِيَتِهِ أَنْ تُعَادَ سُورَةٌ أَوْ تُرَدَّدُ دُونَ
غَيْرِهَا مِنَ السُّوَرِ، لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ
مِنْ بَعْضٍ فَيُؤْذِنُ ذَلِكَ بِاعْتِقَادِ نُقْصَانِ الْمَفْضُولِ عَنِ
الْأَفْضَلِ."
وَحَمَلُوا
مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِـ(الْأَعْظَمِ) : الْعَظِيمُ،
وَأَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ كُلَّهَا عَظِيمَةٌ.
وَعِبَارَةُ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّبَرِيِّ :
"اخْتَلَفَتِ
الْآثَارُ فِي تَعْيِينِ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّ
الْأَقْوَالَ كُلَّهَا صَحِيحَةٌ إِذْ لَمْ يَرِدْ فِي خَبَرٍ مِنْهَا أَنَّهُ
الِاسْمُ الْأَعْظَمُ وَلَا شَيْءَ أَعْظَمُ مِنْهُ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ كُلُّ
اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى يَجُوزُ وَصْفُهُ بِكَوْنِهِ أَعْظَمَ."
فَيَرْجِعُ إِلَى مَعْنًى عَظِيمٍ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ بن حِبَّانَ :
"الْأَعْظَمِيَّةُ
الْوَارِدَةُ فِي الْأَخْبَارِ إِنَّمَا يُرَادُ بِهَا مَزِيدُ ثَوَابٍ الدَّاعِي
بِذَلِكَ، كَمَا أُطْلِقَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ،
وَالْمُرَادُ
بِهِ : مَزِيدُ ثَوَابِ القاريء وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِـ(الِاسْمِ الْأَعْظَمِ) :
كُلُّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى دَعَا الْعَبْدُ بِهِ مُسْتَغْرِقًا
بِحَيْثُ لَا يَكُونُ فِي فِكْرِهِ حَالَتَئِذٍ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنَّ
مَنْ تَأَتَّى لَهُ ذَلِكَ اسْتُجِيبَ لَهُ وَنُقِلَ مَعْنَى هَذَا عَنْ جَعْفَرٍ
الصَّادِقِ وَعَنِ الْجُنَيْدِ وَعَنْ غَيْرِهِمَا.
وَقَالَ
آخَرُونَ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ وَلَمْ
يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ وَأَثْبَتَهُ آخَرُونَ مُعَيَّنًا
وَاضْطَرَبُوا فِي ذَلِكَ.
وَجُمْلَةُ
مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ
قَوْلًا :
الْأَوَّلُ : الِاسْمُ الْأَعْظَمُ.
هُوَ
نَقَلَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكَشْفِ.
وَاحْتَجَّ
لَهُ بِأَنَّ مَنْ أَرَادَ ان يعبر عَن كَلَام مُعظم بِحَضْرَتِهِ لَمْ يَقُلْ
لَهُ : "أَنْتَ قُلْتَ كَذَا."
وَإِنَّمَا
يَقُولُ : "هُوَ يَقُولُ" تَأَدُّبًا مَعَهُ.
الثَّانِي : اللَّهُ
لِأَنَّهُ
اسْمٌ لَمْ يُطْلَقْ عَلَى غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْأَسْمَاءِ
الْحُسْنَى وَمِنْ ثَمَّ أُضِيفَتْ إِلَيْهِ.
الثَّالِثُ : اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ.
وَلَعَلَّ
مُسْتَنَدَهُ : مَا أخرجه بن مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ :
أَنَّهَا
سَأَلَتِ النَّبِيَّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ أَنْ يُعَلِّمَهَا
الِاسْمَ الْأَعْظَمَ، فَلَمْ يَفْعَلْ فَصَلَّتْ وَدَعَتْ : "اللَّهُمَّ
إِنِّي أَدْعُوكَ اللَّهَ، وَأَدْعُوكَ الرَّحْمَنَ وَأَدْعُوكَ الرَّحِيمَ،
وَأَدْعُوكَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى كُلِّهَا، مَا عَلِمْتُ مِنْهَا، وَمَا لَمْ
أَعْلَمْ." الْحَدِيثَ.
وَفِيهِ
: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا :
"إِنَّهُ
لَفِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي دَعَوْتَ بِهَا."
قُلْتُ
: وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى.
الرَّابِعُ : الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ_الْحَيُّ الْقَيُّومُ،
لِمَا
أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ : أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
"اسْمُ
اللَّهِ الْأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ : ((وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم))، وَفَاتِحَةُ سُورَةِ آلِ
عِمْرَانَ اللَّهُ : ((لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)) أَخْرَجَهُ
أَصْحَابُ السُّنَنِ إِلَّا النَّسَائِيَّ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ،
وَفِي
نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ.
الْخَامِسُ : الْحَيُّ الْقَيُّومُ.
أخْرَج
بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ : "الِاسْمُ الْأَعْظَمُ فِي
ثَلَاثِ سُوَرٍ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَطَه."
قَالَ
الْقَاسِمُ الرَّاوِي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ : "الْتَمَسْتُهُ مِنْهَا
فَعَرَفْتُ ((أَنَّهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ))، وَقَوَّاهُ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ،
وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُمَا يَدُلَّانِ مِنْ صِفَاتِ الْعَظَمَةِ بالربوبية مَالا
يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهمَا كَدَلَالَتِهِمَا.
السَّادِسُ : الْحَنَّانُ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.
وَرَدَ
ذَلِكَ مَجْمُوعًا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْحَاكِمِ وَأَصْلُهُ
عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَصَححهُ بن حِبَّانَ. السَّابِعُ : بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ذُو الْجَلَالِ
والاكرام.
أخرجه
أَبُو يعلى من طَرِيق السّري بن يحيى عَن رجل من طي وَأَثْنَى عَلَيْهِ قَالَ :
"كُنْتُ
أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُرِيَنِي الِاسْمَ الْأَعْظَمَ فَأُرِيتُهُ مَكْتُوبًا فِي
الْكَوَاكِبِ فِي السَّمَاءِ."
الثَّامِنُ : ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.
أَخْرَجَ
لِلتِّرْمِذِي مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ :
"سَمِعَ____النَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_
رَجُلًا يَقُولُ : "يَاذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ"،
فَقَالَ
: "قَدِ اسْتُجِيبَ لَكَ، فَسَلْ."
وَاحْتَجَّ
لَهُ الْفَخْرُ بِأَنَّهُ يَشْمَلُ جَمِيعَ الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي
الْإِلَهِيَّةِ لِأَنَّ فِي الْجَلَالَ إِشَارَةً إِلَى جَمِيعِ السُّلُوبِ وَفِي
الْإِكْرَامِ إِشَارَةً إِلَى جَمِيعِ الْإِضَافَاتِ.
التَّاسِعُ : اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ
الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ.
أَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وبن ماجة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ
بُرَيْدَةَ.
وَهُوَ أَرْجَحُ مِنْ حَيْثُ السَّنَدُ
مِنْ جَمِيعِ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ
الْعَاشِرُ : رَبِّ رَبِّ.
أَخْرَجَهُ
الْحَاكِمُ من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء وبن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ : "اسْمُ
اللَّهِ الْأَكْبَرُ : رَبِّ رَبِّ"
وأخرج
بن أَبِي الدُّنْيَا عَنْ عَائِشَةَ :
"إِذَا
قَالَ الْعَبْدُ : "يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، قَالَ اللَّهُ _تَعَالَى_ : "لَبَّيْكَ
عَبْدِي، سَلْ تُعْطَ." رَوَاهُ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا.
الْحَادِيَ عَشَرَ : دَعْوَةُ ذِي النُّونِ.
أَخْرَجَ
النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ : عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رَفَعَهُ : "دَعْوَةُ
ذِي النُّونِ فِي بَطْنِ الْحُوتِ : (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي
كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ قَطُّ، إِلَّا
اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ."
الثَّانِيَ عَشَرَ :
نَقَلَ
الْفَخْرُ الرَّازِيُّ عَنْ زَيْنِ الْعَابِدِينَ : أَنَّهُ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ
يُعَلِّمَهُ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ، فَرَأَى فِي النَّوْمِ هُوَ : اللَّهُ اللَّهُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ
الْعَرْشِ الْعَظِيمِ."
الثَّالِثَ عَشَرَ : هُوَ مَخْفِيٌّ فِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى.
وَيُؤَيِّدُهُ
حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمُ لَمَّا دَعَتْ بِبَعْضِ الْأَسْمَاءِ
وَبِالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، فَقَالَ لَهَا _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ :
إِنَّهُ لَفِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي دَعَوْتِ بِهَا.
الرَّابِعَ عشر : كلمة التَّوْحِيد.
نَقله
عِيَاض كَمَا تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا
===========================================
1641 - (2) [حسن صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي
الله عنه قال:
مرَّ
النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأبي عَيَّاش زيدِ بن الصامِت
الزُّرَقِي وهو يصلِّي وهو يقول:
"اللهم
إنِّي أسألُك بأنَّ لكَ الحمدَ، لا إله إلا أنْت وحدك لا شريك لك، المنان، بديع
السمواتِ والأرضِ! ذو الجلالِ والإكرام! "، فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"لقد سألتَ الله باسْمِه الأعظَمِ، الَّذي إذا دُعِيَ به أجاب،
وإذا سُئِل به أعطى".
رواه
أحمد -واللفظ له-، وابن ماجه.
ورواه
أبو داود والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وزاد هؤلاء الأربعة:
(1)
__________
(1)
قلت: ذكر زيادتين ليستا من شرط الكتاب إحداهما عند الأربعة: "يا حي يا
قيوم"، والأخرى عند الحاكم: "أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار".
=======================================
1642 - (3) [حسن لغيره] وعن أسماءَ بنتِ
يزيدَ رضي الله عنها؛ أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"اسمُ
الله الأَعْظم في هاتين الآيتين: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا
هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}، وفاتحة سورة {آل عمران}: {اللَّهُ لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} ".
رواه
أبو داود والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي:
"حديث
حسن صحيح".
(قال
المملي عبد العظيم): "رووه كلهم عن عبيد الله بن أبي زياد القداح عن شهر بن
حوشب عن أسماء. ويأتي الكلام عليهما".
===========================================
1643 - (4) [صحيح] وعن فَضالة بن عبيد رضي
الله عنه قال:
بَيْنَما
رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاعدٌ إذ دَخَل رَجلٌ فصلَّى
فقال: (اللهمَّ اغفِرْ لي وارْحَمْني)، فقال رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -:
"عَجِلْتَ
أيُّها المُصَلِّي! إذا صَلَّيْتَ فقعدتَ فَاحمدِ الله بما هو أهْلُه، وصَلِّ
عليَّ، ثمَّ ادْعُهُ".
فتح
الباري لابن رجب (7/ 351)
وفي
هذا الحديث وحديث ابن مسعودٍ: استحباب تقديم الثناء على الله على الصلاة على نبيه
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا قد يصدق بالدعاء بعد التشهد والصلاة
على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لأن التشهد فيه ثناء على الله عز
وجل، فلا يحتاج إلى إعادة الثناء.
وقال
إسحاق: يحمد الله بعد التشهد وقبل الصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: نقله عنه حرب.