[544] وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «لا حَسَدَ إلا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً،
فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ في الحَقّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً، فَهُوَ
يَقْضِي بِهَا ويُعَلِّمُهَا» . متفقٌ عَلَيْهِ.
ومعناه:
يَنْبَغي أنْ لا يُغبَطَ أحَدٌ إلا عَلَى إحْدَى هَاتَيْنِ الخَصْلَتَيْنِ.
عبد الله بن مسعود بن غافل
بن حبيب بن شمخ بن مخزوم ، و يقال : ابن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث
بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، أبو عبد
الرحمن الهذلى ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
و كان أبوه مسعود بن غافل ، قد
حالف عبد ابن الحارث بن زهرة فى الجاهلية
،
و أمه أم عبد بنت ود بن سواء من هذيل أيضا ، لها صحبة .
أسلم بمكة قديما ، و هاجر
الهجرتين ، و شهد بدرا و المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . و هو صاحب
نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . كان يلبسه إياها إذا قام ، فإذا جلس أدخلها فى
ذراعه . و كان كثير الولوج على النبى
و قال أبو نعيم و غير واحد
: مات بالمدينة سنة اثنتين و ثلاثين و هو ابن بضع و ستين .
زاد بعضهم : و أوصى إلى الزبير
بن العوام أن يصلى عليه ،
قال الحافظ في تهذيب التهذيب
6 / 28 :
و آخى النبى صلى الله عليه
وآله وسلم بينه و بين سعد بن معاذ .
و قال ابن حبان : صلى عليه
الزبير .
و قال أبو نعيم : كان سادس
الإسلام .
و صح أن ابن مسعود قال : أخذت
من فى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعين
سورة . اهـ .
صحيح البخاري ـ حسب ترقيم فتح الباري - (6 / 236)
20- باب اغتباط صاحب القرآن.
5025- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ
أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : :
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : لاَ حَسَدَ إِلاَ عَلَى
اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَقَامَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ
وَرَجُلٌ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالاً فَهْوَ يَتَصَدَّقُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ
وَالنَّهَار.
شرح النووي على مسلم - (6 / 98)
والحكمة كل ما منع من الجهل وزجر عن القبيح
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (1 / 285)
(آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ) : وَهِيَ إِصَابَةُ
الْحَقِّ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ عِلْمِ أَحْكَامِ الدِّينِ.
|
شرح
الكلمات :
q
عمدة القاري شرح صحيح
البخاري - (2 / 56_57)
الْحَسَد:
تمني الرجل أَن يحول الله إِلَيْهِ نعْمَة الآخر أَو فضيلته، ويسلبهما عَنهُ._____
وَفِي
(مجمع الغرائب) : الْحَسَد أَن يرى الْإِنْسَان
لِأَخِيهِ نعْمَة فيتمنى أَن تكون لَهُ وتزول عَن أَخِيه، وَهُوَ مَذْمُوم.
والغبط: أَن يرى النِّعْمَة فيتمناها لنَفسِهِ من غير أَن تَزُول عَن صَاحبهَا،
وَهُوَ مَحْمُود. وَقَالَ ثَعْلَب: المنافسة أَن يتَمَنَّى مثل مَا لَهُ من غير
أَن يفْتَقر وَهُوَ مُبَاح. وَيُقَال: الْحَسَد تمني زَوَال النِّعْمَة عَن
الْمُنعم عَلَيْهِ،
q
عمدة القاري شرح صحيح
البخاري - (2 / 58)
والحسد
على ثَلَاثَة أضْرب: محرم ومباح ومحمود، فالمحرم: تمني زَوَال النِّعْمَة
الْمَحْسُود عَلَيْهَا عَن صَاحبهَا وانتقالها إِلَى الْحَاسِد.
وَأما
القسمان الْآخرَانِ فغبطة، وَهُوَ أَن يتَمَنَّى مَا يرَاهُ من خير بأحدٍ أَن يكون
لَهُ مثله، فَإِن كَانَت فِي أُمُور الدُّنْيَا فمباح، وَإِن كَانَت من الطَّاعَات
فمحمود.
قَالَ النَّوَوِيّ: الأول حرَام بِالْإِجْمَاع. وَقَالَ بعض
الْفُضَلَاء: إِذا أنعم الله تَعَالَى على أَخِيك نعْمَة، فكرهتها واحببت
زَوَالهَا، فَهُوَ حرَام بِكُل حَال، إلاّ نعْمَة أَصَابَهَا كَافِر أَو فَاجر،
أَو من يَسْتَعِين بهَا على فتْنَة أَو فَسَاد.
q
إكمال المعلم بفوائد
مسلم - (3 / 184)
والحسد
على ثلاثة أضرب: مُحَرَّمٌ مذمومٌ، ومباح،____ومحمود مرغبٌ فيه،
فالأول تمنى زوال النعمة المحسودة من صاحبها
وانتقالها إلى الحاسد، وهذا هو حقيقة الحسد، وهو مذموم شرعاً وعرفاً،
وأما
الوجهان الآخران: فهو الغبْطُ، وهو أن يتمنى ما يراه من خير بأحدٍ أن يكون له
مثله، فإن كان من أمور
الدنيا المباحة كان تمنى ذلك مباحاً، وإن كانت من
أمور الطاعات كان محموداً مرغباً فيه.
q
كشف المشكل من حديث
الصحيحين - (1 / 193)
الحسد
هو تمني زوال النعمة عن المحسود وإن لم تصر للحاسد وسببه أنه قد وضع في الطباع
كراهة المماثلة وحب الرفعة على الجنس فإذا رأى الإنسان من قد نال ما لم ينل أحب
بالطبع أن يزول ذلك ليقع التساوي أو ليحصل له الارتفاع على ذلك الشخص وهذا أمر
مركوز في الطباع ولا يسلم منه أحد وإنما المذموم العمل بمقتضى ذلك من سب المنعم
عليه أو السعي في إزالة نعمته ثم ينبغي للإنسان إذا وجد الحسد من نفسه أن يكره كون
ذلك فيه كما يكره ما وضع في طبعه من حب المنهيات وقد ذم الحسد على الإطلاق لما ينتجه
ويوجبه
فوائد الحديث :
عمدة
القاري شرح صحيح البخاري - (2 / 58)
وَقَالَ
ابْن بطال: وَفِيه من الْفِقْه أَن الْغَنِيّ إِذا قَامَ بِشُرُوط المَال، وَفعل
مَا يُرْضِي ربه تبَارك وَتَعَالَى فَهُوَ أفضل من الْفَقِير الَّذِي لَا يقدر على
مثل هَذَا، وَالله أعلم.
شرح صحيح البخارى ـ لابن بطال - (1 / 158)
وفيه
من الفقه أن الغنى إذا قام بشروط المال ، وفعل فيه ما يرضى الله ، فهو أفضل من
الفقير الذى لا يقدر على مثل حاله .
شرح
صحيح البخارى ـ لابن بطال - (3 / 408)
قال
بعض أهل العلم : إنفاق المال فى حقه ينقسم ثلاثة أقسام :
فالأول : أن ينفق على نفسه ، وأهله ، ومن تلزمه نفقته
غير مقتر عما يجب لهم ، ولا مسرف فى ذلك ، كما قال تعالى :
شرح
صحيح البخارى ـ لابن بطال - (3 / 409)
)
والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا ) [ الفرقان : 67 ] ،
وهذه النفقة أفضل من الصدقة ، ومن جميع النفقات ، لقوله ( صلى الله عليه
وسلم ) : ( إنك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى اللقمة تضعها
فِى فىّ امرأتك ) .
وقسم ثان : وهو أداء الزكاة ، وإخراج حق الله تعالى لمن
وجب له . وقد قيل : من أدى الزكاة فقد سقط عنه اسم البخل .
وقسم ثالث : وهو صلة الأهل البعداء ومواساة الصديق ، وإطعام
الجائع ، وصدقة التطوع كلها فهذه نفقة مندوب إليها مأجور عليها ، لقوله ( صلى الله
عليه وسلم ) : ( الساعى على الأرملة واليتيم كالمجاهد فى سبيل الله ) .
فمن أنفق فى هذه الوجوه الثلاثة فقد وضع المال فى موضعه ،
وأنفقه فى حقه ، ووجب حسده ، وكذلك من آتاه الله
حكمته فعلمها فهو وارث منزلة النبوة ، لأنه يموت ويبقى له أجر من علّمه ، وعمل
بعلمه إلى يوم القيامة ، فينبغى لكل مؤمن أن يحسد من هذه حاله ، والله يؤتى فضله
من يشاء .
q
شرح صحيح البخارى ـ
لابن بطال - (10 / 264)
قال
المؤلف : ذكر أبو عبيد بإسناده عن عبد الله بن عمر بن العاص قال : من جمع القرآن
فقد حمل أمرًا عظيمًا ، وقد استدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه ، فلا
ينبغى لصاحب القرآن أن يرفث فيمن يرفث ولا يجهل فيمن يجهل ، وفى جوفه كلام الله .
وقال سفيان بن عيينة : من أعطى القرآن فمد عينيه إلى شىء ما صغر القرآن فقد خالف
القرآن ،
q
بهجة
قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 293)
وأعظم من يغبط : من كان عنده مال قد حصل
له من حلة ، ثم سلط ووفق على إنفاقه في الحق ، في الحقوق الواجبة والمستحبة ، فإن
هذا من أعظم البرهان على الإيمان ، ومن أعظم أنواع الإحسان .
بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون
الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 294)
ومن كان عنده علم وحكمة علمه الله إياها
، فوفق لبذلها في التعليم والحكم بين الناس ، فهذان النوعان من الإحسان لا
يعادلهما شيء .
الأول : ينفع الخلق بماله ، ويدفع
حاجاتهم ، وينفق في المشاريع الخيرية ، فتقوم ويتسلسل نفعها ، ويعظم وقعها .
والثاني : ينفع الناس بعلمه ، وينشر
بينهم الدين والعلم الذي يهتدي به العباد في جميع أمورهم ، من عبادات ومعاملات
وغيرها .
q
بهجة
قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 294)
قال تعالى : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ
وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } [
يونس : 58 ]
|
q
بهجة
قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 295)
وقد يكون من تمنى شيئا من هذه الخيرات ،
له مثل أجر الفاعل إذا صدقت نيته ، وصمم من عزيمته أن لو قدر على ذلك العمل ، لعمل
مثله ، كما ثبت بذلك الحديث . وخصوصا إذا شرع وسعى بعض السعي .
تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء
والمرسلين للسمرقندي - (1 / 180)
فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ
يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنَ الْحَسَدِ، لِأَنَّ الْحَاسِدَ يُضَادُّ حُكْمَ اللَّهِ
تَعَالَى، وَالنَّاصِحَ هُوَ رَاضٍ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى.
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ
يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر : 9]
q
التحرير والتنوير -
(23 / 349)
وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِيمَانَ
أَخُو الْعِلْمِ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا نُورٌ وَمَعْرِفَةٌ حَقٌّ، وَأَنَّ الْكُفْرَ
أَخُو الضَّلَالِ لِأَنَّهُ وَالضَّلَالَ ظُلْمَةٌ وَأَوْهَامٌ بَاطِلَة.
التحرير والتنوير - (23 / 349)
وَإِذْ قَدْ كَانَ نَفْيُ الِاسْتِوَاءِ
كِنَايَةً عَنِ الْفَضْلِ آلَ إِلَى إِثْبَاتِ الْفَضْلِ لِلَّذِينَ يَعْلَمُونَ
عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ، فَإِنَّكَ مَا تَأَمَّلْتَ مَقَامًا اقْتَحَمَ فِيهِ عَالِمٌ
وَجَاهِلٌ إِلَّا وَجَدْتَ لِلْعَالَمِ فِيهِ مِنَ السَّعَادَةِ مَا لَا تَجِدُهُ
لِلْجَاهِلِ وَلِنَضْرِبَ لِذَلِكَ مَثَلًا بِمَقَامَاتٍ سِتَّةٍ هِيَ جُلُّ وَظَائِفِ
الْحَيَاةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ:
الْمَقَامُ الْأَوَّلُ :
الِاهْتِدَاءُ إِلَى الشَّيْءِ الْمَقْصُودِ نَوَالُهُ بِالْعَمَلِ بِهِ وَهُوَ
مَقَامُ الْعَمَلِ،
فَالْعَالِمُ بِالشَّيْءِ يَهْتَدِي إِلَى
طُرُقِهِ فَيَبْلُغُ الْمَقْصُودَ بِيُسْرٍ وَفِي قُرْبٍ وَيَعْلَمُ مَا هُوَ مِنَ
الْعَمَلِ أولى بالإقبال عَنهُ، وَغَيْرُ الْعَالِمِ بِهِ يَضِلُّ مَسَالِكَهُ وَيُضِيعُ
زَمَانَهُ فِي طَلَبِهِ فَإِمَّا أَنْ يَخِيبَ فِي سَعْيِهِ وَإِمَّا أَنْ يَنَالَهُ
بَعْدَ أَنْ تَتَقَاذَفَهُ الْأَرْزَاءُ وَتَنْتَابَهُ النَّوَائِبُ وَتَخْتَلِطَ
عَلَيْهِ الْحَقَائِقُ فَرُبَّمَا يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ بَلَغَ الْمَقْصُودَ حَتَّى
إِذَا انْتَبَهَ وَجَدَ نَفْسَهُ فِي غَيْرِ مُرَادِهِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً
حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً [النُّور: 39] .
التحرير والتنوير - (23 / 350)
وَمِنْ أَجْلِ هَذَا شَاعَ تَشْبِيهُ الْعِلْمِ
بِالنُّورِ وَالْجَهْلِ بِالظُّلْمَةِ.
الْمقَام الثَّانِي:
ناشىء عَنِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مقَام السَّلَام مِنْ نَوَائِبِ الْخَطَأِ وَمُزِلَّاتِ
الْمَذَلَاتِ، فَالْعَالِمُ يَعْصِمُهُ عِلْمُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَالْجَاهِلُ يُرِيدُ
السَّلَامَةَ فَيَقَعُ فِي الْهَلَكَةِ، فَإِنَّ الْخَطَأَ قَدْ يُوقِعُ فِي الْهَلَاكِ
مِنْ حَيْثُ طَلَبِ الْفَوْزِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ
[الْبَقَرَة: 16] إِذْ مَثَّلَهُمْ بِالتَّاجِرِ خَرَجَ يَطْلُبُ فَوَائِدَ الرِّبْحِ
مِنْ تِجَارَتِهِ فَآبَ بِالْخُسْرَانِ وَلِذَلِكَ يُشَبَّهُ سَعْيُ الْجَاهِلِ بِخَبْطِ
الْعَشْوَاءِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَزَلْ أَهْلُ النُّصْحِ يُسَهِّلُونَ لِطَلَبَةِ
الْعِلْمِ الْوَسَائِلَ الَّتِي تَقِيهُمُ الْوُقُوعَ فِيمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ
مِنْ أَعْمَالِهِمْ.
الْمَقَامُ الثَّالِثُ:
مَقَامُ أُنْسِ الِانْكِشَافِ فَالْعَالِمُ تَتَمَيَّزُ عِنْدَهُ الْمَنَافِعُ وَالْمَضَارُّ
وَتَنْكَشِفُ لَهُ الْحَقَائِقُ فَيَكُونُ مَأْنُوسًا بِهَا وَاثِقًا بِصِحَّةِ إِدْرَاكِهِ
وَكُلَّمَا انْكَشَفَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ كَانَ كَمَنْ لَقِيَ أَنِيسًا بِخِلَافِ غَيْرِ
الْعَالِمِ بِالْأَشْيَاءِ فَإِنَّهُ فِي حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ حِينَ تَخْتَلِطُ
عَلَيْهِ الْمُتَشَابِهَاتُ فَلَا يَدْرِي مَاذَا يَأْخُذُ وَمَاذَا يَدَعُ، فَإِنِ
اجْتَهَدَ لِنَفْسِهِ خَشِيَ الزَّلَلَ وَإِنْ قَلَّدَ خَشِيَ زَلَلَ مُقَلَّدِهِ،
وَهَذَا الْمَعْنَى يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى: كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا
فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا [الْبَقَرَة:
20] .
الْمَقَامُ الرَّابِعُ:
مَقَامُ الْغِنَى عَنِ النَّاسِ بِمِقْدَارِ الْعِلْمِ وَالْمَعْلُومَاتِ فَكُلَّمَا
ازْدَادَ عِلْمُ الْعَالِمِ قَوِيَ غِنَاهُ عَنِ النَّاسِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.
الْمَقَامُ الْخَامِسُ:
الِالْتِذَاذُ بِالْمَعْرِفَةِ، وَقَدْ حَصَرَ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ اللَّذَّةُ
فِي الْمَعَارِفِ وَهِيَ لَذَّةٌ لَا تَقْطَعُهَا الْكَثْرَةُ. وَقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ
مَثَلًا بِالظِّلِّ إِذْ قَالَ: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ
وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ [فاطر: 19- 21] فَإِنَّ الْجُلُوسَ
فِي الظِّلِّ يَلْتَذُّ بِهِ أَهْلُ الْبِلَادِ الْحَارَّةِ.
الْمَقَامُ السَّادِسُ:
صُدُورُ الْآثَارِ النَّافِعَةِ فِي مَدَى الْعُمْرِ مِمَّا يُكْسِبُ ثَنَاءَ النَّاسِ
فِي الْعَاجِلِ وَثَوَابَ اللَّهِ فِي الْآجِلِ، فَإِنَّ الْعَالِمَ مَصْدَرُ الْإِرْشَادِ
وَالْعِلْمِ دَلِيل عَلَى الْخَيْرِ وَقَائِدٌ إِلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [فاطر: 28] . وَالْعِلْمُ عَلَى
مُزَاوَلَتِهِ
ثَوَابٌ جَزِيلٌ،
قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ
اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ
وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةَ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ»
التحرير والتنوير - (23 / 351)
وَعَلَى بَثِّهِ مِثْلُ ذَلِكَ،
قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ
جَارِيَةٍ، وَعِلْمٍ بثه فِي صُدُور الرِّجَال، وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ بِخَيْرٍ»
. فَهَذَا التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْعَالِمِ
وَالْجَاهِلِ فِي صُوَرِهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مَشْمُولٌ لِنَفْيِ الِاسْتِوَاءِ
الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ
لَا يَعْلَمُونَ وَتَتَشَعَّبُ مِنْ هَذِهِ الْمَقَامَاتِ فُرُوعٌ جَمَّةٌ وَهِيَ
عَلَى كَثْرَتِهَا تَنْضَوِي تَحْتَ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ.
|