Kamis, 25 Januari 2018

Dosa Besar ke-65


الكبيرة الخامسة والستون :
الجدال والمراء واللدد ووكلاء القضاة
في الجدل وأنواعه وأحكامه
السؤال:
ما هو حكمُ الجدالِ في الشّرعِ، وهل يُعتبر مِنَ الخصوماتِ؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين، أمّا بعد:
فالجدلُ هو إظهارُ المتنازعَيْنِ مقتضى نظرتِهما على التّدافعِ والتّنافي بالعبارةِ أو ما يقوم مقامَهما مِنَ الإشارةِ والدّلالةِ، ومعنى ذلك أنّ كلاًّ مِنَ الخصمين يريد أن يكشفَ لصاحبِه صحّةَ كلامِه وحِفْظَ مقالِه، بإحكامِه وتقويةِ حجّتِه وهدمِ مقالِ خصمِه.

والجدلُ بهذا الاعتبارِ قد يكون مأمورًا به شرعًا، وقد يكون منهيًّا عنه، لذلك يتنوّع الجدلُ إلى: محمودٍ ومذمومٍ.

فأمّا الجدلُ المحمودُ فهو: ما يحتاج إليه الدّاعي مع الخصمِ مِنِ استعمالِ المعارضةِ والمناقضةِ؛ قصْدَ بيانِ غرضِه الصّحيحِ وأنّه مُحِقٌّ مِن جهةٍ، وإظهارِ فسادِ غرضِ خصمِه وأنّه مُبْطِلٌ مِن جهةٍ أخرى، وذلك بالحجّةِ والبرهانِ مع تفنيدِ شبهةِ الخصمِ وتهوينِ تعلُّقِه بها.

والجدلُ المحمودُ لا يخرج عن حيّزِ الوجوبِ أو النّدبِ، قال ابنُ تيميّةَ -رحمه الله-: «وأمّا جنسُ المناظرةِ بالحقِّ؛ فقد تكون واجبةً تارةً ومستحبَّةً تارةً أخرى»(١).

وقد بوّب ابنُ عبدِ البرّ -رحمه الله- لجنسِ الجدلِ المحمودِ في «جامع بيانِ العلمِ وفضلِه» بابًا بعنوانِ: «إثباتُ المناظرةِ والمجادلةِ وإقامةِ الحجّةِ»(٢
وذكر فيه جملةً مِنَ الأدلّةِ المفيدةِ لترجمةِ بابِه مِنَ القرآنِ والسّنّةِ، وأحوالِ الأنبياءِ مع أممِهم، ومجادلاتِ الصّحابةِ فيما بينهم، أو فيما بينهم وبين غيرِهم مِن أهلِ المللِ وأهلِ البدعِ، وكذا مناظراتِ العلماءِ بعد الصّحابةِ رضي اللهُ عنهم.

ويمكن ذكرُ بعضِ الأدلّةِ الشّرعيّةِ على هذا النّوعِ مِنَ الجدلِ، منها:
- قولُه تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥].
- وقولُه تعالى: ﴿وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [العنكبوت: ٤٦].
ولمّا كان الجدلُ مظِنَّةَ اللَّدَدِ في الخصومةِ أَمَرَ اللهُ المؤمنين بالإحسانِ فيه.
- مجادلةُ نوحٍ عليه السّلامُ لقومِه بالحقِّ حتّى استعجلوا العذابَ حين لم تَبْقَ لهم شبهةٌ يتعلّقون بها، قال تعالى حكايةً عن قومِ نوحٍ: ﴿قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [هود: ٣٢].
- وكذلك مجادلةُ إبراهيمَ عليه السّلامُ في مواقِفَ متعدِّدةٍ منها: مجادلتُه للملكِ الجائرِ الذي لَحِقَه البَهْتُ عند أخذِ الحجّةِ عليه، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ٢٥٨].
- وقولُه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «جَاهِدُوا المُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ»(٣)، والجهادُ باللّسانِ يكون بإقامةِ الحجّةِ على أهلِ الباطلِ ودحضِ شُبَهِهم ودُعائِهم إلى اللهِ تعالى، قال ابنُ حزمٍ -رحمه اللهُ-: «وفيه الأمرُ بالمناظرةِ وإيجابُها كإيجابِ الجهادِ والنّفقةِ في سبيلِ اللهِ»(٤).
أمّا الجدلُ المذمومُ فهو على نوعين:
الأوّلُ: جدلُ الكفّارِ: وهو ما كان على غيرِ هدًى، أو كان لدحْضِ الحقِّ، أو مفرَّغًا مِنَ العلمِ والحجّةِ، أو كان لتثبيتِ باطلٍ والدّعوةِ إليه ونصرةِ أهلِه والمنافحةِ عنهم ويدلّ على هذا المعنى مِنَ الجدلِ المنهيِّ عنه جملةٌ مِنَ الأدلّةِ القرآنيّةِ منها:
- قولُه تعالى: ﴿مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [غافر: ٤].
- وقولُه تعالى: ﴿وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ﴾ [غافر: ٥].
- وقولُه تعالى: ﴿الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [غافر: ٣٥].
- وقولُه تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾ [الحجّ: ٨، لقمان: ٢٠].
- وقولُه تعالى: ﴿أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ [الأعراف: ٧١].
الثّاني: جدلُ المسلمين: وهو القائمُ على طريقةِ أهلِ الأهواءِ والبِدَعِ، والذي يكون سببًا في التّحوّلِ والانتقالِ مِنَ الإيمانِ إلى الكفرِ، ومِنَ الهدى إلى الضّلالِ، ومِنَ السّنّةِ إلى البدعةِ، قال عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ -رحمه اللهُ-: «مَنْ جَعَلَ دِينَهُ غَرَضًا لِلْخُصُومَاتِ أَكْثَرَ التَّنَقُّلَ»(٥)، ومِنْ جدلِ المسلمين المذمومِ ما كان على وجهِ معارضةِ الآياتِ المتشابِهاتِ ابتغاءَ الفتنةِ وابتغاءَ تأويلِها على غيرِ مقصودِ الشّارعِ ومرادِه، أو تضمّن الجدلُ تكذيبًا للآثارِ، أو مكابَرةً لنصوصِ التّشريعِ، أو معارضةً للإجماعِ بنقضِ عقدتِه، أو مغالطةً في القياسِ أو في مقدّماتِه، أو ما كان الجدلُ قائمًا على المماراةِ والخصومةِ المؤديّةِ إلى تشتيتِ الألفةِ وتصديعِ أواصرِ المحبّةِ، أو إدخالِ الشّكوكِ في الثّوابتِ وتوليدِ الشّحناءِ في النّفوسِ بتسفيهِ الكبارِ والانتقاصِ مِن أهلِ الدّينِ والملّةِ ببترِ أقوالِهم وحملِ كلامِهم على غيرِ مرادِهم بمختلفِ الأغاليطِ وأساليبِ التّنقيرِ والتّحقيرِ والتّنفيرِ، أو إثارةِ العصبيّةِ والفُرْقةِ بين المسلمين، الأمرُ الذي قد يصل إلى حدِّ التّكفيرِ والاقتتالِ. وهذا كلُّه مذمومٌ مهما كان تبريرُ مقاصدِ المتخاصمَيْنِ، ويدلّ عليه قولُه تعالى: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ. يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾ [الأنفال: ٥-٦]، وقولُه تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٩٧]، وحديثُ عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: «تَلاَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: ٧]، فقال: يَا عَائِشَةُ، إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيهِ فَهُمُ الَّذِينَ عَنَاهُمُ اللهُ فَاحْذَرُوهُمْ»(٦)، وقولُه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلاَّ أُوتُوا الجَدَلَ ثُمَّ قَرَأَ: ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ [الزّخرف: ٥٨]»(٧)، وقولُه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ»(٨) أي: «أنّ مَن يُكثر المخاصمةَ يقع في الكذبِ كثيرًا»(٩).
هذا، وقد نهى السّلفُ وأئمّةُ الهدى عنِ الجدلِ المذمومِ والمراءِ في الدّينِ ومناظرةِ المسلمين على طريقةِ أهلِ الأهواءِ والبِدَعِ، قال الآجرّيُّ -رحمه الله- بعد أن ذكر طائفةً مِنَ الأدلّةِ في النّهيِ عنِ الجدلِ ما نصُّه: «لمّا سمع هذا أهلُ العلمِ مِنَ التّابعين ومَن بعدهم مِن أئمّةِ المسلمين لم يُماروا في الدّينِ ولم يجادلوا، وحذّروا المسلمين المراءَ والجدالَ، وأمروهم بالأخذِ بالسّننِ وبما كان عليه الصّحابةُ رضي الله عنهم، وهذا طريقُ أهلِ الحقِّ ممّن وفّقه اللهُ تعالى»(١٠).
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: ٠٢ من المحرَّم ١٤٣٢ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٨ ديسمـبر ٢٠١٠م

(١) «درء تعارض العقل والنّقل» لابن تيميّة (٧/ ١٧٤).
(٢) «جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البرّ (٢/ ٩٩).
(٣) أخرجه أبو داود في «الجهاد»، باب كراهية ترك الغزو (٢٥٠٤)، وأحمد في «مسنده» (٣/ ١٢٤)، من حديث أنس رضي الله عنه، وصحّحه الألبانيّ في «صحيح الجامع» (٣٠٩٠).
(٤) «الإحكام في أصول الأحكام» لابن حزم (١/ ٣٠).
(٥) أخرجه الدّارميّ في «سننه» (١/ ٩١)، باب من قال: العلم الخشية وتقوى الله، والآجرّيّ في «الشّريعة» (٦٤).
(٦) أخرجه بهذا اللّفظ: ابن ماجه (٤٧) باب اجتناب البدع والجدل، وأخرجه البخاريّ (٤٥٤٧)، ومسلم (٢٦٦٥) بلفظ: «فَإِذَا رَأَيْت الذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الذِينَ سَمَّى الله فَاحْذَرُوهُمْ».
(٧) أخرجه التّرمذيّ في «تفسير القرآن» (٣٢٥٣) باب ومن سورة الزّخرف، وأحمد في «مسنده» (٥/ ٢٥٢)، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، وحسّنه الألبانيّ في «صحيح الجامع» (٥٦٣٣).
(٨) أخرجه البخاريّ في «تفسير القرآن» باب ﴿وَهُوَ أَلَدُّ الخصَامِ﴾ (٢/ ٤٦٧)، ومسلم في «العلم» (٢/ ١٢٣٠) رقم (٢٦٦٨)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٩) «فتح الباري» لابن حجر (١٣/ ١٨١).
(١٠) «الشّريعة» للآجرّيّ (٥٨).



قال المؤلف الإمام الذهبي :
قال الله تعالى :
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)} [البقرة: 204، 205]

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (2/ 547)
وأَصل المخاصمة أَن يتعلَّق كلُّ واحد بخُصْم الآخر أَى بجانبه وان يَجْذب كلُّ واحد خُصْم الجُوَالق من جانبه.

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (2/ 373)  :
((بصيرة فى الجدال
وهو المعارضة على سبيل المنازعة والمغالبة. وأَصله من جَدَل الحَبْل: أَحكم فَتْله؛ كأَنَّ كلا من المتجادلين يفتِل الآخر عن رأيه.
وقد ورد فى القرآن على وجوه مختلفة:
الأَوّل: معارضة نوح وقومه {يانوح قَدْ جَادَلْتَنَا} .
الثانى: مجادلة أَهل العُدْوان {أتجادلونني في أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ} .
الثالث: جدال إِبراهيم والملائكة فى باب قوم لوط {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} .
الرّابع: جدال صناديد قريش فى إِثبات إِله العالمين {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي الله} وجدال الكفَّار فى باب القرآن {إِنَّ الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِ الله} وجدال المنكِرين فى إِنكار الحجّة والبرهان، بالشُّبهة والبطلان {وَجَادَلُوا بالباطل لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق} وجِدَالُ النبىّ صلّى الله عليه وسلَّم فى باب الخائنين من المنافقين {وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الذين يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} وجدال الصّحابة فى حقِّهم {هَا أَنْتُمْ هاؤلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الحياة الدنيا فَمَن يُجَادِلُ الله عَنْهُمْ} وجدال النبىّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَهل الكتاب_______باللّطف والإِحسان {وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ} وجدال الصّحابة إِيّاهُمْ {وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ} وجدال بمعنى الخصومة بين الحُجَّاج {وَلاَ جِدَالَ فِي الحج} وجدال ابن الزِّبَعْرَى فى حقّ عيسى وعُزَير والأَصنام {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً} وجدال موجودٌ فى جِبلَّة الإِنسان {وَكَانَ الإنسان أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} .
وقيل الأَصل فى الجدل: الصّراع وإِسقاط الإِنسان صاحبه على الجَدَالة أَى الأَرض الصُّلبة. والأَجدل: الصّقر المحكَّم البنْية. والمِجْدَل: القصر المحكَم البناء.")) اهــ كلام الفيروزآبادي _رحمه الله تعالى_

تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 93) :
((لما أمر تعالى بالإكثار من ذكره، وخصوصا في الأوقات الفاضلة الذي هو خير ومصلحة وبر، أخبر تعالى بحال من يتكلم بلسانه ويخالف فعله قوله،
فالكلام إما أن يرفع الإنسان أو يخفضه فقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي: إذا تكلم راق كلامه للسامع، وإذا نطق، ظننته يتكلم بكلام نافع، ويؤكد ما يقول بأنه {وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ} بأن يخبر أن الله يعلم، أن ما في قلبه موافق لما نطق به، وهو كاذب في ذلك، لأنه يخالف قوله فعله.
فلو كان صادقا، لتوافق القول والفعل، كحال المؤمن غير المنافق، فلهذا قال: {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} أي: إذا خاصمته، وجدت فيه من اللدد والصعوبة والتعصب، وما يترتب على ذلك، ما هو من مقابح الصفات، ليس كأخلاق المؤمنين، الذين جعلوا السهولة مركبهم، والانقياد للحق وظيفتهم، والسماحة سجيتهم.
{وَإِذَا تَوَلَّى} هذا الذي يعجبك قوله إذا حضر عندك {سَعَى فِي الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا} أي: يجتهد على أعمال المعاصي، التي هي إفساد في الأرض {وَيُهْلِكَ} بسبب ذلك {الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} فالزروع والثمار والمواشي، تتلف وتنقص، وتقل بركتها، بسبب العمل في المعاصي، {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} وإذا كان لا يحب الفساد، فهو يبغض العبد المفسد في الأرض، غاية البغض، وإن قال بلسانه قولا حسنا.
[ص:94]
ففي هذه الآية دليل على أن الأقوال التي تصدر من الأشخاص، ليست دليلا على صدق ولا كذب، ولا بر ولا فجور حتى يوجد العمل المصدق لها، المزكي لها وأنه ينبغي اختبار أحوال الشهود، والمحق والمبطل من الناس، بسبر أعمالهم، والنظر لقرائن أحوالهم، وأن لا يغتر بتمويههم وتزكيتهم أنفسهم.

==================================================
وقال تعالى :
{وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58)} [الزخرف: 58]

تفسير السمرقندي = بحر العلوم (3/ 261)
 قوله: مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا يعني: ما عارضوك بهذه المعارضة، إلا جدلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ يعني: يجادلونك شديد المجادلة بالباطل
==================================================
وقال تعالى :
{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56)} [غافر: 56]
Sesungguhhnya orang-orang yang memperdebatkan tentang ayat-ayat Allah tanpa alasan yang sampai kepada mereka, tidak ada dalam dada mereka melainkan hanyalah (keinginan akan) kebesaran yang mereka sekali-kali tiada akan mencapainya, maka mintalah perlindungan kepada Allah. Sesungguhnya Dia Maha Mendengar lagi Maha Melihat.
تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (21/ 404)
يقول تعالى ذكره: إن الذين يخاصمونك يا محمد فيما أتيتهم به من عند ربك من الآيات (بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ) يقول: بغير حجة جاءتهم من عند الله بمخاصمتك فيها (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ) يقول: ما في صدورهم إلا كبر يتكبرون من أجله عن اتباعك، وقبول الحق الذي أتيتهم به حسدا منهم على الفضل الذي آتاك الله، والكرامة التي أكرمك بها من النبوّة (مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ) يقول: الذي حسدوك عليه أمر ليسوا بُمدركيه ولا نائليه، لأن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وليس بالأمر الذي يدرك بالأمانيّ; وقد قيل: إن معناه: إن في صدورهم إلا عظمة ما هم ببالغي تلك العظمة لأن الله مذلُّهم.
==================================================
وقال تعالى :
{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)} [العنكبوت: 46]

زاد المسير في علم التفسير (3/ 409)
في التي هي أحسن ثلاثة أقوال:
أحدها : أنها لا إله إلا الله، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثاني : أنها الكفُّ عنهم إِذا بذلوا الجزية، فان أبَواْ قوتِلوا، قاله مجاهد.
والثالث : أنها القرآن والدّعاء إلى الله تعالى بالآيات والحُجج. قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وهم الذين نصبوا الحرب وأبَواْ أن يؤدُّوا الجزية، فجادِلوا هؤلاء بالسيف حتى يُسْلِموا أو يُعطوا الجزية وَقُولُوا لِمَن أدَّى الجزية منهم إِذا أخبركم بشيء ممَّا في كتبهم آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ الآية.
==================================================
وقال النَّبِيُّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ : «إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ _تعالى_ الأَلَدُّ الخَصِمُ» [خ م]

شرح النووي على مسلم (16/ 219)
شَدِيدُ الْخُصُومَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ لَدِيدَيِ الْوَادِي وَهُمَا جَانِبَاهُ لِأَنَّهُ كُلَّمَا اُحْتُجَّ عَلَيْهِ بِحُجَّةٍ أَخَذَ فِي جَانِبِ آخَرَ وَأَمَّا الْخَصِمُ فَهُوَ الْحَاذِقُ بِالْخُصُومَةِ وَالْمَذْمُومُ هُوَ الْخُصُومَةُ بِالْبَاطِلِ فِي رَفْعِ حق او اثبات بَاطِلٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

شرح صحيح البخارى لابن بطال (8/ 259)
قال المهلب: لما كان اللدد حاملاً على المطل بالحقوق والتعريج بها عن وجوهها، واللىّ بها عن مستحقيها وظلم أهلها؛ استحق فاعل ذلك بغضة الله وأليم عقابه.
================================================

وروى رَجَاءٌ _أَبُو يَحْيَى صاحب السَقَطِ، وهو لين_، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ : «مَنْ جَادَلَ فِي خُصُومَةٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ، لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ»

شرح الحديث :

ورد بمعناه في حديث ابن عمر مرفوعا :
«...وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ» د _ صحيح : الصحيحة 437

=================================================

393_ وروى حَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الجَدَلَ»،
ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ:
{مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58] (ت)

=================================================

394_ ويروى عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ ((إن أخوف ما أخاف على أمتي: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، ودنيا تقطّع أعناقكم))
وراه يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عمر -رضي الله عنه-

شرح الحديث :

جامع الأحاديث (7/ 155، بترقيم الشاملة آليا) للسيوطي في تخريج الحديث :
أبو نصر السجزى فى الإبانة عن ابن عمر

 تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (1/ 195)
قال الدارقطني وقد وقفه شعبة عن عمرو بن مرة يعني على معاذ قال والوقف هو الصحيح
=============================================

395_ قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ» [د : صحيح ]

==============================================

396_ وعن ابْنِ عُمَرَ عن النبي _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قال :
«مَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْه)) [د : صحيح]

وفي لفظ : ((فقد باء بغضب من الله)) أخرجه أبو داود
==================================================

397_ ويروى عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "إن أخْوَف ما أخاف على أمتي : كلُّ منافقٍ عليمِ اللسان". [حم]

==================================================

398_ وعَنِه _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قَالَ: «الحَيَاءُ وَالعِيُّ شُعْبَتَانِ مِنَ الإِيمَانِ، # وَالبَذَاءُ وَالبَيَانُ شُعْبَتَانِ مِنَ النِّفَاقِ» [ت]
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ.
وَالعِيُّ : قِلَّةُ الكَلَامِ، وَالبَذَاءُ: هُوَ الفُحْشُ فِي الكَلَامِ، وَالبَيَانُ: هُوَ كَثْرَةُ الكَلَامِ مِثْلُ هَؤُلَاءِ الخُطَبَاءِ الَّذِينَ يَخْطُبُونَ فَيُوَسِّعُونَ فِي الكَلَامِ وَيَتَفَصَّحُونَ فِيهِ مِنْ مَدْحِ النَّاسِ فِيمَا لَا يُرْضِي اللَّهَ

==================================================

أولاً : ينبغي التعريف بالفلسفة ، وأهم مبادئها قبل بيان حكم تعلمها ؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره .
قال الغزالي في الإحياء (1/22) : " وأما الفلسفة فليست علما برأسها بل هي أربعة أجزاء :
 أحدها : الهندسة والحساب ، وهما مباحان كما سبق ، ولا يُمنع عنهما إلا من يخاف عليه أن يتجاوز بهما إلى علوم مذمومة ، فإن أكثر الممارسين لهما قد خرجوا منهما إلى البدع ، فيصان الضعيف عنهما .
الثاني : المنطق ، وهو بحث عن وجه الدليل وشروطه ووجه الحد وشروطه وهما داخلان في علم الكلام .
الثالث : الإلهيات وهو بحث عن ذات الله سبحانه وتعالى وصفاته ، وهو داخل في الكلام أيضا ، والفلاسفة لم ينفردوا فيها بنمط آخر من العلم ، بل انفردوا بمذاهب بعضها كفر وبعضها بدعة .
 الرابع : الطبيعيات ، وبعضها مخالف للشرع والدين والحق ، فهو جهل وليس بعلم حتى نورده في أقسام العلوم . وبعضها بحث عن صفات الأجسام وخواصها وكيفية استحالتها وتغيرها ، وهو شبيه بنظر الأطباء إلا أن الطبيب ينظر في بدن الإنسان على الخصوص من حيث يمرض ويصح ، وهم ينظرون في جميع الأجسام من حيث تتغير وتتحرك ولكن للطب فضل عليه وهو أنه محتاج إليه .  وأما علومهم في الطبيعيات فلا حاجة إليها " انتهى مختصرا.

وجاء في "الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة" (2/1118- 1121) :
" الفسلفة:  كلمة يونانية مركبة من كلمتين "فيلا" بمعنى الإيثار وجعلها فيثاغورس بمعنى محبة ، و"سوفيا" ومعناها الحكمة. والفيلسوف مشتق من الفلسفة بمعنى "مؤثر الحكمة" إلا أن المصطلح تطور وأصبح يعني الحكمة.
ومن ثم أصبح يطلق على الفيلسوف الحكيم . وقد أطلقت الفلسفة قديماً على دراسة المبادئ الأولى ، وتفسير المعرفة عقلياً ، وكانت الغاية منها عند أصحابها البحث عن الحقيقة . والفلسفة عند أنصارها كما يعرفها د. توفيق الطويل هي "النظر العقلي المتحرر من كل قيد وسلطة تفرض عليه من الخارج ، وقدرته على مسايرة منطقه إلى أقصى آحاده، وإذاعة آرائه بالغاً ما بلغ وجه التباين بينها وبين أوضاع العرف ، وعقائد الدين ، ومقتضيات التقاليد ، من غير أن تتصدى لمقاومتها أو التنكيل بها سلطة ما ". والفيلسوف عند أرسطو أعلى درجة من النبي؛ لأنه النبي يدرك عن طريق المخيلة ، بينما الفيلسوف يدرك عن طريق العقل والتأمل. والمخيلة عندهم درجة أدنى من التأمل ، وقد تابع الفارابي أرسطو في جعل الفيلسوف فوق النبي .
الفلسفة بهذا التعريف تصادم الحكمة التي تعني في المصطلح الإسلامي السنة كما هو تعريف أكثر المحدثين والفقهاء ، وبمعنى القضاء والعلم والإتقان ، مع ضبط الأخلاق والتحكم في أهواء النفس وكفها عن المحارم . والحكيم من يتصف بهذه الصفات ، ولذلك فهي بهذا المعنى الفلسفي من أخطر الطواغيت وأشدها شراسة في محاربة الإيمان والأديان مستخدمة المنطق الذي يسهل تلبيسها على الناس باسم العقل والتأويل والمجاز الذي يحرف به النصوص.
يقول الإمام الشافعي : "ما جهل الناس واختلفوا إلا بتركهم مصطلح العرب وأخذهم بمصطلح أرسطو طاليس ". وعلى الرغم من وجود الفلسفات في الحضارات المصرية والهندية والفارسية القديمة، لكنها اشتهرت في بلاد اليونان بل وأصبحت مقترنة بها ، وما ذلك إلا لاهتمام فلاسفة اليونان بنقلها من تراث الشعوب الوثنية وبقايا الديانات السماوية مستفيدين من صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام بعد انتصار اليونانيين على العبرانيين بعد السبي البابلي، وبما استفادوه من دين لقمان الحكيم ، فجاءت خليطاً من نزعات التأليه وإثبات ربوبية الخالق جل وعلا ، مشوبة بالوثنية ، وعلى ذلك فإن الفلسفة اليونانية إحياءً أكثر منها اختراعاً...
ويلخص ابن أبي العز شارح الطحاوية مذهب الفلاسفة في خمسة أصول للدين عندهم فيما يلي:
أن الله سبحانه وتعالى موجود لا حقيقة له ولا ماهية ، ولا يعلم الجزئيات بأعيانها ولكنه يعلمها إجماليا ، وبالتالي أنكروا خلق أفعال عباده . كما ولا يؤمنون بكتبه حيث إن الله عندهم لا يتكلم ولا يكلم ، وأن القرآن فيض فاض من العقل الفعال على قلب بشر زكي النفس طاهر ، تعالى الله عن وصفهم علوا كبيرا ، ليست ذوات منفصلة تصعد وتنزل وتذهب ؛ إنما هي عندهم أمور ذهنية لا وجود لها في الأعيان . والفلاسفة أشد الناس إنكارا لليوم الآخر وأحداثه ،  وما الجنة والنار عندهم إلا أمثال مضروبة لتفهيم العوام ولا حقيقة لها في الخارج .
ولا زالت للفلسفة اليونانية روافد في كافة الفلسفات والدعوات الغربية القديمة والحديثة، بل وتأثرت بها معظم الفرق الإسلامية الكلامية، ولم يظهر مصطلح الفلسفة الإسلامية كمنهج علمي يدرس ضمن مناهج العلوم الشرعية إلا على يد الشيخ مصطفى عبد الرزاق – شيخ الأزهر- كردة فعل للهجوم الغربي على الإسلام بحجة أنه يخلو من الفلسفة. والحق أن الفلسفة جسم غريب داخل كيان الإسلام، فليس في الإسلام فلسفة ، ولا بين المسلمين فلاسفة بهذا المعنى المنحرف، وإنما في الإسلام علم محقق وعلماء محققون، ومن أشهر الفلاسفة المنتسبين للإسلام: الكندي، الفارابي، ابن سينا، وابن رشد  " انتهى باختصار.

ثانيا :
صرح جهور الفقهاء بتحريم تعلم الفلسفة ، ومن كلامهم في ذلك :
1_ قال ابن نجيم (حنفي) في "الأشباه والنظائر" : " تعلم العلم يكون فرض عين , وهو بقدر ما يحتاج إليه لدينه . وفرض كفاية , وهو ما زاد عليه لنفع غيره . ومندوبا , وهو التبحر في الفقه وعلم القلب . وحراما , وهو علم الفلسفة والشعبذة والتنجيم والرمل وعلم الطبيعيين والسحر " انتهى من "الاشباه والنظائر مع شرحها: غمز عيون البصائر للحموي" (4/125).
2_ وقال الدردير (مالكي) في "الشرح الكبير" في بيان العلم الذي هو فرض كفاية: " : " ( كالقيام بعلوم الشرع ) غير العيني , وهي الفقه والتفسير والحديث والعقائد , وما توقفت عليه من نحو وتصريف ومعان وبيان وحساب وأصول ، لا فلسفة , وهيئة , ولا منطق على الأصح ".
قال الدسوقي في حاشيته (2/174) : " ( قوله : على الأصح ) فقد نهى عن قراءته الباجي وابن العربي وعياض ، خلافا لمن قال بوجوب تعلمه لتوقف العقائد عليه وتوقف إقامة الدين عليها . ورد ذلك الغزالي بأنه ليس عند المتكلم من عقائد الدين إلا العقيدة التي يشارك فيها العوام وإنما يتميز عنهم بصفة المجادلة " انتهى .
3_ وقال زكريا الانصاري (شافعي) في "أسنى المطالب" (4/182) : " ( وأما علم ) أي تعلم علم ( الفلسفة والشعبذة والتنجيم والرمل وعلم الطبائعيين والسحر فحرام ) " انتهى .

4_ وقال البهوتي (حنبلي) في "كشاف القناع" (3/34) : " وعكس العلوم الشرعية علوم محرمة أو مكروهة ، فالمحرمة كعلم الكلام ) إذا تكلم فيه بالمعقول المحض , أو المخالف للمنقول الصريح الصحيح . فإن تكلم فيه بالنقل فقط , أو بالنقل والعقل الموافق له , فهو أصل الدين وطريقة أهل السنة ، وهذا معنى كلام الشيخ تقي الدين , وفي حاشيته : ما فيه كفاية في ذلك . ( و ) كعلم ( الفلسفة والشعبذة والتنجيم , والضرب بالرمل والشعير , وبالحصى , و ) كعلم ( الكيمياء , وعلوم الطبائعيين )" انتهى .
وينبغي أن يستثنى من التحريم دراستها لأهل الاختصاص ؛ لبيان ما فيها من الانحراف ، والرد على ما تثيره من الباطل .
______________________

علم الكلام لقب عرفي يصدق على كل من قرر العقيدة بغير طريقة المرسلين ، وهم فرق كثيرة ولكن لهم علامات مشتركة ، فكما تعرف السلفي بحبه للسلف وتعظيمه للنصوص وتقديمها على كل شيء فإنك تعرف المتكلم بتعظيم الفلاسفة (الحكماء) ، وتقديم العقل على النص ، وجهله بالأحاديث والآثار وغربة لغته عن لغة السلف فكلماته غير قرآنية ولاحديثيه بل هي من إرث الأمم الأولى ؛ كالجوهر والعرض والأبعاض والأعراض والأغراض وحلول الحوادث والخلاء والتحيز وغير ذلك مما تطفح به كتبهم !
قال الإمام اللالكائي- رحمه الله - :
"
وروى نوح الجامع ،قال: قلت لأبي حنيفة رحمه الله ما تقول فيما أحدث الناس من كلام في الأعراض والأجسام؟
فقال : مقالات الفلاسفة، عليك بالأثر وطريقة السلف ،وإياك وكل محدثة، فإنها بدعة"
وفي الجزء الثالث من « أخبارِ القضاة » لوكيع بن خلف في ترجمة القاضي أبي يوسف يعقوبَ بنِ إبراهيمَ الأنصاريُّ صاحبِ أبي حنيفة ما نصه : قال أبُو يوسف : العلم بالكلام جهل ، ومن طلب العلم به تزندقَ ، ومن طلب المال بالكيمياء أفتقَرَ ، ومن طلب الحديث بالغرائب كذَبَ " ا.هـ منه بلفظه .
ويقول ابن خويز منداد من المالكية: أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعرياً كان أو غير أشعري، ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبداً، ويهجر ويؤدب على بدعته فإن تمادى عليها استتيب منها. [جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (2/96)]

وقد ذكر الذهبي - رحمه الله - في ترجمة الإمام الشافعي - رحمه الله - جملة نصوص تدل بوضوح على موقفه من علم الكلام ؛ فمن ذلك :-
1_ لو علم الناس مافي الكلام من الأهواء لفروا منه كما يفرون من الأسد !
2_ ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح !
3_ والله لأن يفتي العالم فيقال أخطأ العالم خير له من أن يتكلم فيقال : زنديق ! وما شيء أبغض إلي من الكلام وأهله !!
4_ وقال ياربيع اقبل مني ثلاثا : لاتخوضن في أصحاب رسول الله فإن خصمك النبي غدا ، ولاتشتغل بالكلام فإني قد اطلعت من أهل الكلام على أمر عظيم ! ولاتشتغل بالنجوم فإنه يجر إلى التعطيل !
5_ وسئل الشافعي عن شيء من علم الكلام فقال : سل عن هذا حفصا الفرد وأصحابه أخزاهم الله !
6_ وقال : حكمي في أهل الكلام حكم عمر في صبيغ !
7_ وقال : حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد ويطاف بهم في العشائر ؛ ينادى عليهم هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام !
8_ وقال : مذهبي في أهل الكلام تقنيع رؤوسهم بالسياط وتشريدهم في البلاد ! قال الذهبي : لعل هذا متواتر عن الإمام !
9_ وقال المزني : كان الشافعي ينهى عن علم الكلام . وذكر أنه كان يطالع في علم الكلام قبل أن يقدم الشافعي فلما قدم سأله عن مسألة في علم الكلام فغلظ له القول حتى ترك الكلام وأقبل على الفقه !
10_ وقال الشافعي : لو أن رجلا أوصى بكتبه من العلم لآخر وكان فيها كتب الكلام لم تدخل في الوصية لأنه ليس من العلم !
11_ وقال : ما ناظرت أحدا في الكلام إلا مرة وأنا أستغفر الله من ذلك !"

وقال السيوطي في كتابه صون المنطق ص 15 أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى قال :
" ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب وميلهم إلى لسان أرسطاليس "

ونقل الذهبي - رحمه الله - : كان الشافعي بعد أن ناظر حفصا الفرد يكره الكلام ، وكان يقول : والله لأن يفتي العالم ، فيقال : أخطأ العالم خير له [ ص: 19 ] من أن يتكلم فيقال : زنديق ، وما شيء أبغض إلي من الكلام وأهله .
قلت : هذا دال على أن مذهب أبي عبد الله أن الخطأ في الأصول ليس كالخطأ في الاجتهاد في الفروع ". سير أعلام النبلاء (10/ )

و الإمام الشافعي - رحمه الله - عند تحذيره من الكلام يؤكد بشاعة الخطأ فيه لمايلزم من الخطأ في مسائله من التضليل أو التكفير بخلاف الخطأ في أمور الفقه فإنه لايبلغ ذلك.
وتأمل تعليق الإمام الذهبي على تفريقه بين الخطأين بقوله :" قلت : هذا دال على أن مذهب أبي عبد الله أن الخطأ في الأصول ليس كالخطأ في الاجتهاد في الفروع

قال أبو المظفر السمعاني في كتابه الانتصار لأصحاب الحديث :
"فلا ينبغي لأحد أن ينصر مذهبه في الفروع ثم يرغب عن طريقته في الأصول". نقله السيوطي في صون المنطق ص150
ومن تتبع كلام الأئمة وجد لذلك نظائر كثيرة ولعل فيها عبرة لمن ينتسب إليهم في الفروع ثم يخالفهم في الأصول !!

وقد نص الإمام أحمد على أن :
"من خاض في علم الكلام لايعتبر من أهل السنة وإن أصاب بكلامه السنة حتى يدع الجدل ويسلم للنصوص" فلم يشترطوا موافقة السنة فحسب بل التلقي والاستمداد منها .
قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - "فإن الكلام في القدر والرؤية والقرآن وغيرها من السنن مكروه ومنهي عنه ، لا يكون صاحبه و إن أصاب بكلامه السنة من أهل السنة حتى يدع الجدال ويسلم ويؤمن بالآثار ." رسالة أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل

فمن تلقى من السنة فهو من أهلها وإن أخطأ ومن تلقى من غيرها فقد أخطأ وإن وافقها في النتيجة.
فعلم العقيدة عند أهل الحديث والأثر مستمد في مسائله وتقريرها من الوحيين الكتاب والسنة وبيان نهج أئمة الأمة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم في تعاملهم مع مسائل الاعتقاد
ومثاله أول أحاديث الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه بعد المقدمة فقد افتتح بكتاب الإيمان وذكر حديث ابن عمر رضي الله عنه في البراءة من القدرية مستشهدا بحديث جبريل عليه السلام في بيان مراتب الدين
ومنهج علم العقيدة بهذا المعنى هو الأصل في تقرير مسائل العقيدة وأصول الإيمان.


وقد نقل الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري(13/ باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى) : عن الإمام القرطبي رحمه الله في المفهم : في شرح حديث أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم الذي تقدم شرحه في أثناء " كتاب الأحكام " وهو في أوائل " كتاب العلم " من صحيح مسلم ، :
((هذا الشخص الذي يبغضه الله هو الذي يقصد بخصومته مدافعة الحق ورده بالأوجه الفاسدة والشبه الموهمة ، وأشد ذلك الخصومة في أصول الدين ، كما يقع لأكثر المتكلمين المعرضين عن الطرق التي أرشد إليها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسلف أمته ، إلى طرق مبتدعة واصطلاحات مخترعة وقوانين جدلية وأمور صناعية مدار أكثرها على آراء سوفسطائية ، أو مناقضات لفظية ينشأ بسببها على الآخذ فيها شبه ربما يعجز عنها ، وشكوك يذهب الإيمان معها ، وأحسنهم انفصالا عنها أجدلهم لا أعلمهم ، فكم من عالم بفساد الشبهة لا يقوى على حلها ، وكم من منفصل عنها لا يدرك حقيقة علمها ثم إن هؤلاء قد ارتكبوا أنواعا من المحال لا يرتضيها البله ولا الأطفال ، لما بحثوا عن تحيز الجواهر والألوان والأحوال ، فأخذوا فيما أمسك عنه السلف الصالح من كيفيات تعلقات صفات الله تعالى وتعديدها واتحادها في نفسها ، وهل هي الذات أو غيرها؟ وفي الكلام : هل هو متحد أو منقسم ؟
وعلى الثاني : هل ينقسم بالنوع أو الوصف؟ ، وكيف تعلق في الأزل بالمأمور مع كونه حادثا؟ ، ثم إذا انعدم المأمور هل يبقى التعلق؟ ، وهل الأمر لزيد بالصلاة مثلا هو نفس الأمر لعمرو بالزكاة؟ إلى غير ذلك مما ابتدعوه مما لم يأمر به الشارع وسكت عنه الصحابة ومن سلك سبيلهم ، بل نهوا عن الخوض فيها لعلمهم بأنه بحث عن كيفية ما لا تعلم كيفيته بالعقل ؛ لكون العقول لها حد تقف عنده ، ولا فرق بين البحث عن كيفية الذات وكيفية الصفات ، ومن توقف في هذا فليعلم أنه إذا كان حجب عن كيفية نفسه مع وجودها ، وعن كيفية إدراك ما يدرك به فهو عن إدراك غيره أعجز ، وغاية علم العالم أن يقطع بوجود فاعل لهذه المصنوعات منزه عن الشبيه مقدس عن النظير متصف بصفات الكمال ، ثم متى ثبت النقل عنه بشيء من أوصافه وأسمائه قبلناه واعتقدناه وسكتنا عما عداه ، كما هو طريق السلف ، وما عداه لا يأمن صاحبه من الزلل ، ويكفي في الردع عن الخوض في طرق المتكلمين ما ثبت عن الأئمة المتقدمين كعمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس والشافعي ، وقد قطع بعض الأئمة بأن الصحابة لم يخوضوا في الجوهر والعرض وما يتعلق بذلك من مباحث المتكلمين ، فمن رغب عن طريقهم فكفاه ضلالا .
قال : وأفضى الكلام بكثير من أهله إلى الشك ، وببعضهم إلى الإلحاد وببعضهم إلى التهاون بوظائف العبادات ، وسبب ذلك إعراضهم عن نصوص الشارع وتطلبهم حقائق الأمور من غيره ، وليس في قوة العقل ما يدرك ما في نصوص الشارع من الحكم التي استأثر بها ، وقد رجع كثير من أئمتهم عن طريقهم ، حتى جاء عن إمام الحرمين أنه قال " ركبت البحر الأعظم ، وغصت في كل شيء نهى عنه أهل العلم في طلب الحق فرارا من التقليد والآن فقد رجعت [ ص: 363 ] واعتقدت مذهب السلف " هذا كلامه أو معناه وعنه أنه قال عند موته " يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام ، فلو عرفت أنه يبلغ بي ما بلغت ما تشاغلت به ، إلى أن قال القرطبي : ولو لم يكن في الكلام إلا مسألتان هما من مبادئه لكان حقيقا بالذم : إحداهما قول بعضهم إن أول واجب الشك إذ هو اللازم عن وجوب النظر أو القصد إلى النظر ، وإليه أشار الإمام بقوله : ركبت البحر . ثانيتهما قول جماعة منهم إن من لم يعرف الله بالطرق التي رتبوها والأبحاث التي حرروها لم يصح إيمانه ، حتى لقد أورد على بعضهم أن هذا يلزم منه تكفير أبيك وأسلافك وجيرانك ، فقال لا تشنع علي بكثرة أهل النار ، قال وقد رد بعض من لم يقل بهما على من قال بهما بطريق من الرد النظري وهو خطأ منه ، فإن القائل بالمسألتين كافر شرعا ، لجعله الشك في الله واجبا ، ومعظم المسلمين كفارا حتى يدخل في عموم كلامه السلف الصالح من الصحابة والتابعين ، وهذا معلوم الفساد من الدين بالضرورة ، وإلا فلا يوجد في الشرعيات ضروري ، وختم القرطبي كلامه بالاعتذار عن إطالة النفس في هذا الموضع لما شاع بين الناس من هذه البدعة حتى اغتر بها كثير من الأغمار فوجب بذل النصيحة ، والله يهدي من يشاء انتهى ".

وقال الحافظ ابن حجر : "وقال أبو المظفر بن السمعاني تعقب بعض أهل الكلام قول من قال : إن السلف من الصحابة والتابعين لم يعتنوا بإيراد دلائل العقل في التوحيد بأنهم لم يشتغلوا بالتعريفات في أحكام الحوادث وقد قبل الفقهاء ذلك واستحسنوه فدونوه في كتبهم ، فكذلك علم الكلام ، ويمتاز علم الكلام بأنه يتضمن الرد على الملحدين وأهل الأهواء ، وبه تزول الشبهة عن أهل الزيغ ويثبت اليقين لأهل الحق ، وقد علم الكل أن الكتاب لم تعلم حقيقته ، والنبي لم يثبت صدقه إلا بأدلة العقل ، وأجاب : أما أولا فإن الشارع والسلف الصالح نهوا عن الابتداع وأمروا بالاتباع ، وصح عن السلف أنهم نهوا عن علم الكلام وعدوه ذريعة للشك والارتياب" .فتح الباري

ومن العجيب أن أتباع هؤلاء الأئمة يحتجون بأقوال الأئمة المتبوعين الذين يحتج بكلامهم،، وربما قدمه البعض منهم عَلَى أحاديث صحيحة ثابتة عن النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الفروع، أو في المعاملات ونحو ذلك، فإذا جَاءَ إِلَى علم أصول الدين الذي هو أجل وأشرف من الفروع رمى بما قاله إمامه، وما ثبت عن السلف ، واتبع كلام علماء الكلام، ولذلك ظهرت ازدواجية ثلاثية فتجد أحدهم على عقيدة الأشعري ، وفقه مالك وطريقة نمير فنقول: إن كنتم صادقين أنكم تتبعون مالكاً والشَّافِعِيّ وأبا حنيفة فهذا كلامهم في أصول الدين وهو أعظم من الفروع، وهذا منهجهم في العقيدة عَلَى عقيدة السلف إلا فيما ندر من بعض المسائل


رجوع الغزالي والرازي والجويني والشهرستاني عن علم الكلام:

قال الإمام الغزالي رحمه الله في كتابه إحياء علو الدين "
وينبغي أن يحرس سمعه من الجدل والكلام غاية الحراسة, فإن ما يشوشه الجدل أكثر مما يمهده , وما يفسده أكثر مما يصلحه, بل تقويته بالجدل تضاهي ضرب الشجرة بالمدقة من الحديد رجاء تقويتها بأن تكثر أجزاؤها وربما يفتتها ذلك ويفسدها وهو الأغلب .
والمشاهدة تكفيك في هذا بيانا فناهيك بالعيان برهانا .
فقس عقيدة أهل الصلاح والتقى من عوام الناس بعقيدة المتكلمين والمجادلين فترى اعتقاد العامي في الثبات كالطود الشامخ لا تحركه الدواهي والصواعق, وعقيدة المتكلم الحارس اعتقاده بتقسيمات الجدل كخيط مرسل في الهواء تفيئه الرياح مرة هكذا ومرة هكذا إلا من سمع منهم دليل الاعتقاد فتلقفه تقليدا كما تلقف نفس الاعتقاد تقليدا ...
ثم الصبي إذا وقع نشوه على هذه العقيدة إن اشتغل بكسب الدنيا لم ينفتح له غيرها ولكنه يسلم في الآخرة باعتقاد أهل الحق إذ لم يكلف الشرع أجلاف العرب أكثر من التصديق الجازم بظاهر هذه العقائد فأما البحث والتفتيش وتكلف نظم الأدلة فلم يكلفوه أصلا .

فإن قلت تعلم الجدل والكلام مذموم كتعلم النجوم أو هومباح أو مندوب إليه ؟!

فاعلم أن للناس في هذا غلوا وإسرافا في أطراف فمن قائل إنه بدعة أو حرام وأن العبد إن لقي الله عز وجل بكل ذنب سوى الشرك خير له من أن يلقاه بالكلام ومن قائل إنه واجب وفرض إما على الكفاية أو على الأعيان وأنه أفضل الأعمال وأعلى القربات فإنه تحقيق لعلم التوحيد ونضال عن دين الله تعالى .
*
وإلى التحريم ذهب الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وسفيان* وجميع أهل الحديث من السلف .
قال ابن عبد الأعلى رحمه الله سمعت الشافعي رضي الله عنه يوم ناظر حفصا الفرد وكان من متكلمي المعتزلة يقول لأن يلقى الله عز وجل العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير من أن يلقاه بشيء من علم الكلام, ولقد سمعت من حفص كلاما لا أقدر أن أحكيه وقال أيضا قد اطلعت من أهل الكلام على شيء ما ظننته قط ولأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك خير له من أن ينظر في الكلام .

[وساق أقوال باقي الأئمة]
ثم قال: وقد اتفق أهل الحديث من السلف على هذا
ولا ينحصر ما نقل عنهم من التشديدات فيه.
وقالوا: ما سكت عنه الصحابة مع أنهم أعرف بالحقائق وأفصح بترتيب الألفاظ من غيرهم إلا لعلمهم بما يتولد منه من الشر .
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : " هلك المتنطعون هلك المتنطعون هلك المتنطعون " أي المتعمقون في البحث والاستقصاء .
واحتجوا أيضا بأن ذلك لو كان من الدين لكان ذلك أهم ما يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلم طريقه ويثني عليه وعلى أربابه فقد علمهم الاستنجاء و حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم الاستنجاء أخرجه مسلم من حديث سلمان الفارسي _وذكر بقية استدلالهم

ثم قال:
*
أما مضرته, فإثارة الشبهات, وتحريك العقائد, وإزالتها عن الجزم والتصميم, فذلك مما يحصل في الابتداء , ورجوعها بالدليل مشكوك فيه, ويختلف فيه الأشخاص .
فهذا ضرره في الاعتقاد الحق , وله ضرر آخر في تأكيد اعتقاد المبتدعة, وتثبيتها في صدورهم, بحيث تنبعث دواعيهم, ويشتد حرصهم على الإصرار عليه, ولكن هذا الضرر بواسطة التعب الذي يثور من الجدل, ولذلك ترى المبتدع العامي يمكن أن يزول اعتقاده باللطف في أسرع زمان, إلا إذا كان نشؤه في بلد يظهر فيها الجدل والتعصب, فإنه لو اجتمع عليه الأولون والآخرون لم يقدروا على نزع البدعة من صدره, بل الهوى والتعصب وبغض خصوم المجادلين وفرقة المخالفين يستولي على قلبه, ويمنعه من إدراك الحق.

*
وأما منفعته, فقد يظن أن فائدته كشف الحقائق ومعرفتها على ما هي عليه, وهيهات فليس في الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف, ولعل التخبيط والتضليل فيه أكثر من الكشف والتعريف.
وهذا إذا سمعته من محدث أو حشوى ربما خطر ببالك أن الناس أعداء ما جهلوا, فاسمع هذا ممن خبر الكلام, ثم قلاه بعد حقيقة الخبرة وبعد التغلغل فيه إلى منتهى درجة المتكلمين, وجاوز ذلك إلى التعمق في علوم أخر تناسب علم الكلام, وتحقق أن الطريق إلى حقائق المعرفة من هذا الوجه مسدود .
ولعمري لا ينفك الكلام عن كشف وتعريف, وإيضاح لبعض الأمور, ولكن على الندور في أمور جلية تكاد تفهم قبل التعمق في صنعة الكلام .)).ا.هـ[ الإحياء1/95]

وكلامه نفيس جدا, ينبغي العناية به.
ولذا قال ابن أبي العز :
[ وكلام مثله في ذلك حجة بالغة، والسلف لم يكرهوه لمجرد كونه اصطلاحاً جديداً على معان صحيحة، كالاصطلاح على ألفاظ لعلوم صحيحة، ولا كرهوا أيضاً الدلالة على الحق والمحاجة لأهل الباطل، بل كرهوه لاشتماله على أمور كاذبة مخالفة للحق، ومن ذلك : مخالفتها للكتاب والسنة وما فيه من علوم صحيحة، فقد وعّروا الطريق إلى تحصيلها وأطالوا الكلام في إثباتها مع قلة نفعها، فهي لحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقى، وأحسن ما عندهم فهو في القرآن أصح تقريرا، وأحسن تفسيرا، فليس عندهم إلا التكلف والتطويل والتعقيد كما قيل : لولا التنافس في الدنيا لما وضعت كتب التناظر لا المغني ولا العمد يحللون بزعـم منهم عقــدا وبالذي وضعوه زادت العقـد فهم يزعمون أنهم يدفعون بالذي وضعوه الشبهة والشكوك، والفاضل الذكي يعلم أن الشبهة والشكوك زادت بذلك]
شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي رحمه الله.
والله أعلم

وقال الفخر الرازي كما في وصيته المشهورة: ((لقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن))، ثم قال: ((ديني متابعةُ الرسول محمد، وكتابي القرآنُ العظيمُ وتعويلي في طلب الدين عليهما)). تاريخ الإسلام للذهبي، (18/242-243)

وقال الرازي: ((لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات)): {الرحمن على العرش استوى} [ طه ،آية:5]، و{إليه يصعد الكلم الطيب} [فاطر،آية:10 ]، وأقرأ في النفي {ليس كمثله شيء} [الشورى،آية:11]، {ولا يحيطون به علما} [طه،آية:110]، ثم قال من جرب مِثْلَ تجربتي عرف مِثْلَ معرفتي)) أ هـ. سير أعلام النبلاء (21/500)، شرح الطحاوية ص228، مجموع الفتاوى، (4/72-73)، (5/562)، العقل والنقل (1/159-160)، البداية والنهاية (13/61 ، 62).

وحكى أبو الفتح الطبري أنه دخل على أبي المعالي الجويني في مرضه فقال: اشهدوا عليَّ أني قد رجعت عن كل مقالة تخالف السنة وأَني أموت على ما يموت عليه عجائز نيسابور".السير، (18/474).
وأصرح منه ما قاله كما بالسير: ((قرأت خمسين ألفاً في خمسين ألفاً، ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظاهرة، وركبت البحر الخضم، وغصت في الذي نهى عَنْهُ أهل الإسلام، كل ذلك في طلب الحق، وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن فقد رجعت إلى "كلمة الحق"، عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحق بلطيف بره، فأموت على دين العجائز، ويختم عاقبة أمري عند الرحيل على كلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، فالويل لابن الجويني)) السير، (18/474)..

فإذا كان رجوعه إلى كلمة الحق، فما الذي كان عليه قبل ذلك، وما الذي نهى أهل الإسلام عنه !!!
وقال أبو الحسن القيرواني الأديب- وهو من تلاميذ الجويني- سمعت أبا المعالي يقول:
((يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفتُ أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما اشتغلت به)).سير أعلام النبلاء، (18/474)، المنتظم لابن الجوزي، (9/19)

وهذا أبو الفتح محمد بن أبي القاسم عبدالكريم الشهرستاني، ولد سنةوهو فقيه شافعي متكلم. وهو صاحب الملل والنحل.

ألف كتـــاب [نهاية الإقدام في علم الكـــلام] وهو الذي ذم فيه علم الكلام وحذر منه وأوضح أن علم الكلام إنما يورث الحيرة وليس لدى أربابه يقين في عقيدتهم.
وقد أثبت في أول كتابه المذكور بيتين في وصف حال أهل الكلام قائلاً:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها *** وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كف حـــائر *** على ذقن أو قارعا ســـــن نادم"

إذا كانوا هؤلاء من أصلهم على عقيدة أهل السنة والجماعة فعن أي شيء رجعوا؟ ولماذا رجعوا؟ وإلى أي عقيدة رجعوا؟.

يقوم البعض بترديد مقولة أن الرازي والجويني .. رجعوا إلى التفويض عوضاً عن التأويل
فنقول إن كنتَ كأسلافك تزعم أن مذهب السلف هو إما التأويل وإما التفويض، فعليه مَنْ أَخَذَ بأحدِهما – على زَعْمِكَ- يكون على الحقِ، فلم كانت حيرةُ هؤلاء وتذبذبهم ؟!!

فإن زعمت أنهم اختاروا التأويل أولاً ثم رجعوا إلى التفويض الذي هو مذهب السلف، فهذا ينقض أصلك بأن كُلاً من التفويض والتأويل حق.

وإن زعمت أنه ترجيح منهم لأحد الأمرين وأنه كان لابد من التأويل أولاً لأنه ، ثم لما حانت الوفاة عدل إلى ((التفويض)) لأنه هو السلامة، فهو اعتراف ضمني بمفهوم المخالفة أن المؤولَ ليس على السلامة، فكيف يكون التأويلُ هو مذهبُ السلف.







Tidak ada komentar:

Posting Komentar